الشاعر عبد الرزاق الربيعي في المنتدى الثقافي العربي في بريطانيا.. يتساءل: هل الشعر داء أم دواء؟

(ثقافات)

في جلسة نظّمها المنتدى الثقافي العربي في المملكة المتّحدة عنوانها( الشعر والوباء) تساءل الشاعر عبدالرزّاق الربيعي: هل الشعر داء أم دواء؟

وتابع :حين مرض كوكب الأرض بعد تفشّي الجائحة، فإنَّ القصيدة لم تمرض، وسرعان ما تفاعل الشعراء مع الخطر الذي هدّد العالم، راصدين أدق المشاعر الإنسانية .

د. عامر الصفار – رئيس المنتدى الثقافي العربي البريطاني

جاء ذلك خلال محاضرة قدّمها في جلسة نظّمها المنتدى الثقافي العربي في المملكة المتّحدة، عبر برنامج الزووم، وأدارها الكاتب والطبيب د.عامر هشام الصفّار. وأضاف الربيعي الذي ينتظر خلال الأيّام القادمة صدور كتابه (أرواح ثكلى في كوكب مريض- مقاطع عرضيّة من ذاكرة الوباء) “الشعر نشاط من أنشطة الحياة، ورصد دقيق لنبضها، وإنْ تعدّدت زوايا نظر الشعراء، وطرائق تعبيرهم عنها، باختلاف الزمان، والمكان، وتبدلاتهما، والشاعر ابن بيئته، وظرفه التاريخي، ومهما جنحت لغته للخيال، لا ينفصل بأيّ شكل من الأشكال عن الواقع، وهموم الناس.  وحين أرادت الحكومة التشيكية أن تشجع مواطنيها على أخذ اللقاح لجأت للشعر، فأستعانت بقصيدة لشاعر تشيكي، فالشعر يظلّ حاضرا، في مواجهات الإنسان المصيرية .

ثمّ طرح الربيعي محاور الجلسة التي بدأها بالحديث عن الوباء في الأساطير، والتاريخ، مستدعياً أسطورة (صندوق باندورا) اليونانية عندما حمل صندوقها الرزايا، والشرور، والأوبئة، و( الإلياذة) وحكاية فتاة المعبد التي أسرها جنود اجا ممنون قرب أسوار طروادة وغضب ( أبولو) عليهم فأرسل الوباء. كما تطرق الربيعي للنصوص المسمارية في حضارة وادي الرافدين والتي تحدّثت عن الأوبئة والأمراض، والأدوية، والإجراءات التي تتخذ لمواجهة الأوبئة، كما أثبتت الرسومات في الألواح والرقم الطينية.

ثم انتقل  إلى الأوبئة في الشعر العربي، وتعاطي الشعراء العرب مع الأمراض مستشهداً بأبي الطيّب المتنبي وقصيدته التي قالها عندما أصيب بحمى الملاريا، خلال إقامته بمصر، سنة(348هـ)، وخلال معاناته من هذه الحمّى  المرضية كتب قصيدةً ظلّت خالدة، وببيت واحد من أبياتها، تخلّت الحمى عن اسمها، وصار النقاد، والدارسون يطلقون عليها اسم” زائرة المتنبي”، وهذا البيت هو:

وزائرتي كأنَّ بها حياء

فليس تزور إلا في الظلام وقال : لم يكن المتنبي يخرج بهذا التصوير المدهش، لو لم يعش التجربة معايشة دقيقة، مثلما عاشها الشاعر علي أحمد باكثير الذي ألمّت به الحمّى أيضاً عندما كان يعمل في التدريس في حضرموت عام 1929 فكتب أكثر من قصيدة، من بينها ( دعيني أيها الحمى)، تحدّث بها عن المرض الذي داهمه، وجعله طريح الفراش في زمان، ومكان لم تكن به رعاية طبّيّة كافية لعلاجه منها، وهذا ما يشير إليه في قصيدته:

وغادرني طريحا في فراش

بأرض ما بها أبداً طبيب

وما أدري وقد أوهنت جسمي أأخطىء في مقالي أم أصيب

وبين الجسم والفكر ارتباط

إذا ما طاب ذاك فذا يطيب.

وحين يكتب الشاعر فضل خلف جبر (حمّى كورونا) ، فمن المؤكّد أنَّ اشتغالاته ستكون مختلفة، لأنّها تعكس روح عصرنا الحديث، لغة، وأداء، مستحضراً تقنيات القصيدة الحديثة في نصّه” حمّى كورونا”.

وانتقل الشاعر الربيعي لمحور آخر، متسائلاً : هل الشعر داء؟ أم دواء؟ وهل ينفع الشعر في علاج المصاب بـ(كورونا)؟ متوقفاً عند صيدلية افتتحت في لندن تقدّم لمرضاها وصفات للعلاج بالشعر !، وقال : لو نقّبنا جيداً ، في تراثنا الشعري، لوجدنا أنّ قيس بن الملوح كان يتداوى بالشعر، وقوله في قصيدته يشهد على ذلك:  تذكّرت ليلى والسنين الخواليا وأيّام لا نخشى على اللهو ناهيا، فما أشرف الأيفاع إلّا صبابة

ولا أنشد الأشعار إلا تداويا.

بعضهم يرى أنَّ الشعر داء، ولو لم يكن كذلك لما طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته وكانت له أسبابه، فقد عد الشعر مفسداً لأخلاق الشباب، ومثيراً للانفعالات، والقلق النفسي، بل في المسرحيات الشعرية الكوميدية، يقدّم تصورات عن الإنسان قد تكون أدنى مما هو عليه في الواقع، لكن بعضهم يرى العكس، فالشعر، بنظره، دواء للأسقام، كما قرأنا في بيت قيس بن الملوّح، وفي ساعات الألم، قد يلجأ هذا النوع من الناس للشعر، ليخفّف من أوجاعه، ويجدّد طاقته الروحية، ويجعله مقبلاً على الحياة بشهيّة، وبمزاج أفضل، فلا غرابة أن يدخل الشعر طرفاً في العلاج، وتساءل: هل مثل هذا النوع من الشعر متوفّر في شعرنا العربي؟ وإذا توفّر، فكم تبلغ نسبته؟ من حيث أن ّ طابع الشعر العربي الحديث سوداوي، كون الشعر مرآة صافية للواقع العربي المأزوم، فمن آلام السيّاب، ومعاناته، في حياته القصيرة، إلى أوجاع نازك الملائكة، وعبد الوهّاب البيّاتي، وصلاح عبد الصبور، بل أن هذا يفاقم الأوضاع عندما نقرأ نصوصاً متخمة بالحزن، وحينها يمكننا أن نتساءل: كيف يمكننا التداوي “بالتي كانت هي الداء “؟ مستخلصاً أن الجانب العلاجي متوفّر أكثر في الشعر الغربي المنفتح على الطبيعة الجميلة، الساحرة، والأفق الواسع للحريّات الشخصيّة، واحترام الفرد، والتنظيم العقلاني لعلاقته بالمجتمع، والسلطة، ومعالجة الأزمات وفق القانون، وهذه الأمور مازالت عالقة في مجتمعاتنا التي ينوء فيها الفرد بالعديد من القيود، والأزمات، والمشكلات الاجتماعيّة. 

وتحدث الكاتب الربيعي عن العزلة التي وفّرها الوباء للشعراء والكتّاب، فأنجزوا الكثير من المشاريع الكتابية المؤجلة، مستشهداً بكتاب الشاعر عدنان الصائغ ( نرد النص) الذي كان قد انتهى من كتابته بعد مضيّ أربع وعشرين سنة على الشروع بالكتابة، لكنه أوقف الطباعة، وأضاف فصولاً عن الوباء، لينتهي منه بعد سنة. وكتب الشاعر عارف الساعدي رواية ( زينب)، وكتب الروائي واسيني الأعرج رواية  ( ليالي رمادة) خلال شهور الإغلاق، ونشر فصولها في صفحته بالفيسبوك داعياً القراء لإبداء ملاحظاتهم، بل ترك لهم وضع النهاية، لأنَّ الكتابة بالنسبة له” وسيلة فنيّة للمقاومة، والحياة، عندما نجعلها رهانا كبيرا لا يمكن التنازل عنه” حسب تعببيره.

وبالنسبة لي-يقول الربيعي- فقد كتبت ديواني ( سياطين طفل الستين) وعدداً من النصوص المسرحية، وكتابي ( أرواح ثكلى في كوكب مريض).

أما عن طرائق تعبير الشعراء عن الوباء فقال الربيعي: ليس بالضرورة أن يكون التعبير مباشراً ، فبعضها جاء على هيأة قصائد حب، كما فعلت الشاعرة الإنجليزية ليندا هيبين في قصيدة عنوانها ” وقت الإغلاق أشتاق إليك” ترجمها د.صادق رحمة، صاحب كتاب( رسائل كورونا) والمشارك شاعراً ومترجماً في مشروع ( كوفيد والشعر العالمي) الذي يموّله المجلس البحثي للفنون والعلوم الإنسانية في المملكة المتحدة. وأشار المحاضر كذلك إلى القصيدة الرقمية في ظل الوباء، وماسببه الإغلاق من لجوء الشاعر للرقميات، مستفيداً من معطيات التطور التكنولوجي، والنصوص التفاعلية كما رأينا في تجربة الروائي واسيني الأعرج . ثم فتح باب الأسئلة، وكانت للدكتور سعد التميمي ود.سعيد الزبيدي، ود.مزهر الخفاجي، مداخلات أثرت الجلسة التي توجّه الحضور بالشكر للمحاضر، والمنتدى الثقافي العربي في المملكة المتحدة، والدكتور عامر هشام الصفار الذي وفّق في إدارتها، متمنين أن يواصل المنتدى عقد مثل هذه الجلسات التي يكتسب المتابعون منها الفوائد في ظرف هم أحوج ما يكونون إليه لفحص الظواهر التي تستجد في عالمنا

التفاصيل في اليوتيوب على الرابط:

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *