جدّتي نوفة – حكايات

(ثقافات)

* سهير سلطي التل

لجدتي لأمي نوفة اليوسف، مجموعة صور ذهنية ظلت غير مفهومة، حتى غادرت الطفولة وبدأت محاولة الفهم…..

جدتي تشرف على قطاف زيتون كرم على نيازي وعندما يغادر الجمع تجلس في ظل زيتونة بعيدة وتغني

(وش عاد بيدي يوم قفا وديدي ….. ربي شهيدي ظلت العين ترجاه)

جدتي في زاوية الديوان تلف سجاير الهيشي للزعيم على نيازي، ويجب ان لا يقل عدد السجائر عن ال100 سيجارة، تغني بصوت خافت

(ياهمي وما يشيلك ثور عمال…..)

جدتي لم تكن تحب البنات لكنها كانت حنونة

كبرت وعرفت أكثر هذه المراة فائقة الجمال، صوتا وصورة، الصلبة الحزينة دائما….احببتها، وكنت أتحايل لتروي لي بعضا من قصص حياتها، لأعرف بعضا من شجونها…..

كانت عاشقة لفارس اصيل أغرم بها وأغرمت به، وكان الملتقى بركة اربد الرومانية( اغلقت فيما بعد وتحولت ساحتها الى موقف سيارات) حيث تتجمع الصبايا لحمل الماء…..

القبيلة قد قررت -لانها اجمل البنات- تزويجها للزعيم الذي كان يكبرها باربعين سنة على الأقل، ولأنها صلبة قاومت الزواج، وبعد أن أجبرت عليه قاومت بعده، لتعود الي بيت الزوجية مكسورة بعد تهديدها باخذ ابنتها البكر(امي)، عادت وحولت حب الفارس المجهض، الى كل ماهو نبيل في حياتها، ابناء زوجها وكرم الزيتون ، والجيران من اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا الى تل اربد وجواره من كروم ال التل، وهناك اقيم مخيم اربد،

لم يغادرها الحزن بعد ان فقدت ابن زوجها الذي رعته كاولادها المهندس الشاب فؤاد الذي قصف قصفا- كما تقول- وابنها منذر الذي إنتحر عشقا……

لم تتعلم ولم تدخل الكتاتيب، لكن وعيها اوصلها الى قيادة تحركات نساء اربد في معظم احتجاجات الأرابدة على مايجري من مؤامرات، قادت النساء لإيصال الذخائر والسلاح للثوار غرب النهر، وقادتهن في مظاهرات الإحتجاج على حلف بغداد وغيرها في الاحداث الساخنة، وتروي انها كانت تدعو النساء للتجمع في كرم على نيازي بحجة وفاة احدى بناته ، للتحايل على الدرك ومنع التجول، وعندما يتجمع العدد الكافي تحمل قفة (الجلة-روث البقر-) وتمضي على رأس المظاهرة، ويروى انها اغرقت قائد قوات الدرك بحملها من (الجلة) لمنع جنوده التعدي على المتظاهرات بالضرب…

عندما غادرنا والدي الى الش

ام هربا من بطش السلطة، بعد اعلان الاحكام العرفية، وفتح معتقل الجفر الصحراوي لمئات السياسيين والنقابيين الشيوعيين والقوميين وغيرهم، وتخلي الجميع عن والدتي التي لم تكن تملك شروي نقير، لم يدعمنا أحد سوى هذه الجدة الطيبة…..

هذه الجدة كانت تؤمن بفطرتها باهمية الاستقلال الاقتصادي للنساء لذلك كانت تحرص على تربية بقرة حلوب اوعنزة،ومجموعة دجاجات بيّاضات، كانت تبيع منتجها من الحليب والبيض وتصرف على بيتنا، كما أقنعت أمي بضرورة تعلم الخياطة كي تعمل وتعلينا…..

جدتي كبرت وكبر معها حب ابنائها والوطن وكانت بعد انتهاء نشرات الاخبار التي تتابعها باهتمام تهمس باذني ( هو ياجدة حطيلي اغاني الفراق)

جدتي احبت الوطن، وعاشت حزن الفراق النبيل، لكنها لم تحب البنات….

  • أديبة وباحثة أردنية

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *