*سعيد مقدم
( ثقافات )
كان يجمعنا بيت واحد: أمي وأبي ونحن الأربعة وأختنا العزيزة (أم سلمان).
شتتتنا سيرة الحياة، تزوجنا وذهب كل منا إلى حياته الخاصة؛ وبقي أبي وأمي وحيدين في البيت.
عرضت عليهما أن ينتقلا إلى بيتي ليعيشا معنا (وأدري أن أم شروق سوف تستقبلهما أحسن استقبال)؛
لكنهما رفضا أن يهجرا بيتهما؛ فصرت أزورهما كل يوم. علمًا بأن بيتي يقع على بعد كيلومتر واحد عن بيتهما.
وكلما زرتهما استقبلاني ضيفًا عزيزًا وكأني لست ابنهما وكأن ما أقوم به ليس واجبي.
وفي كل زيارة يتكلم أبي عن ماضيه وعن ما سمعه آنذاك، وسأنقل بعض ما حكى لي من طرائف وقصص وخواطر:
من الأشجع؟
دار حوار الشجاعة بين رجلين من القرية.
قال أحدهما: أنا الأشجع.
وادعى الثاني أنه هو الأشجع.
فتشارطا على أن الأشجع من يستطيع أن يذهب إلى المقبرة بعد منتصف الليل ويدق وتدًا معينًا في وسطها!
ثم يرجع ويجلب معه الحاضرين بفوانيسهم ليريهم مكان الوتد.
ذهب أحدهما ودق وتده ورجع، وتبين أنه أثبت شجاعته.
ثم ذهب الثاني، وصل إلى وسط المقبرة، انحنى ليثبت وتده،
ضرب بمطرقته ضربات متوالية على رأس الوتد، ومن شدة فزعه كان يلتفت إلى الوراء تارة؛ وبرعب إلى الأمام تارة أخرى، وبذعر إلى شماله، ويمينه وفوقه وتحته.
في كل ضربة يتراءى له الأموات والجن وهم محيطون به يوشكون أن يقبضوا عليه!
وبعد أن ضرب آخر ضربة وهمّ بكل قواه أن يفرّ من بين القبور الموحشة، تفاجأ بأنه لا يستطيع؛
وكأن ميتًا أو جنيًا يمنعه من الفرار!
عبثًا حاول أن يفلت منه، كان قد ربطه باستحكام…ومن شدة خوفه وفزعه خرّ صعقًا.
المسكين لم ينتبه أنه أنبت الوتد على (دشداشته)!
استطاع أهل القرية تلك الليلة أن يرجعوه إلى بيته، لكنه لم يكن الرجل الذي يعرفه الجميع…لقد جُن.
لأهواز