“مع الحياة” لسامر المجالي: محاولة للاقتراب من أسرار الحياة

(ثقافات)

يُقدّم سامر حيدر المجالي في كتابه “مع الحياة.. نظرات في صفاتها وأسرارها” إطلالة على مفهوم الحياة يرتكز على أربعة محاور هي: العلوم التجريبية (الفيزياء تحديدًا)، والقرآن الكريم، والتصوف الإسلامي، والفلسفة الغربية المعاصرة.

وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في 216 صفحة من القطع الكبير، واختيرت لغلافه لوحة من أعمال الفنان التشكيلي التونسي محمد فنينة خريج المعهد الأهلي للفنون الجميلة وصاحب العديد من الأعمال الفنية في الحفر والخزف والنحت.

وأشار المؤلف في مقدمته إلى غاية الكتاب وآفاقه المتوقعة قائلًا: “يرمي هذا الكتاب في إطاره العام إلى تقديم مجموعة من الأفكار المتسقة في ما يختصُّ بموضوع الحياة؛ وهو إذ يعرّف نفسه بأنه “نظرات في صفاتها وأسرارها” فإنه يقدّم للقارئ أفق توقعاته؛ ذلك أن الحياة موضوع واسع، واكتشافها على حقيقتها الكاملة أمر فوق طاقة البشر؛ ثم إن البرهنة على وجودها عناءٌ غير محمود لأنه يتناول بديهة من البديهات، لذا يتوخّى هذا العمل “نظرات” تدنو بنا من مرادنا فحسب، تاركين للأشواق التي لا تهدأ أن ترسم مسارات القادم من الأيام”.

وبين منهجه في البحث قائلًا: “… كانت طريقة الكتاب استقرائية؛ إذ سيرى إلى الحياة عبر سياقات متعددة، فنتلمس كل فرصة ممكنة للكشف عن لون من ألوان اللوحة. وسيكون الاستقراء شموليًّا يمتزج فيه الحدس بالقياس، ويأخذ على عاتقه مسارات رئيسية أربعة هي: العلوم التجريبية، والقرآن الكريم، والأفكار العرفانية، والأفكار الفلسفية”.

وأضاف أن: “صلة الوصل بين استقراء الحياة في المناطق الأربع ثم تكوين المفاهيم هي عمليات التحليل والمقارنة. سنلاحظ هذا في مواضع عديدة؛ منها على سبيل المثال المقارنة بين فلسفة بيرغسون وفلسفة هايدغر، أو بين نظرية عبدالكريم الجيلي ونظرية ابن عربي، فهذا المقارنات تمكننا من تصنيف الأفكار وتحديدها وبيان الرأي فيها، وتجعلنا أيضا قادرين على كشف المفارقات حيث وُجدت”.

وقدَّم الفصل الأول من الكتاب تعريفَ الحياة في قواميس اللغة، وفي الموسوعات، وعند علماء البيولوجيا.

وتناول الفصل الثاني الرؤية الفيزيائية لموضوع الحياة عند واحد من ألمع الفيزيائيين في القرن العشرين؛ هو إرفين شرودنغر، الذي وضع كتاب: “ما الحياة؟ الجانب الفيزيائي للخلية الحية”، وهو كتاب ثوري، يرى كثيرون أنه كان ملهمًا لاكتشاف الشيفرة المودعة في الجينات خلال خمسينيات القرن العشرين. ثم وقف الفصل على أبحاث كارلو روفيللي التي استَخْدَمت مفهوم شرودنغر للفوضى والنظام لتضع تصورًا يُحِّلل العلاقة بين الإدراك والزمن والأنظمة المشاهدة في العالم المحيط بالمخلوقات.

ثم ناقش الفصل الثالث مفهوم الحياة في القرآن الكريم عبر النظر في تفسير ثماني آيات قرآنية اجتمعت فيها أهم الأفكار التي تناول القرآنُ مفهوم الحياة من خلالها. وتنوعت خلال ذلك الرؤى بين رؤى سلفية تقليدية، وأخرى كلامية، وأخرى عرفانية، وأخرى بلاغية، في محاولة للإحاطة بفهم المفكرين المسلمين للحياة كما أخبرهم عنها القرآن الكريم.

واختص الفصل الرابع بمحاولة فهم الحياة عند علمين من أعلام التصوف الإسلامي هما: عبدالكريم الجيلي المتوفى سنة 805هـ، ومحي الدين بن عربي المتوفى سنة 638هـ. إذ قدَّم هذان المفكران تصورات جعلت الحياة سمة كونية عامة تخترق الوجود من أوله إلى آخره؛ الجيلي عبر “الإنسان الكامل”، وابن عربي عبر “الحقيقة المحمدية”، وشكلت رؤاهما ذروة في مفهوم الحياة العرفاني.

وناقش الفصل الخامس فكرة الحياة عند واحد من أعلام الفلسفة في القرن العشرين؛ هو هنري بيرغسون، الذي جعل فكرة التطور منطلَقًا له ليقدم فهمًا خاصًّا لآليات نشوء الحياة وتقدّمها خلال الحقب التاريخية المتتالية.

ثم جاءت الخاتمة التي قدم المؤلف فيها مجموعة من الاستنتاجات الإضافية التي يمكن استنباطها من فصول بحثه، وضمَّت مجموعة من الرؤى النقدية المتصلة بالواقع الفكري والإنساني الذي تواجهه مجتمعات ما  بعد الحداثة، والمجتمعات العربية الإسلامية على وجه التحديد.

وبحسب الكتاب فإن الحياة محرك نحو الفعل والإنجاز، وهي بحسب وصفه: “سرٌّ عظيم؛ إنها أمُّ الأسماء الإلهية، لكن ما العمل وهي ساكنة فينا، تثير الأسئلة وتدفعنا إلى فعل شيء ما؟! إنَّ الحي درّاكٌ فعّالٌ، يقف بين جبر واختيار، وإنَّ هذا الكتاب ثمرة من ثمرات الحياة في نفسٍ من نفوسها، وما هو إلا حلقة في فلاة واسعة اتساعَ الوجود كلّه”.

ومن الجدير ذكره أن سامر حيدر المجالي روائي أردني وباحث في مجالات الفلسفة والتصوف والإسلاميات. صدر له قبل هذا الكتاب: “شياطين في حضرة الملكوت”، دراسات عرفانية (2017)، “أكمام الحب والغضب”، مقالات (2019)، “المؤابي”، رواية (2020)، وكتاب وصفي يتناول جائحة كورونا في بداياتها، عنوانه: “شهود من أهلها.. أحاديث الجائحة” شاركه في إعداده وتحريره سجود العناسوة (2020).

وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة الأردنية، وشهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة نورثامبتون في المملكة المتحدة.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *