ومضة قلم في قولة كامو: من هو الإنسان المتمرد

* بسمة المرواني

يتبع الانسان عبر العصور المسار الأقل إيلاما في حياته  الذي يقتضي إزالة أو تجنب العقبات باستعمال لاءات الرفض أوالتمرد على كل ما يفسد لذته  وسعادته فيقدم على امتلاك اختيارين ، اختيار الوجود في عالم لا يمكننا فيه الاستفادة من الحياة ، فيسجل الخسارات . أو ان يقبل بسطر رئيسي آخر: “الحياة عمل لا يغطي تكاليفه ليكون التمرد  .فمن هو الانسان المتمرد  حسب  البير كامو .

” هو إنسان يقول “لا”.انه ، وإن رفضَ، فهو لا يزهد: إنه أيضا إنسان يقول “نعم”، منذ أولى حركاته.

فما مضمون هذه الـ”لا” ؟

هذه الـ”لا” تريد التعبير عن “الرفض القاطع لتدخُّل لا يطاق” وعن “النفور من الدخيل الذي يفرض نفسه بصلافة جاثماً على الظهور كما يحصل للحصان المُثقل بالسرج وممتطيه”.

فحتى يكون الإنسان المتمرد منسجماً مع نفسه، وثابتاً على انسجامه هذا، عليه أن يرفض كل نيل من كرامته كإنسان وأن يواجه كل ما من شأنه الحطّ من عزة نفسه والذي قد يتمثل بالذل الممنهج للسلطة التي تهمله وتدير له ألف ظهر وتفرض نظاما سياسيا، وتخلق شرعية لحكمها مهما كان نوعها، تاريخية، دينية ، و هو مجبر في ذلك على خلق مجموعة من المعايير و القيم، و خلق هيكل من التصورات، التي لا تكون متناقضة تماما مع طبيعة مجتمعه والسلطة ليست سلطةً محصورةً بالحكومة فحسب بل سلطة رجالات الدين والمجتمع ومايحوي من سلطة الاب ،سلطة الاخ ، و الفكر الذكوري سلط الدين و سلطة الثقافة إلخ….. ففكرة التمرد هي خروج من مبدأ ظلم البشرية واساءاتهم البليغة تخرج على هيئة تصادم وإندفاع متنامي. بحثا عن تحقيق ما تستوجبه الذات لتحيا الحرية والوعي والانسانية في أوج تجلياتها ، فلسفة  كامو هي “لا للاضطهاد، لا للاستعباد، لا لقهر الانسانية وحجب العقل عن التفكير وتغييبه عن الوعي، صرخ في كتاباته بتجاوز العبث الأنطولوجي بفضل هذه الّروح الثائرة.

إن الـ”نعم” التي يعنيها ؛ هي تلك المواربة المتكلّفة في إستعمال لفظة “اللاعنف” وهو يؤكد هنا بأنْ ليس هنالك لا عنف مطلق، فلا يوجد لهذه المثالية المفرطة في إنسان يواجه الإقتلاع الممنهج كما أن الإطلاق مهما كان هو حكم منعزل وغير موجود من أصل، بل أن هذا الإستعمال “المتطهر” لكذا تعبيرات هي محاولات كيدية لكبح الروح الحية للمتمرد التي تسعى لتمزيق أساراتها التقليدية.بوعي في المطالبة بحقها الطبيعي… وبالمعرفة يمكن للانسان ان يغير كل ما يدعو للموت في قواعد الحياة التي هي سبب الاحساس  بالعبثية كعدم الانسجام والقبول بالظلم  ،رتابتها وفقدان الرغبة فيها  ،قبول المعاناة  والالم والمنغصات والتعود على  قبول التعامل مع المزيفة مشاعرهم حوله  وهي جميعها مواقف من الطبيعة السلبية للسعادة و القبول بهذا هو الاظطهاد النفسي انه ( الانتحار) ذاته في مختلف تمظهراته .

فالمطالبة بالاحترام من اجل ذات  تحيا بقلب انساني يسير على امتداد القرون نحو الوعي وادراك  قيمتها وحريتها..و رفضها كل  ما من شانه تحطيم الكينونة بالاستهانة او تقليل القيمة هو التمرد، الكلمة البنّاءة التى تخرجه من فكرة الا جدوى .

بهذا المعنى، فإن التشويش على هذه الروح المستفَزّة بمثل هذه التنظيرات الإفراطية هي جفاء متعَمّد  هي  المعاناة بحرص المسؤول – المخاتل على الايذاء..

فكرة التمرد في اعمال  ألبير كامو جعلت كتاباته الفلسفية  رصينة  ،عميقة تستحق الوقوف والتأمل بكل الصدق مع ذاته المبدعة التى كان لها الدهشة من واقعها فأدركت البيئة التي عاشت جل مناخاتها  ، لذلك أعماله متكاملة  وملهمة  ولا أظنها في عصره فحسب بل في  كل الاجيال.

* شاعرة من تونس

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *