من هو الكاتب الهندي؟


اسكندر حبش *

ماذا يعني أن يكون المرء كاتبا هنديا؟ وبخاصة حين نجد أن وحدة اللغة، مثل توحيد البلاد، أمران لم يحدثا إلا في كنف بريطانيا العظمى، خلال فترة استعمارها للهند. فمنذ الاستقلال ولغاية اليوم، لم نشاهد انبعاثا حقيقيا لأدب حقيقي باللغة “الهيندية” (Hindou) أو باللغة “الأوردية” (لغة باكستان)، فقد بدا لوقت أن الأدب الهندي، يكتب نفسه دائما باللغة الإنكليزية. 
كذلك، أيضا، تبدو الأمور أكثر تعقيدا، من جراء ظاهرة “الدياسبورا”. يعود ذلك إلى أن هناك العديد من الكتاب الهنود يعيشون خارج بلادهم. وبما أن مسألة اللغة التي يكتب بها الهندي محيرة إلى هذا الحد، نجد أنفسنا أمام سؤال مفصلي، كيف نحدد إذاً الكاتب الهندي؟ هل نعود إلى “الجذور” الهندية أم إلى بلد الولادة كأن يكون الكاتب ولد في الهند؟ هل يكفي أن يعيش أحدهم في الهند حتى من دون أن يكون قد ولد فيها؟ ربما، جميع الاحتمالات واردة في ما يتعلق بتسمية مَن هو الكاتب الهندي، إذ لا نستطيع أن نجزم ونحسم أمر هذه التسمية إلا وفق مراحل. والسؤال الآخر، هل من الضروري أن نقوم بعملية الجزم هذه؟ خذ مثلا، سلمان رشدي الذي ولد في بومباي العام 1947، لكنه شخص لندني منذ العام 1961 انه ينتمي إلى الأدب الإنكليزي، بالرغم من أن موضوعاته “هندية” كما في “أطفال منتصف الليل” و”العار”. 
من جهتها، تبدو روث برابير جيافالا، على سبيل المثال (مؤلفة كتاب “حرارة وغبار” وكاتبة السيناريو للمخرج جيمس ايفوري والتي توزع إقامتها بين دلهي ونيويورك، بعد أن عاشت في الهند بشكل متواصل بين عامي 1951 و1975( تبدو كاتبة “هندية”) أكثر من رشدي، حتى وإن كانت من مواليد بولندا، وعاشت ونشأت وتلقت تعليمها في إنكلترا، ولم تحصل على هويتها الهندية، إلا بعد زواجها من رجل هندي. 
من جهة ثالثة، نجد بهاراتي موخيرجي مؤلفة كتاب “فاتح العالم”، وهي غادرت الهند في العشرين من عمرها، لتعيش في الولايات المتحدة. وتصف نفسها بالقول إنها “روائية أميركية ولدت في البنغال”، ففكرتها عن الانتماء إلى أمة معينة، تنبثق من التقاليد الأميركية.
ليست الأمور، إذاً بحسب ما نرى بسيطة: فالروائي ف.أس. نيبول، “الهندي التريندادي”، هو إنكليزي، من كبار كتاب إنكلترا، بالرغم من كونه أيضاً كاتباً هندياً: إذ إن شغفه بالهند يجعل منه “مواطن شرف”. وكلما استمررنا في تعداد اللائحة، وقعنا على حالات مختلفة، حتى اننا نتساءل في النهاية، عما إذا لم تكن أجمل رواية عن الهند، هي رواية “كيم” ولم يكن كيبلنغ (مؤلفها) ذو الدم الانكليزي الصافي المثل الأعلى للكتاب الهنديين.
أمثلة لا بدّ من أن تطرح سؤالا: هل ثمة “وطن” في الأدب؟ هل عندما يختار الكاتب لغته، يكون اختار الوطن الذي ينتمي إليه؟ لكن بين ذلك كله، أليس الأدب هو الوطن الحقيقي الذي يجب أن ننتمي إليه؟ 
* صحفي وأديب من لبنان
( السفير )

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *