رسائل الشاعر ستيفان مالارميه

   ( ثقافات )

 رسائل الشاعر ستيفان مالارميه(الرسالة2)

   ترجمة: سعيد بوخليط

 

*تقديم : تتمتع غالبا رسائل ستيفان مالارميه بقيمة مدهشة.فقد أبرز من خلال عرضها حدود الفكر والمادة،وكذا تصوره للشعر حسب رؤيته،والقصائد التي اختبر كتابتها،هكذا تتجلى بين طيات رسائله تلك(1862- 1871) إلى جانب أخرى انصبت حول الشعر(1872- 1898) معلومات لايمكن لأي جانب ثان ضمن حيثيات عمله بالمعنى الخالص للكلمة الكشف عن هذه المعطيات أو مجرد إتاحته المجال لتوقعها.

لاتشكل فقط رسائل مالارميه فكرا جديدا قدر عمقه،بل تتحدث عن ولادة هذا الفكر، تحولاته، مخاوفه، وتعمل على تصوير دراما فكر لم ترصد لنا قصيدته خطاب مأتمي- قصيدته الوحيدة الواضحة شيئا ما- بعد انقضاء خمس أو ست سنوات،غير خاتمة،بدت مظهريا هادئة تماما.

يقول مالارميه :الشعر تعبير،باللغة الإنسانية وقد استعادت إيقاعها الجوهري،وكذا المعنى المدهش لمناحي الوجود : هكذا تضفي أصالة على إقامتنا وتعكس المهمة الروحية الوحيدة.

                            الرسالة (2)

إلى  أمي إليزابيت

بلدة سانس ،26 يناير 1862

جدِّي العزيز،

ستصلكَ رفقة هذه الرسالة رسالة أخرى جادة من طرف أمي،تتضمن نتيجة نقاش البارحة مع مدير الثانوية.شخص لم أضمر له تقديرا خلال فترة دراستي في الثانوية،وقد أبدى حقيقة اهتماما كبيرا بشؤوني مع أني لم أكن من جماعته.

يتبنى تماما وجهة نظري،مؤكدا قناعته التامة بأني قادر على الولوج إلى الكلية بفضل هذا العمل – يظل انكبابي على فصوله مجرد تسلية – فقليل من أساتذة اللغات الأجنبية الذين كان في وسعهم الحصول على درجة الدكتوراه ولم يشرئبوا قط نحو الأعلى،بقوا عند مستوى الأستاذية في الثانوية.

بخصوص المدرسة العليا للمعلمين،إن ظل الأساسي بالنسبة للطالب تطلّعه نحو منصب  أستاذ للآداب وليس اللغات الأجنبية،فسعيه الأخير لايقل تميزا.لقد أخبرني مدير الثانوية بأن أمامي مستقبل أفضل،وأصدقه بهذا الخصوص،أولا وأخيرا.

هذا مايقترح القيام به.

أن أدْرس هنا في بلدة سانس،اللغة الانجليزية لمدة سنة بتأطير من طرف أستاذ،ثم أسافر خلال السنة الموالية إلى انجلترا كأستاذ للغة الفرنسية.الإشارة إلى هذه الإقامة طيلة سنة انتزعت قليلا ابتسامتي،في حين يعتبرها المدير جوهرية،مضيفا بأنها تمثل إحدى الشروط الأولى للاختبار.إذا اتضحت لي جليا مدى كفاءة قدراتي،يمكنني حينها اجتياز الامتحان خلال شهر غشت 1863،أو سنة 1864 .

تجمع المدير مع الشخص الذي يشرف على الاختبار صلة وطيدة لذلك سيبذل مافي وسعه قصد تزكيتي،أكثر من ذلك،استدعائي للتدريس سواء في بلدة سانس، أو داخل فصول مؤسسة أخرى أرقى.

حينما أصبح أستاذا،سأعمل على تحضير شهادة الإجازة وأمتلك لذلك جل حظوظ النجاح .توخي الحصول على الإجازة، ليس هدفا في حد ذاته لكنه ببساطة يمنحني إمكانية  مناقشة أطروحة الدكتوراه، فلا ينتظرني في هذا الإطار عمل شاق بل يعكس أساسا انطلاقة وجهة المستقبل.

أفهم،جدِّي العزيز،مدى مشروعية الرغبة التي تنتابكَ وأنت تراني مقتفيا خطوات مسار تعتبره جديرا بي.لكن ألا يحق لي استثمار كل مؤهلاتي من أجل سبيل ثان يوفر امتياز الحصول على ألفي فرنك خلال سنتين،بينما لن يتجاوز دخل الوظيفة الحالية ألف وخمسمائة فرنك طيلة خمس سنوات. يجب مراعاة هذا المعطى منذ الآن فصاعدا لأن أبي المسكين سيحال على التقاعد.

إلى اللقاء، جدِّي العزيز، أقبِّلك من كل قلبي ومعك جدَّتي الغالية،التي أوجه لها بدورها هذه الرسالة،وأنتظر منها جوابا حاسما.

حفيدكَ الذي تعشقكَ حواسه جميعها.

ستيفان مالارميه.

كل ثَنَائي لهؤلاء النسوة،خالاتي.

*المصدر : رسائل مالارميه،غاليمار،1995

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *