الشاعر

خاص- ثقافات

*مريم لحلو 

تضيء عيناها وجهك المتهدل الغائر الغضون فتبعث فيه دفء الشباب،فقد تدفقت فجأة الحمرة إلى وجنتيك من قلبك العليل.. المسكين لم يفعلها من زمان .كيف سمحت له بالارتعاش دون تحسب للعواقب؟ وكيف تركت الأمر هكذا بسهولة يخرج من بين يديك؟

الشعاعان الماردان أضاءا فجأة مناطق سحيقة،موغلة في شبابك الأول.أومضت في ذهنك كبرق خاطف محباتك الصبيانية المترعة بالعبرات، والنظرات، ودموع بول وفيرجيني ،وأسى المساء المكابر فوق الصخرة الصماء،وتيهك في الأحراش ،وولعك بالنقش على الحجر والشجر ،والرقش على المياه والرمال.ونظرة أمك المؤنبة المعجبة بتلك الخطوط الدقيقة الرقيقة المتموجة كأيدي العرائس على حواشي الموائد والأواني الخشبية.
تتأمل الشباب العاتي المغطى أغلبه ماعدا شبه مربع أعلى الصدر فيثيرك البياض المتلألئ فتسمع صوت أحد أصحابك  يردد: جيد حبيبي مقلع من رخام… تبعده لتتفرغ للتيه بين طيات التنورة السكرية الطويلة الواسعة ،والشعر المنسدل في لامبالاة وهو يتسايل على الوجه البلوري المصقول بحذق عجيب وكأنها أزميرالدا الغجرية الفاتنة مخلصتك  من العزلة والعذاب. يهتز الغصن اللدن ويميل على الطاولة العالية كأنما ناء بحمل  كل هذا الجمال. أترى هذه النسمة  الربانية تصلح ذات بينك و الوريقات الملونة التي لم تغادر الجيب الداخلي لمعطفك منذ آخر زيارة للطبيب؟ ولكنك على عنادك القديم تراها قصيدة خاما تحتاج لخبرتك لتصاغ الصياغة النهائية.

العيون القطية الصغيرة المبهمة تستمر في جلد رعونتك الذابلة.. ثم ينحدر صوتها الرخيم إلى مسامعك ،تعاود النظر إليها لتتأكد هل وجهت إليك كلاما.. تجد الكلمات مازالت مترنحة على شفتين تشبهان جرحا طريا طازجا:أنت الشاعر فلان ؟ ارتعد ضميرك،أشفقت على نفسك من هذا الهجوم الأنثوي الجميل.عصفت بك خواطر ملأت قلبك رعبا، بلبلت كيانك. هز الاستفهام الصغير المقتضب وترا خفيا في روحك ما كانت تنتبه إليه الشابة التي سألت سؤالا بريء الظاهر يحمل دهشة الطفولة أمام الإبداع الماشي على قدمين رصاصيتين كأنما تحملان صخرة سيزيف . الأكيد أنهالم تفكر في إيقاعك في حيرة لم تكن في الحسبان .. استفاقت لها ملامحك المتعبة فصوتك الخفيض الكسلان وعيناك الناعستان ،وحياتك الآنية الركيكة لا تتناسب مع سؤالها المتيقظ والضوء الساطع المتدفق من وجنتيها.ولكنك،تتمترس،كعادتك  بالصمت ألأن نتن الملح لا تغسله العبارة أم لأن الصمت في حضرة الجمال جمال أم لأنها دغدغت الصبي الذي كانت قدماه لا تصلان الأرض من فرط الخفة؟؟

image
تبادلكما أمينة الخزانة النظرات في صبر ملول.تقول لتقطع حبل النظرات اللامتكافئ وكأنها أشفقت عليك من هذه الذئبة الغريبة:
– آش حب لخاطر؟
كان خاطرك يحب لو صمتت هذه الشمطاء قليلا وتركتك تعمد ذاتك الكئيبة في نهري العسل وترشف منهما شربة لا تظمأ بعدها أبدا.. ويحب كذلك مواصلة الحديث مع  فينوس وقد خرجت للتو من قصيدة حداثية. وكانت فينوس أيضا تود مواصلة الحديث مع شاعر مشهور. ربما أول مرة تلتقي شاعرا غير ورقي ،شاعرا حقيقيا من لحم ودم ،ولكن عيونه غير شاعرية بالمرة،وبعيد عن النحول كما وقر في ذهنها عن الشعراء،وقد نظرت في التباس لبطنه الكبير،وسال عتاب عسلي رقيق مربك من جفنيها . تأبطت أغراضها ،ابتسمت تلك الابتسامة السماوية التي تضيء المغربين  ثم انصرفت. وبقيت واقفا مشدوها  كأنما روحك بدأت تنسل منك. رأيتها تأخذ الدركة في دركتين أو ثلاث يساعدها الخف الغلامي وفورة الشباب.رأيتها تتوارى في نور السلالم العاتي كحوريات ألف ليلة وليلة لتظهر في أماكن أخرى ولتسحر صيادين ماهرين لم يصب عدتهم البلى.

ظلت عيناك معلقتين كسيف صدئ. ولسانك كأسلافك الهالكين ينشد مطالعهم الطللية. تمنيت لو نضوت عنك هذا الجسد الثقيل وطرت نحوها ولكن ،لات حين مناص..في أقل من سنتين نضوته عنك وخلفت دمعة حبيسة في عين الشابة التي لم تسمح لعيونها بالبكاء لأنها كانت وسط قوم لا يفهمون معنى أن تبكي امرأة  رجلا لا تعرفه ..تبكيه بحرقة لمجرد أنه صاحب كلمات متقدة تكاد تحرق طاولتها الليلية.
_____
*أديبة من المغرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *