* عبدالرحمن الهلوش
مستعربة، وباحثة، ومترجمة، وأكاديمية، ولدت في محافظة كانتابريا في شمالي إسبانيا عام (1947م)، وتُعَدّ من أخلص تلامذة المستعرب الإسباني الشهير (بيدرو مارتينيث مونتابيث)، لها اهتمامات بالأدب والفكر العربي المعاصر، وأصبحت بين (1975-1977م) رئيسة قسم الأبحاث في المعهد الإسباني العربي في مدريد، وهي مؤسسة ثقافية تابعة لوزارة الخارجية الإسبانية، ومن ثم غادرت المعهد في نهاية (1977م)، للتفرغ للتدريس في جامعة مدريد المستقلة، كأستاذة مساعدة لمادة اللغة العربية وآدابها.
تدير دار (كانتا رابيا) للنشر التي أسستها عام (1985م)، وأصبحت في عام (2000م) أستاذة كرسي لمادة (الأدب والفكر العربي المعاصر) في جامعة مدريد، لها إسهامات كثيرة ومهمة في مجال التأليف والترجمة، فقد ترجمت من اللغة العربية إلى الإسبانية، مجموعة من الأعمال الأدبية لعدد من الكتاب والشعراء العرب، كما أنها تسهم في إدارة المجلة الإسبانية (إدياربيا) المهتمة بالثقافة العربية المعاصرة.
¯ هل كانت حركة الاستعراب التي بدأت جذورها الأولى بعد الفتح الإسلامي لشبه جزيرة إيبيريا، أي منذ (711م)، تمثل الجانب اللاهوتي الخالص؟
– إنّ تاريخ الاستعراب طويل ومعقد، ويُطلق مصطلح (الاستعراب) عموماً على الدراسات، التي قام بها الباحثون والمفكرون الإسبان، في إطار ثقافي لإظهار دور الحضارة العربية والإسلامية في تطوير مختلف حقول المعرفة. وقد سيطر الخطاب الديني/المُسيس، منذ القرن السادس عشر على الأوساط الرسمية في إسبانيا لمدة قرنين، وكانت تلك الفترة تعرقل تطور الاستعراب المدني العلمي غير المُسيس، لكننا مع هذا، نجد أنّ هناك نماذج إنسانية بارزة للاستعراب الإسباني، درست التراث العربي والإسلامي بعناية خاصة وموضوعية.
¯ هل حقاً يُعَدّ اسم العاصمة الإسبانية مدريد عربياً؟
– يبدو أنّ الاسم الأول من أصل لاتيني، وهو كلمة Magerit، أي تمّ تعريبه تحت تأثير كلمة (مجرى) العربية، أَمَّا نطق كلمة مدريد الحديث الحالي، فهو نتيجة لتغيرات نطق بعض الأصوات (G.Z) في اللغة الرسمية الإسبانية السائدة.
¯ وهل تُعَدّ المرحلة الثانية هي المهمة في تاريخ الاستعراب الإسباني؟
– إنّ حركة (الاستعراب) الأكاديمي الحديث في إسبانيا والبرتغال، معظمها منفتحة على الحوار، وهي تسعى إلى أهداف سلمية مدنية وإلى الاحترام المتبادل. وقد انطلقت حركة الاستعراب الحديث في إسبانيا، في الخمسينيات من القرن العشرين داخل إطار الجامعات المدنية، ثم تطورت وتجددت مع الأجيال المتتالية والظروف الاجتماعية والسياسية التي تتالت.
¯ هل ضمّ الاستعراب الإسباني تيارات فكرية متعددة، منها المتطرف ومنها المعتدل، في نظرته تجاه التراث العربي الإسلامي؟
– تعني هل يوجد استعراب إسباني موضوعي؟ أظن نعم، هناك أشخاص يدرسون التراث العربي الإسلامي في إطار أخلاقي، فهم يحترمون الآخرين، وفي إطار معرفي علمي، فهم يبحثون عن الموضوعية والواقعية، كما يوجد أشخاص آخرون، ينشطون في مجال الاستعراب لأغراض مضادة فوقية وعنصرية.
¯ لماذا يرفض كثير من المفكرين الإسبان تسميتهم بالمستشرقين ويفضلون عوضاً عنها كلمة (الاستعراب Arabists)؟
– يفضل أغلبية الأساتذة الإسبان تسمية مستعربين/مستعربات (Arabists) لأنهم يدرسون ويحصرون اهتماماتهم باللغة العربية وآدابها، وحضارة المسلمين وعلومهم فقط، فلا تجد في إسبانيا تياراً قوياً منظماً واسعاً مثّل الحركة الاستعرابية، يتضمن الاهتمام بالدراسات الشرقية عموماً في ثقافاتها المتعددة، من الهند إلى الصين، مثلاً.
¯ هل أصبحت إسبانيا، في حقبة الاستعراب، مصدراً للإلهام عند معظم المفكرين الأوروبيين؟
– يبدو لي أنّ أهم أعمال الاستعراب الإسباني، معروفة في الأوساط الأكاديمية في أوروبا وفي أمريكا، كما يبدو لي أنه لا يُعترف بذلك وبتأثيره! وهذا ينطبق أيضاً على الأعمال والمؤلفات العربية.
¯ من هم أهم أعلام الفكر العربي الإسلامي الذين ركز عليهم المستعربون؟
– تبرز شخصيتا (ابن رشد، وابن الخطيب) من بين مفكري الماضي، أَما الشخصيات المعاصرة التي تثير الاهتمام فهي متعددة، ومن بينهم كتاب وكاتبات وأهل النقد الأدبي وكذلك أهل الصحافة، إضافة إلى أسماء الفلاسفة.
¯ ما هدفك من إنشاء دار نشر (كانتا رابيا عام 1985م)؟
– كان هدفي الإسهام في عملية نشر جديد ومستقل للثقافة العربية المعاصرة، بكل فروعها في إسبانيا.
¯ هل تذكّريننا بأبرز ترجماتك من العربية إلى الإسبانية؟
– هناك عدد من الترجمات، منها: (كتاب الأيام لطه حسين، الجزء الثالث- والمغرب الأقصى- ونور الأندلس لأمين الريحاني- والشعلة الزرقاء/ رسائل جبران إلى مي زيادة- ومقدمة للشعر العربي، والشعرية العربية لأدونيس- ويوميات مدينة كان اسمها بيروت، وجمهورية جنونستان لنزار قباني- وتجربتي الشعرية، ومحاكمة في نيسابور، لعبدالوهاب البياتي- والثعلب الذي يظهر ويختفي لمحمد زفزاف- وصورة وأيقونة وعهد قديم لسحر خليفة) كما ترجمتُ كتباً أخرى ومقالات وقصائد وقصصاً داخل مختارات أو أبحاث. ويُضاف إلى هذا ترجمت مخطوطة (منافع الحيوان- 775هـــ) وهي نسخة ابن الدريهم لكتاب ابن بختيشوع، وهي مزينة بعشرات الرسوم.
¯ باعتبارك من تلامذة المستعرب بدرو مارتينيث مونتابيث، هل يُعَدّ مجدِّداً للمدرسة الاستعرابية والاستشراقية في إسبانيا؟ وماذا قدّم مونتابيث للثقافة العربية؟
– هذا هو الواقع المعترف به عالمياً، أما بالنسبة إلى الثقافة العربية وعلاقتها بالإسبانية، فقدّم الأستاذ مارتينيث مونتابيث تقديماً منهجياً مهماً، حيث حصل على كسر منظور الازدواجية (dualidad) الكلاسيكي المسيطر على الاستشراق والاستعراب القديم.
¯ هل تؤيدين ما قاله المستعرب الإسباني (خواكين بوستامانتي كوستا) بقوله: إنّ وصول الإسلام إلى أوروبا، أحدث تغييراً كبيراً في أوروبا، من خلال تشكيل روح أكثر ليبرالية، وأكثر عالمية، أسهمت في إخراج أوروبا من انغلاق ذهني وجهالة متشددة؟
– إنّ وصول الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، أسهم في تكوين أوروبا الثقافي إسهاماً إيجابياً، خاصةً في بعض المراحل السلمية والعلاقات التجارية الخصبة، حيث هيمنت المصالح المشتركة على روح الانغلاق.
¯ هل مازالت الحضارة العربية الأندلسية خالدة تعيش بوجدان وذاكرة وتقاليد الإسبان؟
– نؤكد ما قاله الأستاذ بدرو مارتينيث مونتابيث، عن الأندلس في كتابه (الأندلس، الدلالة الرمزية). إنّ الأندلس انتهت كواقع تاريخي، صحيح، ثم تحولت إلى رمز لا بد أن نتأمل فيه نحن وأنتم معاً.
¯ ما الجوانب التي اهتم بها المستعربون بالنسبة إلى التراث العربي والإسلامي في الأندلس؟
– كان هناك اهتمام في عدة جوانب أهمها: الأدب والفكر والمصادر والطب والفلسفة.. وبعد ذلك وصلت دراسات اجتماعية واقتصادية وتاريخية جديدة. الدراسات الأندلسية احتكرت ميدان الاستعراب الإسباني إلى حد ما، ثم جاء جيل الدكتور مارتينيث، فأبحر هو وزملاؤه وتلاميذه في بحر الثقافة المعاصرة أيضاً.
¯ إلامَ آلت إليه الترجمة من العربية إلى الإسبانية؟ وما موقع اللغة العربية بالنسبة إلى الإسبان؟
– هناك حركة ترجمة نشطة بسبب ازدياد عدد المترجمين، ومع هذا موقع اللغة العربية ضعيف، لأنها لم تدخل بعد في نظام التعليم العام كلغة أجنبية.
¯ هل أنت راضية عن مؤسسة الاستعراب الإسبانية في الوقت الراهن؟ وما دور المستعربين اليوم؟
– إنَّ الاستعراب اليوم يمر بوضع غير طبيعي، وذلك بسبب الأوضاع الجديدة والصعبة التي يعيشها الوطن العربي، والتي تبني جدراناً جديدة بين الشعوب وتفرض العزلة على الناس. ذلك يشغل بال المستعربين الإسبان الذين يشعرون بالمأساة التي تمر بها المجتمعات العربية، وإنني على ثقة بأنّ حركة الاستعراب في إسبانيا ستقدم ثماراً جديدة تساعد على استمرار التفاهم بين العرب والإسبان، وكذلك التعمق في تجربة التلاقي الإنساني والثقافي الذي له تاريخ خاص في إسبانيا.
- عن الشارقة الثقافية