عمرٌ أفلتَ من شهادة الولادة

( ثقافات )

*مرزوق الحلبي

الفتى النحيل

الذي كان يرسم على قمصانِنا

صورةَ فريدِ الأطرش

وأرقامنا التسلسلية في الفريق

لم يعد هناك

دكانه مُغلق

على الوقتِ

والغبارِ

وعلى توسّلاتنا

وحبّنا له

والفارسُ

الذي كان يرأس الدبكةَ

ويذهب بالبلد إلى الذروة

لم يعد هناك

ولا منديله المجدولِ

لا شيء من خُطاه

وخفّته

ولمعة سيفه

وعيون الصبايا يُحدّقن

في قلبه،

وصاحب الدكّان

الذي كان يبيعنا ثيابَ العيدِ

ويبيع غيرَنا سُمّ الفئرانِ

ومدافئ الكاز

وكبريت يغبّرون به المواسمَ

لم يعدْ هناك

ولا سنّه الذهبيّة

تلمع في فمه

كلّما ابتسمْ

العجوز التي رأسها أقرب إلى الأرضِ

وتلحّ أن نشتري لها علبةَ سردين

أو حلاوةَ السمسمِ

وتشتمنا إذا امتنعنا،

لم تعد هناك

ولا صوتها الهادرُ

ولا شجر الخوخِ والسفرجل

ولا القندول الذي يحرسُ بيتَها

ولا خوفُنا

اللحّامُ المكحّلُ العينيْنِ

الذي، إذا باعكَ

قطّع من كل ذبيحةٍ قطعةً

ولفّها في ورقٍ انتزعه من كيسِ الاسمنتِ

وأرسلكَ إلَى أهلِك تائهًا،

هو أيضًا، لم يعدْ هناك

ولا صوتُه يدندنُ بهِ أغاني سميرة توفيق

أو يدلّل به على عظام تكوّمت

ويسأل الوافدين

أن يشربوا ماءَ الليمون

المُجبّر

الذي إن لم تجدْه في بيتِه

وجدَك هو،

كلّما خذلتك عظمةٌ وانكسرَ خاطرٌ

لم يعد هناك

ولا كفّه التي تصفعك كلّما همّ بشدّ عظامك

ولا كوفيته المعقودة على طريقته فوق لفّته

ولا خُرق يلفّ بها عُمرَك السائلَ

بين يديه

العمّة الحنونة

التي كانت تُدخلني من حانوت التذكاريات إلى مطبخها

وتقدّم لي شرابا خفيفًا

وحلوى

لم تعد هناك في أوّل السوق

ولا شجرة الخروع

وأجران النُحاسِ تدقّ بها أمّي الكحلَ

وزوجها لم يعد هناك

يرشح للوافدين بلغة الإشارات

كيف تصنع النساءُ

مواعين القشّ

والاسكافيّ الذي

لا يغرس مسمارًا في النعلِ

إلّا ومعه بيتٌ من الشعرِ

جاء به من مسقطِ رأسِه،

لم يعد هناكَ

ولا مريوله الجلديّ

ورائحة الدبق الحادة

كمبضع يقصّ به ما

يشاء من الوقت

ويرميه في مدخلِ الشارعِ

غير آبهٍ بالمارة

****

يُفلتُ العمرُ

من شهادةِ الولادة

وبطاقةِ التطعيمات

ويجري

في الحقول

(شباط 2021)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *