نصوص من علبة الألوان


عبود الجابري *

 

( ثقافات )

لم أستطع أن أرسم ليلا
على الورقة
ربَّما لأنَّني لا أتقنُ رسمَ قمر
يليق بسماء أسكبها على يديك
أو ربَّما لأنني
لم أعثر على اللّون الأسود
في علبة الروح
أتراني مترفا
وغارقا في البياض
إلى هذا الحدّ؟؟
كيف لي إذن
أن أروِّض نجمةً جامحةً
وأنا لا أعرفُ
كيف ألوِّنُ سرير النجوم
بما يكفي من السَّواد …؟

******

أَفهَمُ أَلوانَ صوتِكِ
صارتْ لي أذنٌ تقرأُ شحوبَ ماتقولينَ
حينَ تُقصرين اللُّغةَ على الأصفرِ فقطْ
أسكتُ
حينَ تطفحُ حنجرتُكِ بالَّسوادِ
أنا الَّذي أدمنْتُ رعيَ الأَغاني
في خُضْرةِ حديثِك
كلّما إتَّشَح قميصُ حروفِك
بالأحمرِ
فتَّشتُ عمّا لمْ أستطِع
تقليمَ أظافِرِه
منْ طيورِ الكَلامْ …..

*****
الأخْضرُ الَّذي تَرَيْنَهُ
ليسَ جوعاً في ذاكرةِ المرْعى
، فثمَّةَ أحلامٌ يابسةٌ أيضاً
تَغْشى عيونَ الخيولِ
حينَ تنفِرُ عاريةً
إلاّ منْ عُشبٍ قديم ٍ
تحْسبُه قميصاً
يفرشُهُ الله على ترابِ الأَرضِ
، كحياةٍ مستقطعَةٍ
من وطنٍ يرنُّ
كنحاسٍ أَصفر
لكنَّه يخْضَرُّ حينَ يَصْدأْ

******
تَعِبَتْ هذِهِ الجَمْرةُ
منْ دمْعِ جلودِنا الأَسْود
فلمْ تُغَيِّرْ منْ عاداتِها
– حُمْرةِ خدَّيها
– والرَّمادِ الَّذي يطيرُ به الهواء
حينَ تبدِّلُ جلدَها
……
ولم نُغيِّر عاداتِنا
في احتضانِ الجَمرِ
والبكاءِ على خدَّيْه
بدمعٍ أسود …

******
مختِلفٌ لونُ هذا العُشْبِ
، فالَّذينَ يتَمدَّدونَ عليهِ
لاتخضَّرُ ملابِسُهم البيضاءُ
، ولارغبةَ للرُّعاةِ
في تَعقُّبِ أَغنامِهمْ عَليهِ
كيْ لاتنوءَ ناياتُهُمْ
بِموتِ رسَّامٍ
يَشُحُّ الأَخْضَرُ في فُرشاتِه …
******

ثمَّةَ مايزلزلُ هذا البياضَ العظيم
نقطةٌ في أوَّلِ السَّطر
نقطةٌ عرجاء
لاتتقدَّمُ لتصبحَ حرفاً
ولاتتراجعُ فتسقطُ من حاشيةِ الورَقة

*****
ذلكَ ماورثناهُ منَ التاريخ
ذاكرةٌ تشبهُ رقعةَ الشطرنج
يفرُّ اللّونُ الأبيضُ منها
كلَّما حرَّك اللاعبون بيادقَهم …

شاعر من العراق يعيش في الأردن
abboudaljabiri@yahoo.com

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *