-
عامر هشام الصفار
بيت الضفادع
أعطني فسحة من وقتك لأتحدث أليك أيها الطبيب..
هكذا قال لي السيد كامبل الرجل الثري المعروف في هذه المدينة التي يلّفها الضباب هذه الأيام..كيف تريدني أن أبقى هنا لوحدي وأبنتي بعيدة عني في كندا.. لماذا لا أذهب أليها؟
أنا في السبعين من عمري وها أنت تعطيني كل شهر كيساً من الأدوية والعقاقير التي أتناولها كل يوم دون أن أنبس ببنت شفة.. ولكنني لا يمكن أن أتحمل هذا الذي يجري في المدينة..كل يوم أشاهد تلفزيون البي بي سي يبث على مدار الساعة أخبار الموتى والإصابات بهذا الفايروس اللعين..صورهم تملأ صفحات الجرائد..فقدتُ العديد من أصدقائي الذين عرفتهم منذ أيام الشباب في كارفيلي..حيث كنت أعمل في مناجم الفحم..عملنا سوية..تلوّنت وجوهنا سوية بسخام الفحم والحديد.. كنا نضحك..نسعل.. نحتسي الخمرة في بار المدينة، ولكننا لم نكن نتوقع أن نموت لوحدنا في بيوت هي اليوم مثل بيوت الضفادع النتنة..
أتركني يا سيدي الطبيب..أعطني السماح لي لألحق بإبنتي..لا أريد اليوم أكثر من ذلك..!
تصفيق
يسأل نفسه دائماً هل سيشارك اليوم جيرانه ويخرج من باب بيته ليصفّق؟
تصفيق للأطباء وللعاملين في المستشفيات وفي عيادات أطباء العائلة..ولكل الممرّضات والممرّضين الذين عالجوا الناس من جائحة كورونا..تصفيق يصّم الآذان.. على أنغام موسيقى جاري الطيب المتقاعد جون، ذلك الذي تجده وقد أطال لحيته ولبس بنطاله الجينز وراح على وتر كمانه يعزف بلحن لم أستسغه…
ها أنا في شارع مونتغمري في لندن، والساعة تقرب الآن من الثامنة مساءً.. أراهم يستعدون للتصفيق..يبتسمون لبعض كأنهم يتعارفون للتو…الإنعزال في البيوت جعلهم ينسون أنهم جيران بعضهم لأكثر من 10 سنوات..سلب هذا الأغلاق الذكاء الأجتماعي للناس..كيف لي أن أصفّق ؟..لماذا أصفّق وأنا أسمع من صديقي الطبيب أن الملابس الخاصة بالوقاية من الفايروس غير موجودة في المستشفيات..ألَم يمت صديقي الطبيب بيتر هون قبل أيام..؟..صديقي الأثير من أرض بورما..ذاك الذي جمعني به يوماً أجتماع عاصف في دار رئيس الأطباء بلندن..بيتر ظلّ يرسل الإيميلات لمديره سائلاً عن ملابس تقيه الفايروس..ولا من مجيب..ثم صديقي العراقي الطبيب سعد..طبيب العائلة الماهر..ألَم يفارق الحياة ولم يحمه أحد من فايروس خبيث يترصد برسل الرحمة..!؟
لن أصفّق اليوم..هذا قراري الأخير…!
- أديب وطبيب عراقي يعيش في بريطانيا