قصتان قصيرتان

خاص- ثقافات

*د.محمد عبدالحليم غنيم

 بينما تشير بإصبعها نحوي

      قال الأستاذ بعد أن قرأ قصتي – وكان الفراش قد شد على الطاولة الخشبية الكبيرة مفرشاً حريرياً ناعماً، ثم وضع في همة فائقة أكواب الشاي أمامنا ، وأمام الأستاذ وضع كأساً كبيرة من البراندي وأعاد ترتيب زهور بلاستيكية بيضاء وهو يثبتها على يمين الأستاذ  :

–  قصة جيدة .

   أومأت برأسي ممتناً وابتسمت ، ولم تكن أسناني نظيفة .

   تحدث الأستاذ عن أشياء أخرى ، ابتسمت فتاة حسناء تجلس بجواري كان كوبها المليء بالشاي حتى حافته أكبر من كوبي ” حسناء ” كلمة غير دقيقة ، في الواقع كانت عيناها جمليتين ، وكان شعرها الأسود – بالفعل كان أسودّا – الناعم لا ينسدل على كتفيها نصف العاريتين ، وكان أحمر الشفاه فوق شفتيها الرقيقتين غير منفر، وكانت أسنانها بيضاء ونظيفة . لم تقل لي اسم المعجون الذي تستخدمه .. أما ساقاها فكانتا، كانتا ماذا ؟ لا أعرف بالضبط ، على أية حال لم يكن الأستاذ ينظر إلى ساقيها لأنهما كانتا أسفل الطاولة ، ربما اكتفى بصدرها العاري والعاطل إلا من نهدين بدا أنهما على غير وفاق ، وبدا من بروزها غير الطبيعي أنها كانت تتعمد ذلك .

مرة أخرى قال الأستاذ دون أن يبتسم لي :

 – جيدة جداً.

    أومأت برأسي من جديد ، وابتسمت من جديد ، لم أعد أبالي بأسناني غير النظيفة . قال الأستاذ أشياء أخرى مثل التركيب البنائى واللمسات الفنية بينما كانت جارتي الحسناء تبتسم وتبتسم.

    في حركة عصبية أبعد الأستاذ الزهور البلاستيكية البيضاء بيده ، فتأهبت للخروج وأنا أبعد مقعدي في حذر ، وقفت . أريد أن أعرف إذا كان الأستاذ سينشر قصتي في العدد القادم من جريدته أم لا ؟ نظرت في استحياء إليه ، وقبل أن أتكلم بادرني كمن تذكر شيئاً منسياً :

 – وقصتك أنت يا …. أيضاً جيدة .

تملكني ذهول كابوسى أفقدني النطق ، أخذت أنقل نظرات حائرة وشاردة بين الجالسين حول الطاولة أكنت استمد منهم العون أم أشكو ؟ لا أعرف ولكننى أفقت على صوت الحسناء الرقيق :

–  هل أقرأ الآن قصتي ..

كنت أتراجع إلى الخلف متلمساً طريقي إلى الباب بينما تشير الحسناء بإصبعها نحوى .

  • لأنه تحسس جيبه

      وضع الجرسون كوب الشاي وكوب الماء وترك الملعقة في الكوب الأول ولم ينحن ، ثم غادر الرجل النحيل والمنضدة .. قلب الرجل النحيل الشاي ورشف منه ، ثم أخذ ينظر في اللاشىء ( ليس الأمر كذلك ، كان يفكر فيما إذا كان عليه أن يعطى للجرسون بقشيشاً أم لا ؟).

     المقهى شبه خال والساعة لم تتجاوز الحادية عشر ( لا بل كانت العاشرة والنصف تماماً ) بعد لحظات عاد الجرسون ، انحنى هذه المرة ، ووضع قالبا من السكر في كوب الشاي أمام الرجل النحيل ، دهش الرجل ( لم يكن هناك ما يدعو للدهشة لأن نفس الشيء حدث مع الشاب الذي يقرأ في الجريدة .. وكان يرى الأمر طبيعياً ، إذ أن الشاي كان بالفعل في حاجة إلى سكر ) .

–  الشاي مضبوط ولست في حاجة إلى سكر .

 ود لو قال ذلك للجرسون ، غير أنه عدل عن ذلك لما رآه يبتسم ( لم تكن ابتسامة ) ترك قالب السكر دون أن يقلب الشاي .. انتهى منه سريعاً ولأنه لم يجد أثراً لقالب السكر في قاع الكوب، سأل نفسه :

هل وضع الجرسون سكراً حقاً أم كان يخدعني ؟ ( كان يظن أن قالب السكر لن يذوب ) فكر في الأمر طويلاً ، بيد أنه لم يعثر على إجابة شافية . وضع ثمن الشاي بالإضافة إلى البقشيش فوق المنضدة ثم خرج في تثاقل   ( يجب أن تذكر الحقيقة كاملة : كان يسير قلقا يلتفت وراءه ، يراقب النقود التى تركها فوق المنضدة .. ولم يهدأ باله إلا عندما جاء الجرسون وأخذ ثمن الشاي والبقشيش وكان ينحنى هذه المرة أيضاً .. وهنا فقط سرت في داخله نشوة ) . وبعد أن أضحت قدماه خارج المقهى فكر أن يعود مرة أخرى . إلا أنه عدل عن ذلك فجأة ؛ ( لأنه تحسس جيبه )  .

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *