النقيق – قصة قصيرة

  • محمد الكريم

أبحث عن طريقة توصلني إلى بيت أبي الضفادع، وأبو الضفادع يمشي وينق مثل الضفادع، قيل انه عاش في مستنقع مع الضفادع وتعلّم نقيقها وتحول معها إلى اليابسة وظل يتصرف مثلها، وقيل هو يربيها في بيته صنعَ مستنقعاً وعندما بلغت اشدها واختفت اذنابها جفّف المستنقع الصناعي، وتركها تنمو في الحديقة وصار صوتها هو الصوت الوحيد في حياته لأنه لا يغادر المنزل فصارَ يقفز مثلها وينهي الليل يتعلم النقيق.. وقيل أيضا بأنه فنان اشتهر بتقليد النقيق، ولكن لم يره أحد لا في مسرح ولا فيلم ولا مسلسل ولا حتى في فرق جوالة.. كل هذا سمعته ولا احد يعرف هذه الشخصية أين تسكن، مجرد اشاعات تتلاقفها الافواه.. عجيب! من سمعها وكيف ألفوا هذه القصص الغرائبية عن رجل لم يره أحد؟ واصلت البحث والاستقصاء عن طريق التسكع في الطرقات والازقة القديمة في مدينتنا وقرب المستنقعات وقفت اياما بلياليها لم أر احداً يقترب من المستنقعات.. لم ينظر أحد اتجاهها، لم يلفت أحد نظره صوب صوت.النقيق!! .

قضيت شهورا ابحث عن الرجل الممسوخ او الضفدع المتحوّل الى صنفنا.. هكذا سمعت أيضا، كلها مجرد تهاويل وتهاويم واكاذيب وخرافات لا وجود لها.. صرت اسمع اصوات الضفادع ما ان اختليت وحدي، أو ربما اقلدها، وخفت أن استمر بتكرار النقيق وتشاع حولي الشائعات؟ وربما ثمة آخرون يبحثون مثلي ويقلدون تلك الاصوات التي تكاد تفطر جمجمتي؟. وذات يوم دخلت المقهى وأنا اسحب انفاسي من ارجيلة لأهشم رئتي بالدخان سمعت صوت نقيق قريب مني.. تلفتُ بسرعة ابحث عن مصدر الصوت.. عدت الكرّة وسحبت نفسًا آخرَ تفرقع الصوت من جديد.. لكنه ليس صوت ضفدع، ثمة رجل عجوز يجلس امامي بدأت اراقبه كان يضع فحماً في الاركيلة ويسحب الدخان الى صدره لكن الدخان لا يخرج ثانية بل تكرر صوت النقيق اكثر من خمس مرات وصار يقينا عندي بانه هو الرجل الذي اشيعت حكايته خلال المدة الماضية.. اقتربت منه، ثم جلست في الكرسي الفارغ امام منضدته وسألته.. اين يتلاشى الدخان حين تقرقع كصوت ضفدع؟ لم اشرب الدخان، فقط اقلد صوت الضفدع، كيف عرفتني؟ – عرفت ماذا؟ اني اقلد صوت الضفدع انت قلت، انت اعترفت وحدك انا ابحث عن كل تلك الحكايات عن اصوات تصدرها ولم يرك احد قبلي اروي لك حكايتي : قبل سنوات كثيرة لا اتذكر عددها اعتقلت بتهمة معارضتي للدولة ووضعوني في زنزانة، وهي عبارة عن مستنقع للضفادع وكلما يأتي موسم تكاثرها يأتي السجان بمجموعة دعاميص وهو مرتد جلد ضفدع ويرمي تلك الدعاميص الصغار في المستنقع ويذهب يأتوني بطعام أتقاسمه مع الصغار . هكذا طلبوا مني، وكلما تكبر وتصل شيخوختها يخرجون الكبيرات ويضيفون دعاميص جدد، وصارت حياتي عبارة عن نقيق، صرت لا اتكلم الا النقيق.. حتى تغير نظام الحكم وخرجت من المستنقع.. خرجت متحولا الى ضفدع اعرف كل شيء عنها وحتى صار جلدي يشبهها.. ضجّت المدينة بحكايتي فانزويت في غرفة خربة في بستان اتسلل ليلا لأجلب طعامي واعود.. وها انا اليوم اخرج ولا ادري كيف سأعيش حياتي الباقية ضفدعا ام انسانا؟..

  • كاتب من العراق

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *