*محمود شقير
(ثقافات)
هي لحظة قاتلة ثم ينتهي كل شيء. هو يعرف أن أمراً خطيراً سيقع، هم لم يخبروه بذلك، غير أنه أدرك ما يدور بينهم في السرّ دون عناء، هو يعرف كل أسرار العائلة ولا يبوح بها لأي أحد، هو لا يغضب حينما يصفق الصغار بقسوة أبواب الحديد أو نوافذ الزجاج، وهو يحرص على الجميع كل الحرص: مرة كانت الصبية تستحم والماء يتراشق على شعرها وعلى النهدين، دون أن تنتبه إلى النافذة المفتوحة وقد تحلق بالقرب منها ثلاثة أولاد، هو الذي بادر إلى إسدال الستارة حتى غاب الجسد عن العيون، ومرة أنقذ الصغير من موت محقق وهو يلعب بعيدان الكبريت، ومرة اصطاد للعائلة سرب حمام. كان ينجز الكثير من المهمات، والعائلة التي أحبته اعتقدت أنه ينطوي على سر كبير.
ها هم يجيئون في الشاحنات، ينزلون منها المواد الناسفة، وهو ثابت في موقعه لا يبدر منه ما ينمّ عن ضعف، وها هم الناس يهبون إلى نجدة العائلة، يخرجون ما في وسعهم إخراجه من أثاث البيت في مهلة الدقائق العشر التي تسبق النسف الرجيم، وها هي ذي ربة البيت تبكي وتعلن سخطها على الجنود الذين بدأوا يُعدّون أسلاك الدمار، وها هو ذا الضابط المتغطرس يعيد سرد الحكاية من آخرها بكلمات متعالية: إنه بيت أحد “المخربين” ومن على سطحه تنطلق صوبنا الحجارة.
ثم تقع اللحظة القاتلة، هي لحظة من الدوي الرهيب. يسقط البيت كتلة هامدة، فتغيب منه الأبواب والنوافذ، تغيب الحياة.
ها هو ذا الليل يأتي والعائلة تتحلق حول نفسها في الخيمة المؤقتة، وها هو ذا البيت يتململ، يحاول أن ينهض، تراقبه العائلة في ذهول، ينهض بصعوبة، ثم يمضي متوكئاً على عصاه دون أبواب أو نوافذ، ودون أن يقول لأحد أين يمضي في مثل هذا الليل الحزين.
_______
* قاص من فلسطين