( ثقافات )
* سعاد الورفلي
كان النوم قاهرا؛ تذكر الكلمات الأخيرة، لم يسبغ نعاسه جيدا، أبعد الغطاء عن نصف بدنه، ظهر متنه في نصف قميص رمادي اللون، بدت نحافته مؤخرا بعد أن امتلأ جسده فترة من زمن غير بعيد، تنهد كثيرا، تمنى لو أنه لم يتذكر شيئا، قال: لماذا تصبح الكلمات أكثر صرامة حين نشاء النوم، وحين يأتي الليل وفي الشتاء، وبعدما يسري الدفء في أوصالي ؟ ما هذه الليلة التي امتلأت بالكلمات كأنها سوط يقمع عاداتنا ويكبح شهواتنا، أفٍّ له من سرداب مظلم! تحسس فراشها كان باردا كجسد تسللت روحه خلسة تشارف الأحلام وتودعها. استلقى على يمينه يهدهد الوسادة لعلها الآن تترنح من كثرة الشكوى، البيت ، العيال، المال، العمل ، الزوج القميء.. لقد سمعتها تحدث أمها بكل شيء حتى عن (…..؟؟) تأفف كثيرا وتراجع عن ذكرها كأنها مسمار يدق في كرامته! ثم ارتفع صوته” خليعة .. تفعلها بنت ألـ(…..؟؟) جلس مبهوتا … قائلا في نفسه: ماذا لو اتصلت بها مدّعيا السؤال عنها؟ لكنني سأتصل بأمها العجوز التي انعدمت البسمة على شفتيها كأنها خلقت من عبوس، حرك الأزرار وهو يتوقع الإجابة” آلو… نعم ..أهلا بك ..كيف حالك؟ أين حليمة؟ كان صوت المرأة عاليا كاد أن يثقب أذنه، شعر بالامتعاض والقلق، لم يبِنْ من كلماته شيئا سوى لفظ بذيء خرج تلقائيا دون أن يحسب له حسابا. وقع الهاتف من يده، عاد لسريره كطفل يكاد أن يقع وهو يترنح محاورا نفسه: نعم أدركتُ أنها ستفعل هذه الزوجة الماكرة التي لا يرضيها شيء، أمها العجوز صبت جام غضبها وبرودة جسدها الماحلة وتقشف أنوثتها على رأس تعاستي، نظر في علبة الدخان، لم يتبق سوى سيجارة واحدة ممتدة مثل امرأة مسلوبة الإرادة، مد أنامله الخشنة ساحبا إياها أشعلها من لفح عينيه، امتلأت غرفته بالدخان الأبيض، كان يدخن وصوت تمتمة شفاهه تختلط مع الزفير والشهيق، كان خياله مرتسما على حائط الغرفة الوردي اللون، بشعر خفيف، أصلع الوسط؛ برزت أذناه واضحتان يتحرك ظلُّه كأنه يمتطي صهوة حصان فهو يتراقص مع الدخان مثل جني أزرق اللون نحيف الجثة طويل الزعانف، الظلال على الحائط لا تعكس حقيقة الرجل، انكسرت عيناه قليلا على مؤخرة ما تبقى من سيجارة وعندما نفث الرشفة الأخيرة رأى ظل حماته على الحائط تهوي بعصا غليظة على رأسه، صرخ متجها نحو الضوء ليشعله.. كان قلبه مضطربا ونبضه متواليا .. نظر في جسده النحيل، اشمأز من نفسه، استلقى على السرير متمتمًا” كانت تكذب علي حينما أوحى لي شيطانها أنني رجل وسيم التقاسيم، لقد أخذت قسيمة الاشتراك في الحياة من جيب سروالي ومضت تقضم اللب مع أمها تحكي لها عن أغبى رجل عرفته في حياتها. سيأتي الصباح وأُطلِّقها!
- أديبة من ليبيا