مهرجان “سماع” يختار في دورته الـ13 الفنانة الراحلة أم كلثوم لتكون “شخصية المهرجان” كما يكرم المطربة فيروز التي أدت العديد من التراتيل المسيحية بصوتها
يحل لبنان ضيف شرف الدورة الثالثة عشرة لمهرجان “سماع” الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية بالقاهرة، الذي ينطلق هذا الأسبوع بمشاركة نحو 20 فرقة من عشر دول عربية وأجنبية.
وتشارك في المهرجان أيضا كل من روسيا وأرمينيا واليونان وإندونيسيا والصين وجنوب السودان والسودان وفلسطين ومصر مع مشاركة خاصة لفرق سورية مقيمة في القاهرة.
ورغم توافد الفرق المختلفة على المهرجان من أنحاء العالم سنويا ستقتصر المشاركة في هذه الدورة على فرق تشكلت من الجاليات المقيمة في مصر، وذلك بسبب ظروف السفر جوا نتيجة جائحة كورونا.
وقال مؤسس ورئيس المهرجان انتصار عبدالفتاح في مؤتمر صحافي، الأحد، إن دورة هذا العام “استثنائية” إذ قابلتها العديد من العقبات والمصاعب، لكن إصرار فريق المهرجان على عدم توقفه جعلهم يبذلون أقصى ما في وسعهم بأقل الإمكانيات المتاحة.
وأضاف أن أبرز هذه العقبات كانت عدم تمكن أي من الفرق المشاركة من الحضور للقاهرة والاستعاضة عنها بفرق من الجاليات المقيمة في مصر “لكنني استمعت لهذه الفرق وأؤكد أنها ممتازة وستكون خير ممثل لبلادها”.
يقام افتتاح المهرجان الذي تشرف عليه وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار في 22 أكتوبر الجاري على مسرح بئر يوسف بقلعة صلاح الدين، فيما تختتم فعاليات المهرجان في 29 من الشهر ذاته بالتزامن مع احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوي.
وتقدم العروض في قلعة صلاح الدين وقبة الغوري بشارع الأزهر ومجمع الأديان في مصر القديمة مع اتباع إجراءات الوقاية الصحية المعلنة من وزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية.
ويكرم المهرجان هذا العام المطربة اللبنانية فيروز التي أدت العديد من التراتيل المسيحية بصوتها واسم الشاعر المصري الراحل أحمد شوقي صاحب قصيدة “نهج البردة” واسم الشيخ الراحل محمد الفيومي “شيخ المنشدين”.
كما اختار المنظمون الفنانة الراحلة أم كلثوم التي غنت “حديث الروح” لتكون “شخصية المهرجان” هذا العام. ويقام على هامش المهرجان سوق للمنتجات والحرف التقليدية بمشاركة صندوق التنمية الثقافية ومركز الحرف التقليدية بالفسطاط وجمعيات أهلية مستقلة.
التراتيل المسيحية و”حديث الروح” تجمع فيروز وأم كلثوم في مهرجان سماع
وتأتي استضافة لبنان هذا العام نظرا إلى التطور الكبير الذي تعرفه الموسيقى الروحية في البلاد، على اختلاف الأديان، حيث تطورت الموسيقى الروحية في لبنان لتقدم فرقا مجددة جابت العديد من دول العالم على وقع إيقاعات حديثة تعبر عن روح الشباب وبلغات عربية وأجنبية، وهو ما يعتبر نوعا جديدا من الأغاني والأناشيد الدينية بهدف رسم صورة شفافة وحقيقية عن الدين الإسلامي بعيدة عن صورة التطرف والإرهاب التي التصقت به في السنوات القليلة الماضية.
وتقدم هذه الفرق تنوعا موسيقيا كبيرا، حيث تستخدم إيقاعات سريعة تشبه الأغاني العصرية بهدف التواصل مع الشباب من الجنسين في العالمين الشرقي والغربي.
وإن كانت الكاتبة المصرية مروة البشير، تلقي الضوء في دراسة عن تاريخ الإنشاد الديني على جذوره التي تعود إلى عهد الفراعنة، فإن أولى حلقات الشطح والسماع والإنشاد الديني عربيا قد ظهرت منذ أواخر القرن الثاني للهجرة ببغداد كما يذكر ذلك المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون نقلا عن التنوخي أبي علي، في حين يرجع ماسينيون نفسه مجالس الذكر إلى سنة 120هـ/ 738م أي مع بدايات التصوف الإسلامي.
لكن الظهور الحقيقي لحلقات الذكر ومجالس الإنشاد الصوفي كان بعد عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي يعزى إليه بعث أول خانقاه (زاوية). وكانت تعرف بدويرة الصوفية بالقاهرة يقصدها الصوفيون الوافدون إلى مصر وأجرى عليها أوقافا سنة 569هـ/ 1173م، وهي تعدّ أول خانقاه أسست بمصر ولُقّب شيخ هذه الزاوية بشيخ الشيوخ. وقد انتشر في الآن نفسه بمختلف أقطار العالم العربي الإسلامي، ولاسيما ببلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا، أمر الزوايا والطرق الصوفية والرباطات التي تأوي الزهاد والعباد وكل من آثر الحياة الروحية والتأمل.
وقد ارتبط الإنشاد الديني بشكل كبير بالصوفيين نظرا إلى أنهم أكثر من طور فيه وقدم منجزا مؤثرا سواء من حيث الكم أو الابتكار في النصوص والألحان والأداء والرقصات والآلات الموسيقية، فقد كانت الطرق الصوفية تقوم بواسطة الإنشاد الجماعي والمستمر بالمساهمة في تشكيل وإعادة تشكيل الذاكرة السنية المشتركة والمخيال الإسلامي الجمعي.
الإنشاد الديني رحلة فن روحي وقد مر بمراحل عديدة عملت على تطوره حتى أصبح منافسًا قويًا لفنون أخرى، وخرج من عباءته الإنشاد الصوفي من القوالب الإنشادية التي يبتكرها الشباب لمواكبة عصر التكنولوجيا الحديثة مثل فرقة “الحضرة” المصرية.
كما لا يعتبر الإنشاد الديني حكرا على المسلمين، فهو موجود في الكثير من الديانات الأخرى مثل المسيحية التي تعتبر الإنشاد ركيزة دينية حيث استخدم المسيحيون الموسيقى في طقوس العبادة والصلوات في الكنيسة، وذلك من خلال أداء فردي أو جماعي في شكل جوقة.
وتأسيس هذه الطقوس ليس جديدا، فهي تعود إلى القرن الرابع إثر عصر اضطهاد المسيحيين، حيث قام آباء الكنيسة بتأسيس نظام للطقوس الدينية مؤلف بشكل أساسي من الأناشيد التي يقع الترنم بها في ما يسمى بالترانيم، وذلك في المناسبات المختلفة طوال العام، وإضافة إلى الموسيقى تتكون الأناشيد إما من أشعار من الشعر الغنائي أو من العهد القديم وكل كنيسة تضع موسيقى وأناشيد خاصة بها.
يجمع الإنشاد الديني بين مختلف الأديان، وهو مساحة كبرى للتسامح، ولكنه أيضا بات مجالا للابتكار الموسيقي، ولخلق فن روحي يرقى بالإنسان إلى مراتب عليا من التسامح والتعايش القائم على المحبة.
* عن العرب – لندن