-
حاوره: عبداللطيف الوراري
هو إحدى الشخصيّات القلقة في شعرنا المعاصر، لكنّنا لا نعدم في رؤيته للعالم مخايل الإيمان والحبّ والأمل. لذلك نشعر، ونحن نقرأ شعره، بأنّه قريبٌ منّا، قريبٌ من روحنا اليوم، وهي تواجه عالماً أقلّ أماناً وأكثر جشعاً وعنفاً. يؤمن بأنّ القلب البشري هو المستقبل، وسوف يهضم الآلة العنكبوتية التي أدخلتنا في حياة قاسية من العلاقات والأسئلة. وما دام الأمر كذلك، فإنّ القصيدة تظلّ حيّةً مثل «برق في ثياب الشجرة»، بعبارته هو، التي يحملها ديوانه وهو في الطريق إلينا.
في هذا الحوار، يتحدّث صاحب «قصائد مُهرّبة إلى حبيبتي آسيا»، وابن الجنوب اللبناني الشاعر محمد علي شمس الدين؛ عن تجربته الشعرية، ومراحل تطوُّرها، والأسئلة التي تؤرقها، إنشاءً وتلقّياً، مؤكّداً على أنّ «الشعر العميق هو شعرٌ استراتيجيٌّ لا يلحق بالحوادث بل يسبقها»، وأنّ ما زال أمامه الكثير ليقوله رغم الشيخوخة التي لم تزِدْ قصيدته، بغنائيّتها الخاصة وبرقها الموجع، إلّا خِبْرةً وحيويّةً وشباباً.
عبور التجربة
■ عبر هذه المسيرة الطويلة من كتابة الشعر ومعاناته، ومن عبور اللغة وتاريخها الحديث، أين أنت الآن؟
□ بدأتُ الكتابة باكراً، في الثانية عشرة من عمري. كنْتُ أليف البراري والأصوات في ريف ساحر في قريتي (بيت ياحون) في الجنوب اللبناني. شراكةٌ بدائيّة كنْتُ أعيشها مع التراب والحجارة وحيوانات المنزل وصوت المؤذن. كنْتُ في فردوس ما، حاولْتُ التعبير عنه بالكلمات. ومن بعد ذلك حاولْتُ استعادته بالشِّعر. بدأْتُ بالقصص القصيرة، ثُمّ بالحكم والأقوال المختزلة، ثُمّ وصلْتُ إلى القصيدة. القصيدة جاءت نتيجة احتكاكي الجسديّ بالعناصر المحيطة بي، والإحساسي والعقلي بشؤون كثيرة وكبيرة منها الله، والخَلْق، والرُّوح والحبّ.
جذبني، وأنا فتىً، أبو العلاء المعرّي، في آلامه وشكوكه، خاصّة منها ألم العقل، فكتبْتُ أوّل ما كتبْتُ أبياتاً تُنْسج على منواله في الشكّ والسؤال واللغة؛ ثُمّ استهواني أبو حيان التوحيدي في «المقابسات»، وكنْتُ قد قرأتُ ذلك كلَّه وسواه، في مكتبة جدّي الشيخ في القرية. وبعد ذلك استهواني جدّاً ألبير كامو في كتابه «الغريب»، فقرأته عشرات المرات، ومن شدّة تأثيره في نفسي انتابني إحساسٌ بأنّني أنا هو «الغريب». ثُمّ توالت الأيام والقراءات والأسفار والتحوُّلات، ومعها الكتابة الشعريّة حتى يومنا هذا. أعتقدُ باختصار أنّ شعري مرَّ بمرحلتين: المرحلة الأولى، التي أسّسها الديوان الأول «قصائد مُهرّبة إلى حبيبتي آسيا» الصادر عن دار الآداب في بيروت 1975، وهي مرحلة الهجوم على العالم باللغة الوحشية، أُسميها المرحلة الوحشيّة، حيث اللغة مُسنّنة كأنياب سمك القرش، وكلّ شيء في القصيدة، من صور مركّبة ومعانٍ ملتبسة، وإيقاعات متدافعة… كلّ شيء محمولٌ في مراكب اللغة الهائجة، مثل قولي:
« للنّسْرِ الجائعِ
للبلبل في المطر الوحشيّ
وللطفل المذبوح على عتبات النّهْرِ
لموسيقى الأفلاكِ
وللفوضى الكونيّةِ
أنزف من رئتيَّ الشِّعْرَ
وأرفعه كالجرح الشاخِبِ في نافورة هذا العصر
وأفضُّ دمَ الأشجار
أفضُّ دمَ الأمطار
أشقُّ ضريح النار بحنجرتي
فأنا الشفّاف الآسرُ
والمظلمُ في الآبار
أنا الجَرَسُ المهدومْ…» (مدخل قصيدة «فاتحة للنار في خرائب الجسد»، من ديوان «قصائد مهرّبة..»)
كان المعنى متلاطماً، والصور متراكبة واللغة عارمة والإيقاعات قويّة كطبول في الغابة… هذه هي المرحلة ‘الوحشيّة لـ»قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا» 1975، ومن بعدها لديوان «غيم لأحلام الملك المخلوع» 1977، وصولاً لديوان «الشوكة البنفسجيّة» (دار الآداب 1981).
المرحلة الثانية هي مرحلة التأمّل والصمت، وتبدأ بديوان «أناديك يا ملكي وحبيبي»، ولا تنتهي عند ديوان «ينام على الشجر الأخضر الطير». إنّها مرحلة التأمل الوجودي والديني والانخطافات الروحية العرفانية، حيث الصمت مقام.. وألخصها بقولي، من قصيدة «ذكر ما حصل للنبي حين أحبّ» (من ديوان «طيور إلى الشمس المرّة»، الآداب 1984):
«كان يلزمني كي أفسّر هذا العذابَ
قليلٌ من الشعر
لكنّني لم أكُنْ شاعراً
ما الذي كان يفعله الشعراء مثلي لكي يَصِلوا؟
إنّها حالتي:
أرى لا أقولُ
سأروي لكم سرّها فاسمعوني:
لم يكن في البداية إلّا الظلامُ
وروح ترفرف مثل الحمام على الغَمْرِ
والله مبتهجٌ وحدهُ
ثم جاء الكلامُ
كان بَرْدٌ وحُمّى يلفّان جسمي
وأنا في ردائي غريبٌ ومختَطَفٌ
كيفَ أروي الذي كانَ منّي
وأبعدُ من لغتي نشوتي والسلامُ»
أوجاع الشعر ومصادره
■ يطالع القارئ في دواوينك «وجعاً»، في البحث عن الذات وكينونتها ورغبتها في قول ما لا «يقال»، إلامَ ترجعُ هذا الوجع؟
□ كل شيء يحدث هنا في الصدر، الحبّ والرهبة والوجع والفرح والضوء والظلمة والشبع والجوع… وكلّ شيء، كلّ شيء: أما الشعر فهو انبثاقٌ مفاجئ وغلّاب من الصدر: الكلمات تشبه الأنفاس؛ بل هي شبيهة بالحُبَيْبات التي تتكوّر فوق سطح سائل بركاني في وعاء موضوع تحت نارٍ حامية: الشعر فوران النفس القلقة. نعم، ثمّة وجعٌ، حين تحصل العملية الشعرية، لكنّه وجعٌ من أجمل وأمتع أوجاع الكائن البشري.. ولا يشبهه إلا وجع الولادة: في كل الأحوال، كلّ تحوُّلٍ في الحياة الإنسانية الفردية أو الجماعية يصاحبه بالضرورة وجَعٌ.
■ يعتبرك الكثير من الدارسين واحدا من القلّة الهائلة التي ساهمت في تطوير القصيدة العربيّة، هل تعتقد أنّ هناك «أزمة معنى»؟ وهل في ضياع المعنى ما يُشير إلى ضياع التاريخ واللغة والهويّة أليغوريّاً/ رمزيّاً؟
□ هنا مربط كلّ ما أكتب، بل هنا مربط الشعر والفكر والدين والوجود بكامله. ولعلّ هذا السؤال الخطير يصلح ليكون عنوان كتاب بكامله. أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال إجابات متعددة، بدءاً من مناقشة «المعنى» ما هو؟ وهل هو؟ انتهاءً بالتباسه، ونسبيّته، وتداخل ألوانه في الوجود واللاوجود، إلخ.
■ ما هي المصادر الكتابيّة والمعرفيّة التي تتوكأ عليها في كتابتك؟ وفي مواصلة نحت تجربتك؟
□ أنا قارئٌ دائمٌ وصامتٌ وليليٌّ للقرآن. وغالباً ما يقشعرّ بدني وأُصاب بالانخطاف عند قراءته أو سماعه. بعد ذلك أنا قارئٌ لكلّ شيء: في التواريخ والسّيَر المتنوعة القديمة والحديثة، العربية والعالمية؛ فضلاً عن قراءتي الأكاديمية للتاريخ من خلال شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي القديم، التي أحملها من الجامعة اللبنانية.. أقرأ الفلسفة بكافّة وجوهها بكثرة. أقرأ جميع أنواع الآداب من شعر ونثر وقصة ورواية ومسرحية، بالعربية والفرنسية، وبالترجمات من جميع اللغات، القديم والحديث. عاشقٌ للسينما، وعاشقٌ بامتياز للفنون التشكيلية، ولديّ قصائد لكلّ من، غوغان، فرانز مارك، المرأة التي فرّت من لوحة سلفادور دالي، ولي صداقاتٌ قويّة مع فنّانين تشكيليين مهمّين عرب ولبنانيين. أصغي للموسيقى وأقرأ الوجود. أبرز أصدقائي في الإبداع هم: امرؤ القيس، طرفة، المعري، المتنبي، التوحيدي، جبران، السيّاب، الماغوط، البياتي، أنطونيو ما تشادو، أنطونان آرو، كوبولا، مارلون براندو، فان غوغ، بيكاسو، دالي، ميرو، أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ، يوسف حبشي الأشقر، نيرودا، صلاح عبد الصبور، سعيد الكفراوي، جاك بريفير، الجاحظ، يوسف إدريس مسبوقاً بتشيكوف، ماركيز، كورتاثار… الإرث الصوفي الإسلامي: العطّار النيسابوري، حافظ الشيرازي، جلال الدين الرومي، الحلّاج، السهروردي وسواهم.
■ يعتقد أنّ الشيخوخة تساهم في جعل التجربة الإنشائية تتقهقر، لكن نشعر بأنّك كلما طال بك العمر ازددْتَ بهاءً واكتمالاً عمّا قبل. هل لهذه الأمر ارتباط بخيرة اليد والقلب والرؤية؟
□ أنا صاحب أطوارٍ شعريّةٍ وتحوُّلات، هذه المسألة أُحِسُّ بها ذاتيّاً بقوّة، والدارسون لشعري يرصدونها ويشيرون إليها باستمرار. هناك دراسات بيانية مرسومة لتطوُّر وحياة بعض الكلمات، المفاتيح في قصائدي، ابتداءً من الدم وانتهاءً بالطير، مروراً بالماء والريح، (ورد ذلك بشكل أساسي ومفصّل في أطروحة الدكتوراه باللغة الإسبانية حول شعري، بجزئين من 900 صفحة، أعدّها حسين علي أمين، وأجيزت بامتياز في جامعة الأوتونوما في مدريد عام 1991، تحت عنوان: محمد علي شمس الدين في إطار الحداثة الشعرية: حياة وآثار). يعود ذلك في نظري إلى عوامل أهمّها القلق الدائم تجاه القصيدة، واعتباري لقصيدتي هي التحدي الأكبر لي شخصيّاً. سأُدْلي بسرّ: أنا لا أفكّر بالشعراء الآخرين، مطلقاً. أعني لم أعتبر أحداً منهم، مهما كبر اسمه وصيته، خصماً لي أو منافساً، أو خطراً عليّ.. لا أعيش حسَّ المنافسة لا أعيش حسَّ المنافسة إلّا مع قصيدتي. أنا خصم نفسي. حين يحدث حدثُ جللٌ، كالحروب، والهزّات والثورات، أهرع إلى قصائدي لأرى هل كنتُ رأيت؟ ما زلت حتّى هذه اللحظة، وبعد 13 مجموعة شعرية أعيدت طباعتها مرّاتٍ عديدة، ما زلت أرتعب من القصيدة ولا أنام. أخاف. نعم أخاف جدّاً من القصيدة. القصيدة مرضي وشفائي، حيث لا شفاء. وأنا قارئٌ نَهِمٌ ومتأمّلٌ دائماً في الحياة. متأمّلٌ في صيرورات الأفراد والجماعات والأرض والأفلاك.. والقصيدة هي سلاحي الوحيد، والوحيد، والوحيد في مواجهة كلّ شيء. لذلك لا أنام على مجدها، ولا على نجاحها، ولا على إنجازها. أنا دائماً متربّصٌ بالقصيدة وأنتظرها.
بالمناسبة، عددٌ لا بأس به من الشعراء العرب المكرّسين بأسمائهم، عاشوا لسنواتٍ طويلة، يستعيرون من أنفسهم ولا يُجدّدون. نزار قباني الذي أُحبّ جزءاً من شعره عاش سنواته العشر أو العشرين الأخيرة بلا أيّ هاجسٍ للتجديد، ويستعير من ماضيه بيسر وخفّة، وهناك شعراء آخرون من أعلام الروّاد ما زالوا يعيشون بيننا حتى الآن (أطال الله في عمرهم)، لكنّهم ماتوا تجديديّاً وإبداعيّاً من عشرات السنوات. محمد الماغوط الذي شغفْتُ بدواوينه الثلاثة الأولى شغفاً لا مزيد عليه، مات إبداعيّاً بعد هذه الدواوين، حتى أنّ قارئه يعجب منه ويسأل: هل هذا هو عينه ذاك؟ وقد كتبْتُ يوم رحيله مقالةً طويلةً في تجربته الشعرية في مجلّة «العربي» بعنوان: الماغوط الأول والماغوط الثاني.
على الروّاد الباقين على قيد الحياة اليوم الانتباه لهذه المسألة الخطيرة. ثمّة موْتٌ إبداعيٌّ غالباً ما يسبق الموت الجسدي، يعاني منه الكثير من الشعراء. إمّا يتعبون، أو يستريحون إلى الشهرة وبريق الإعلام، أو تفرغ الشحنة الإبداعية. والأغرب أنّ الأكثرهم ضوضاءً هم اليوم الأقلّ إبداعاً.. فتأمَّلْ.
وضع الشِّعر وتلقّيه اليوم
■ في نظرك، ما هي وظيفة الشعر اليوم؟
ـ للشِّعر وظائف كثيرة، وفي الوقت نفسه، ليس له وظيفة. من وظائف الشعر المتعة والاحتفال بالجمال، وتحريك المُخيّلة، وتحريك الذاكرة، وإيقاظ النفس البشريّة على شتّى المعاني، والتمتُّع بالموسيقى، وبالإنشاد، والتعبير عن المعنى والحيرة، والسؤال في الوجود والعدم، والتعبير عن اللامعنى أيضاً، ومتعة النفس وألم العقل، إلخ. إذن، القصيدة تخاطب الذات والوجود بشتّى أنواع الخطابات. اليوم، وبعد منافسة فنونٍ كثيرةٍ للقصيدة، منها الرواية والقصة والسينما والمقالة والمسرحية، وبعد دخول الشبكة العنكبوتية لا على حفظ القصيدة إلكترونيّاً وحسب، بل على تأليفها أيضاً آليّاً وتفاعليّاً.. أرى أنّ دور القصيدة الأساسي اليوم هو أن تبقى «كائن اللُّغة» الخاص، أي»حارسة اللغة».. مهما تطوُّرت الفنون والعلوم.
■ هل تعتقد أنّ الشعر ما زال قادراً على الوجود، وعلى المساهمة في بعث الأمل والتفاؤل في زمنٍ لا شعريٍّ؟
□ يرى كثيرون أن التطوُّر الآلي والتقني، العولمة والشبكة العنكبوتية، عصر الاستهلاك السريع والتحوُّلات البرقية، مُنافسات الفنون، ودمار اللغات وتهافتها أو هلهلتها.. كلّ ذلك أدَّى إلى وضع الشعر في مرمى صعب، أو حالة حرجة. والحال هو أنّ الفلاسفة الألمان، وعلى رأسهم هايدغر أشاروا إلى موت الشعر كمعطى تزييني للفلسفة. القصيدة هي أصلٌ وجوديٌّ في اللغة، وهي أصلٌ وجوديٌّ في الفنّ، وهي أصلٌ وجوديٌّ في الوجود. لذلك هي تتغيّر وتتحوّل ولا تموت: لأنّها هي جوهرٌ بشريٌّ لا يزول إلا بزوال الإنسان. ولنا أن نسأل مع سيادة الشبكة العنكبوتية والعالم الرقمي: هل ستبتلع الشبكة الإنسان الذي أوجدها، أم أنّ القلب البشري هو الذي سيبتلعها؟ قال ذات مرة الشاعر والمسرحي والممثل الفرنسي أنطونان آرتو إنّ الإنسان سيبتكر وحشاً في المختبر يأكله. أعتقد أنّ القلب البشري سيهضم الآلة العنكبوتية وليس العكس؛ لذلك القصيدة حيّةً.
■ هل ترى أن الشعر ما زال يغري الجمهور؟ أم أنّ هناك فجوةً بينهما؟
□ الفجوة بين القصيدة والآخرين موجودةٌ، بحضور جمهورٍ مهما كان اتّساعه، وبلا حضور جمهور. هذه الفجوة سببها خصوصية القصيدة، وأسرارها، وطبقاتها.. وما يُسربِلُ جمالها من غموض. أخاف من الناس على قصيدتي، وأميل إلى إسماعها لواحدٍ (واحدةٍ) فقط… فإذا كان لا بُدّ من جماعة أو جمهرة يملأون قاعة أو ساحة، فإن الخوف يتضاعف: والمسألة، تبعاً لتجربتي الشخصية، ليس لها مقياس ولا قاعدة. حضرْتُ مرّةً أمسية لمحمود درويش في القاهرة، لم يكن فيها جمهور ولا حماسة للقصائد. كان يقول لي نزار قباني إنّه في أمسية له في السودان كان الناس بعدما ملأوا الساحة، صعدوا على الأشجار ليستمعوا إليه. قلت له: وليأكلوا المانغا أيضاً. أنا تخيفني بل ترعبني الكثرة. أحياناً تمتلئ القاعة التي ألقي فيها قصائدي عن بكرة أبيها. أحياناً لا.. ليس ثمّة من قاعدةٍ في هذا الموضوع. أنا لا أعرف على وجه الدقّة، ما هي علاقة الجمهور بالقصيدة؟ قد تجد إنساناً يُشعرك بأنّ قصيدتك هي حياته ومتعته. قد تتدلّهُ نساء جميلات وحسّاسات جدّاً بشعرك. أنت لا تعرف، فالعلاقة غامضة، والعدد لا يفصل في الموضوع…
أعتقد أنّ القصيدة استحقاقٌ لصاحبها واستحقاقٌ لقارئها. هي تختار القارئ، وليس العكس. الكثرة قد تكون لعنةً والقلّة رحمة للقصيدة. الآخر بالنسبة للقصيدة غامضٌ ومتحرّك.
■ إذا طُلِب منك كشاعر ما الذي بودّك أن تقوله لمن يُجاهرون بعدائهم للثقافة والشعر في زمننا العربي؟
□ هناك فئةٌ كلبيّةٌ من الناس تعتبر أن الثقافة بشكل عام، والشعر مرضٌ اجتماعيّ. أريد أن أقول ما يلي: إذا نظر الأعمى إلى الشمس وقال: ما أشدّ الظلام! هل يُؤثّر ذلك في الشمس ويُؤدّي إلى غيابها؟ كيف تتصوّر شجرةً أو حتّى صخرة، بلا شعر؟ فكيف بالإنسان؟
-
عن القدس العربي – لندن