أجرى الحوار: عبد الحكيم*
السؤال: أولاً حدثوني من فضلكم عن أسرتكم الكريمة والبيئة التي نشأتم فيها وكذلك أخبروني عن الأسرة التي تنتمون إليها؟
الجواب: أنتمي إلى أسرة تسمى بُولافان، معناه الشاعر، ببلدة كَدَيَنلّور الواقعة بجنوب ولاية تاميل نادو، وكان لي أربعة من أخوة وثلاث من الأخوات. وكان والدي رحمه الله تاجر الأقمشة، متدينا ومحبا للعلماء والشيوخ. وكان من رغباته أن يتفقه أحد أولاده في الدين، فاختارني الله لذلك.
السؤال: كيف كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي نشأت فيها؟
الجواب: نشأتُ في جوّ ديني منذ طفولة حياتي، كانت بلدتي كدينلور من أحد مراكز المسلمين في تاميل نادو بكثرة سكانها المسلمين، وكثرة العلماء وحفاظ القرآن الكريم، إلا أن معظمهم كانوا يعملون في حياكة الأثواب القطنية مستخدمين الأدوات اليدوية. ومن ثَم كانوا يعانون ضعف الحياة اقتصاديا بصفة عامة. وأما في الآونة الأخيرة فقد تغير الوضع نحو الأفضل.
السؤال: حدثوني من فضلكم على الأقل كيف بدأت مسيرة التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي والعالي بقدر من الإيجاز؟
الجواب: بعد أن أتممت التعليم الابتدائي وقطعت شوطا في التعليم الثانوي تحولت إلى المدارس العربية الدينية عام 1960م. وتواصلت الدراسات العربية الدينية إلى أن أتممتها بالكلية العربية الجمالية عام 1969م، ثم أتممت التعليم الثانوي والبكالوريوس في الإنجليزية والماجستير بالعربية أثناء عملي مدرسا بمدرسة الهلال. وبذلك وفقني الله في الحصول على العلوم الدينية والعلوم العصرية الجامعية، واللغة العربية واللغة الإنجليزية جنباً بجنب، فهو الأمر الذي لم يتوفر عادة في شخص واحد إلا نادراً في أوائل السبعينات من القرن الماضي. وكل الفضل في ذلك يرجع إلى أستاذي الجليل الشيخ عبد الوهاب البخاري رحمه الله الذي أرشدني في جميع المجالات ونصب شخصيته قدوة أقتدي بها.
السؤال: أستاذ، أنت كما قلت سابقاً درست في كلية اللغة العربية الملحقة بجامعة مدراس- شنائي، لو سمحتم هل يمكن لي أن أسأل متى التحقت بهذه الكلية، وكيف تعلمت اللغة العربية وآدابها، وكذلك من هم الأساتذة المعدودون الذين قد استفدت منهم استفادة كاملة؟
الجواب: إن الفترة التي قضيتها في دار العلوم- الكلية العربية الجمالية مازالت حيا في ذاكرتي، والتحقت بها عام 1967، وعشت فيها طالبا لمدة ثلاث سنوات، ثم أصبحت أستاذاً فيها لمدة كذلك. وكنت أستمع من الأساتذة في النهار وأنهل من مكتبة الكلية في الليل والناس نيام. وكان من ضمن المنهج الدراسي في الكلية حصص معينة لممارسة المحادثة والخطابة العربية أسبوعياًّ. وقد استفدت استفادة تامة من تلك الحصص حتى تحصلت الملكة التواصلية باللغة العربية بصفة عامة. ومن خصائص مناهجها الدراسية أيضا أنها تشمل حظا وافرا من مقررات الأدب العربي القديم والحديث وتعطي عناية كبيرة لتنمية المهارات اللغوية لدى الطلبة. ولا أنسى في دعائي أساتذتي الذين ربّوني في كنفهم تربية حسنة، وهم الشيخ الأستاذ عبد الوهاب البخاري، عميد الكلية، والشيخ الأستاذ عبد الباري، والشيخ الأستاذ عبد الرافع، والشيخ الأستاذ محمد الغزالي رحمهم الله وجعل جنة الفردوس مثواهم.
السؤال: تعد ولاية تاميل نادو الهندية من أهم الولايات الهندية، فهي منبع العلوم والفنون ولقد أنجبت هذه الولاية العريقة الخضراء العديد من الأعلام الكبار والكتاب البارزين والمشائخ النابغين والمؤلفين المثقفين الباحثين في كل ميدان من العلم والأدب فإلى أي مدى تأثرت بهؤلاء العلماء البارزين؟ ومن هم الذين قاموا بمساهمة فعالة في بناء شخصيتكم الفذة علميا وأدبيا وثقافيا وفي مجال الترجمة خاصة؟
الجواب: أنا موافق على رأيك بأن ولاية تاميل نادو أنجبت عددا هائلا من كبار الأدباء والعلماء والمؤلفين في المجالات الدينية والأدبية والعلمية والأكاديمية والسياسية. وقد نبغ كثير من الأدباء والكتاب والخطباء في مجال السياسة منذ منتصف القرن الماضي من أمثال قائد الملة محمد اسماعيل وعبد الصمد ومحمد يوسف رئيس التحرير لمجلة تأملية أسبوعية. واشتهر كذلك كثير من العلماء في مجال الدين من أمثال العلامة ضياء الدين أحمد الأماني، العلامة شمس الهدى، والعلامة يوسف الأنصاري، والشيخ العلامة عبد الوهاب البخاري، وأما في مجال الأدب فأمثال الأستاذ الشيخ عبد الرافع والشاعر عبد الغفور، والشاعر عبد الرحمن كفيكو، والكاتب عبد الرحيم، وفي مجال الأكاديمية أمثال الأستاذ محمد يوسف كوكن، والأستاذ نثار أحمد. وكل هؤلاء ساهموا مساهمة جبارة في تكوين شخصيتي وشخصيات أمثالي وأقراني بمؤلفاتهم وخطاباتهم وتدريسهم ومقالاتهم وتوجيهاتهم إما مباشرة أو غير مباشرة، وجميع خدماتهم مشكورة.
السؤال: أي شخصية علمية وأدبية أعجبتكم أكثر، ولماذا؟
الجواب: كان الشيخ الأستاذ عبد الرافع الباقوي الجمالي من أبرز العلماء والأدباء في ولاية تاميل نادو. وكان يُدرّسنا الأدب العربي من الكتب المقررة في المنهج الدراسي مثل ديوان الحماسة لأبي تمام، وديوان المتنبي، والبيان والتبيين للجاحظ، ومقامات بديع الزمان الهمداني، فما زالت محاضراته التي ألقاها في قاعات الدروس في أواخر ستينات من القرن الماضي حياَّ في ذاكرتي وقد مضى خمسون عاما من استماعها. وامتاز الأستاذ عبد الرافع بوسعة الخيال وحسن التفهيم، فكان يستخرج من عبارة واحدة أو جملة واحدة أو قصيدة واحدة معاني عديدة ومفاهيم واسعة مختلفة.
ومن حسن الحظ أن الله عز وجل أتاحني فرصة أن أكرم أستاذي عبد الرافع بدعوته ضيفا رئيسيا للحفلة الأولى التي عقدتها لتخريج الدفعة الأولى بالكلية العربية البخارية وأن يوزع الشهادات العالمية بيديه الميمونة في عام 2006.
السؤال: كما أظن أنت تدرس اللغة العربية وآدابها منذ عام 1970م في الكليات العديدة والمعاهد المتنوعة في ولاية تاميل نادو الهندية مثل: كلية الجمالية العربية- شنائي، ومدرسة كريسنت- وندالور، ومعهد بي، إيس عبد الرحمن، وغيرها، فسؤالي هنا كيف كانت تجربتك في هذه الكليات والمعاهد؟
الجواب: عُيّنت مدرساً في الكلية العربية الجمالية عام 1970، وأنا في اثنتين وعشرين سنة من عمري، وذلك مباشرة عقب إتمام دراستي فيها. وأكبر التحديات التي واجهتها في هذه المرحلة هو أنني أصبحت أستاذا للطلبة الذين كانوا زملائي حتى الأمس، ويعتبرونني زميلاً لهم حتى ذلك اليوم وليس أستاذا. وبفضل الله تعالى تغلبت على هذه الصعوبات خلال فترة وجيزة حتى أخذ معظم الطلبة يلتفون حولي سواء في قاعات الدروس أو خارجها ليستمعوا مني. وإنما تحقق ذلك ببذل الجهود البالغة في استعداد إلقاء المحاضرات والمطالعة الواسعة ليلاً ونهارا. وكنت في مدرسة الهلال معلم اللغة العربية بالمستوى الثانوية خلال الفترة من سنة 1972 إلى سنة 1979، وأتيحت لي هناك فرصة ثمينة لتربية الجيل الجديد وتشكيل شخصياتهم فضلا عن تعليمهم اللغة العربية.
وأما في الكلية العربية البخارية فقد أسند إلىّ مؤسسها الشيخ بي يس عبد الرحمان جميع المسؤوليات لتأسيسها وتقرير مناهجها وتدبير أمورها. وتوليت عمادتها منذ تأسيسها عام 2000م. وهي كلية نموذجية حيث تشمل مناهجها التعليمية العلوم الشرعية والعلوم العصرية، وكذلك اللغة العربية واللغة الإنجليزية. ويتخرج طلبتها حاملين درجة في علوم الإدارة والتجارة، ودرجة أخرى في العلوم الشرعية. وهذه الكلية اندرجت تحت جامعة بي يس عبد الرحمن عام 2010م.
السؤال: كيف ترون الأدباء والكتاب المعاصرين في الهند أمثال العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي، والشيخ السيد سلمان الحسيني الندوي، والشيخ نور عالم خليل الأميني؟
الجواب: مما لا شك فيه أن هؤلاء العلماء أصبحوا منارات الأدب العربي والدراسات الإسلامية في الهند، وخدماتهم في مجال التدريس، وتصنيف الكتب، ونشر الصحافة وتبادل الآراء، وتوجيه الأمة الإسلامية جليلة القدر، ونسأل الله أن يوفقهم ويجزيهم جزاء حسناً.
السؤال: اعتقد عسى أنت قرأت الكتاب “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” للعلامة أبي الحسن علي الندوي، فسؤالي هنا يا أستاذ ما رأيك عن الكتاب، وكيف وجدته بعد القراءة لغة وأسلوبا وفكرا؟
الجواب: هذا الكتاب من أحسن وأروع ما قرأت كما قال الأستاذ سيد قطب: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لمؤلفه السيد أبي الحسن علي الندوي، من خير ما قرأت في هذا الاتجاه، في القديم والحديث سواء”. يقدم المؤلف في هذا الكتاب تصويرا واضحاً للعالم قبل إشراق أنوار الإسلام، ثم يقدم دور الإسلام في تطوير حياة البشر بزرع الإيمان والإخلاص والكرامة والثقة والعدالة، وإزالة الخرافات والفساد والطغيان والانهيار. ثم يستعرض صورة العالم وما أصابه بسبب فقدان قيادة الإسلام، وما حل بالمسلمين أنفسهم بسبب تخليهم عن مبادئ دينهم. ويمتاز هذا الكتاب بأسلوبه العلمي وبعرض الحقائق بالأدلة المقنعة.
السؤال: في الحقيقة، أنت أستاذ بارع ومترجم شهير كما سمعت من بعض أصدقائي، وأنت كتبت عددا هائلا من الكتب العلمية حول موضوعات شتى، ولا تزال تكتبها فسؤالي هنا يا أستاذ هل يمكن لك أن تقول لي كم كتبا أنت ألفتها وعلى أي موضوع؟
الجواب: إنني عاكف على التدريس وإدارة الكلية وتربية الجيل الجديد بصفة عامة فلم أجد فرصة لتأليف الكتب إلا قليلا، فقد ألفت ثلاثة كتب دراسية لبرنامج أفضل العلماء ونشرها الجامعة الحكومية منونمنيام سمندرنار، كما ألفت كتابين دراسيين في تاريخ الأدب العربي لماجستير وكتابا في علوم القرآن والحديث لماجستير تلبية لطلب جامعة مدراس. واشتركت في هيئة تأليف ثلاثة كتب دراسية في اللغة العربية للصف الرابع والصف الثامن والصف التاسع للمدارس الثانوية، ونشرها إدارة تعليم حكومة تاميل نادو. وبالإضافة، ألفت كتابا بعنوان تاريخ الفكر الإسلامي باللغة الإنجليزية نشرها الناشر الفرنساوي عام 2018. كما ألفت مؤخرا كتابا بعنوان “الفقه الإسلامي وسعته” باللغة التاملية، والذي نال الجائزة الأدبية 2018. وجملة الكتب التي ألفتها حتى الحين، تلك عشرة كاملة.
السؤال: أنت لاتزال تكتب البحوث العلمية والفكرية والأدبية في الجرائد والمجلات الدولية والوطنية، ولا شك فيه كما أظن لديك خبرات موسعة وقدرات متكافئة في ميادين عديدة، لذلك أوجه إليك سؤالا ما هو شيء مهم واجهته خلال كتابة هذه البحوث والكتابات العلمية والأدبية في اللغة العربية؟
الجواب: إن البحوث العلمية من أهم نشاطات العلماء وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا. والمجالات التي اخترتها للبحث العلمي هي التشريع الإسلامي وتاريخ الأدب العربي. وأما في تاريخ الأدب العربي فقد ألفت خمسة كتب دراسية للجامعات. وأما تاريخ التشريع الإسلامي فهو عنوان بحثي لنيل درجة الدكتوراه عام 2006م، وما زلت أنشر أوراقي البحثية في المجلات العلمية المفهرسة. وقد بلغت الأوراق البحثية المنشورة 12 مقالة. وأكبر الصعوبات التي يواجهها كل باحث في اللغة العربية هو قلة توافر المجلات العلمية المحكمة المفهرسة في سكوبس أو ويب آف سينس أو غيرها من المفهرس المعتمدة من قبل UGC.وقد بدأت مع زملائي في كلية العربية والدراسات الإسلامية بجامعة بي يس عبد الرجمن الهلالية بنشر مجلة علمية محكمة بلُغتى العربية والإنجليزية. ونتمنى إخراج أول عددها خلال الشهر القادم وكما نتمنى اندراجها ضمن المجلات المفهرسة في سكوبس في السنوات القادمة إن شاء الله .
السؤال: فهل بإمكانك أن تقول ما هي الكتب العلمية والأدبية والفكرية والتاريخية المفضلة لديكم وما هي الكتب والمؤلفات التي قد استفدتم منها كثيرا خلال تأليف الكتب باللغة العربية؟
الجواب: أما في تأليف الكتب في تاريخ الأدب العربي فقد استفدت من الكتب الكثيرة وراجعت إليها كثيراً، ومن أهمها تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف وتاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان، وأعلام الشعر والنثر للأستاذ محمد يوسف كوكن. وأما في تأليف كتاب الفقه الإسلامي وسعته فقد كان من أهم الكتب التي راجعت فيها: كتاب الشريعة الإسلامية للدكتور يوسف القرضاوي، وفجر الإسلام لأحمد أمين، وضحى الإسلام لأحمد أمين وغيرها من كتب أصول الفقه الإسلامي.
السؤال: أستاذ أنت كتبت كتابا بعنوان ” تاريخ اللغة العربية وآدابها”، أخبرني الدكتور ك.م. ع. أحمد زبير بأن هذا الكتاب داخل في المناهج الدراسية في جامعة مدراس على مستوى الماجستير، فهل يمكنك أن تقوم باستعراض مختصر لكي يعلم قراء مجلتي عن أهمية الكتاب ودرجته لدى الأوساط العلمية والفكرية؟
الجواب: لقد كتبت ثلاثة كتب في تاريخ الأدب العربي لمستوى أفضل العلماء، وكتابا لمستوى الماجستير. أما تاريخ الأدب العربي بصفة عامة فينقسم إلى أربع مراحل. المرحلة الأولى تحتوي دراسات حول نشأة اللغة العربية وتطورها في أيدي الشعراء الجاهلية، والمرحلة الثانية تخص تطور اللغة العربية وآدابها بعد نزول القرآن الكريم وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نهاية العصر الأموي، والمرحلة الثالثة تبحث عن الإنجازات الأدبية وازدهارها في العهد العباسي. وأما المرحلة الأخيرة فهي تخص النهضة الأدبية في العصر الحديث بعد اختراع الطباعة والصحافة وتبحث عن المساهمين من الشعراء والأدباء.
السؤال: أنت زرت عددا من البلاد العربية والغربية كما زرت العديد من الجامعات الشهيرة العريقة للبحث عن مناهج الدراسات الإسلامية والعلوم العربية مثلا زرت جامعة القاهرة عام 1999م، وجامعة إفريقية العالمية- خرطوم عام 2000م، وجامعة أم القرى- المملكة العربية السعودية، فالمرجو منكم أن تخبرونني من فضلك من نتائج علمية وثقافية حصلت عليها من خلال هذا السفر العلمي الميمون؟
الجواب: لما توليتُ مهامّ تأسيس الكلية العربية البخارية قمتُ بالرحلات العلمية وزيارة الجامعات والمعاهد المختلفة، وخاصة زرتُ الجامعة الإسلامية الإفريقية العالمية بخرطوم، وجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة ما بين عام 2000 و2001م. واطلعتُ على مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها التي وضعها أساتذة الجامعة الإفريقية. وقد أكّد لي أساتذة الجامعة أن برامجهم هذه تكفّل تنمية المهارة اللغوية العربية خاصة في التواصل وملكة الكتابة لدى الطلبة في مدة أقصاها عشرة أشهر. وأما جامعة أم القرى أيضا فقد نشرت في تلك الفترة كتابها “القراءة العربية لتعليم غير الناطقين بها” وإننا قد طبّقنا هذه المناهج في كليتنا العربية البخارية منذ سنة 2001م ونجحنا بذلك. ومن المعلوم أن هذا المنهج لتعليم غير الناطقين بها قد انتشر مؤخرا وتطور تطورا عظيما. وأما بالنسبة إلى المناهج الدراسية المتبعة في جامعة الأزهر فقد أخذنا بعض ما أعجبنا وطبّقناه في كليتنا العربية البخارية. وذلك خاصة في أصول الفقه وتاريخ الفقه الإسلامي والأدب العربي.
السؤال: أستاذ أنت قمت برحلة علمية وثقافية للمشاركة في برنامج تبادل المعلم الديني على دعوة وزارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فكيف كان هذه الرحلة، أخبروني من فضلكم عن نتائج علمية وتعليمية حصلت عليها من خلال هذا الرحلة الميمونة؟
الجواب: اشتركت في برنامج تبادل المعلم الديني تلبية لدعوة وزارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2002م مع عدد من العلماء والأساتذة. وزرت كثيرا من المؤسسات التعليمية الحكومية والأهلية في أربع ولايات. واطلعت على العادات والتقاليد السائدة لدى الشعوب، خاصة الجاليات اليهودية والعرب. وزرت معابد اليهود واطلعت على وثائق التوراة والمخطوطات المكتوبة في الجلود والملفوفة في الأسطوانات.ومن أعجب ما رأيته في أمريكا هو جامعة (Brigham Young University) التابعة لجماعة مورمان في (Salt lake city). وهؤلاء قوم من النصارى إلا أنهم يعتقدون أنه لايخلو زمان إلا بوجود نبي حى، ويتخلقون بالأخلاق الفاضلة. وأما هذه الجامعة فهي تعد خريجيها دعاة إلى عقيدتهم.
السؤال: وكذلك يا أستاذ أنت قمت بسفر ميمون إلى الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، وأنت زرت عدة جامعات شهيرة في الولايات كما زرت North Carolina University, USAوDuke University, USA…. أولا ألف ألف مبروك لهذا السفر الميمون العلمي… ألتمس منكم أن تخبروني بشيء من الإيجاز عن هذا السفر الميمون الذي قمت به إلى الولايات؟
الجواب: سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في المرة الثانية مع عائلتي في مايو عام 2014م لزيارة اينتي التي تقيم بمدينة بالتيمور بولاية ميري لاند مع زوجها وأبنائها. انتهزت هذه الفرصة لزيارة بعض الجامعات الأمريكية التي بها قسم اللغة العربية أو الدراسات الإسلامية. وقد سبق لي أن تعرفت على الأستاذ (Bruce Lawrence) أحد أساتذة الدراسات الإسلامية بجامعة ديوك أثناء زيارته للهند، وكنت بالإتصال معه منذ ذلك الوقت. وبدعوة منه قمت بزيارة الجامعتين الأمريكيتين، وهما(North Carolina University & Duke University) واطلعت على المناهج الدراسية وأساليب التدريس المتبعة فيهما. ومما أعجبني أن الأستاذ (Carl W. Ernst) كان خبيرا بتاريخ الإسلام والدراسات الإسلامية بجامعة (North Carolina University). وقد ألف كتابا بعنوان ( How to Read Qur’an) ، فكان بالإضافة، صاحب النظرية الجديدة فهي: (Cosmopolitism instead of Orientalism). فإن الإستشراقية فيها تعصب وحقد وعداوة ضد الإسلام والعرب. وأما (Cosmopolitism) فهو دراسة حرّة غير منحازة للثقافات الأخرى، كما درس أبو ريحان البروني للثقافات الهندوسية، وكما درس ابن خلدون ثقافات الأمم المتخلفة في كتابه المقدمة.
وفيما بعد أثناء زيارة الأستاذ (Carl W. Ernst) لجامعتنا- جامعة بي يس عبد الرحمان الهلالية قد تم إبرام اتفاقية التفاهم والتعاون بين الجامعتين.
السؤال: أنت زرت العديد من البلاد العربية والغربية مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، والتركيا، وجمهورية مصر العربية، والإمارات العربية المتحدة، وسريلنكا، ومليشيا، وتائي لندا والمملكة العربية السعودية، وقطر وعمان وما إلى ذلك، كما زرت عدة جامعات عالمية ووطنية، فسؤالي هنا كيف تنظر المناهج الدراسية، وما هي الفروق التي قمت بملاحظة تامة بين التعليم الغربي والتعليم الإسلامي؟
الجواب: قد أجبتُ آنفا عن نتائج زيارتي للمدارس والجامعات الغربية والجامعات الآسيوية. ومما يجدر الذكر به هنا أن أساليب التعليم في الغرب قد تطورت تطورا عظيما من حيث استخدام أحدث وسائل التعليم الإلكترونية. ورغم أن مؤسساتنا التعليمية قد قطعت شوطا في تحديث وسائل التعليم فلم ترق إلى المستوى المطلوب، فلا بد من تركيز الخبراء عنايتهم في هذا المجال وخاصة في المدارس العربية الدينية.
السؤال: ما هو اختصاصكم العلمي والأدبي والفني والتاريخي؟؟
الجواب: كما أشرتُ فيما سبق أنني عاكف على دراسة تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ الأدب العربي حيث نشرتُ عددا من المقالات والكتب في هذين المجالين. وأما في التدريس أركّز عنايتي في مساقات التفسير الموضوعي وشروح الأحاديث النبوية الشريفة وأصول الدين.
السؤال: من هم الأدباء الممتازون العبقريون من منظوركم الخاص في العصور العربية المختلفة؟
الجواب: إن الأدب العربي من أقدم الآداب وأغناها في العالم. وله تاريخ أطول من أية لغة متداولة في أنحاء العالم. والفضل يرجع إلى الأدباء والمفكرين الممتازين الذين ساهموا في هذا المجال في كل طور من الأطوار منذ العهد الجاهلي إلى العهد الحديث. وأما في العصر الحديث فقد قام بعض فحول الشعراء والأدباء بتحديث اللغة العربية وتجديد شعرها. وبجهدهم ومساهمتهم أصبحت العربية لغة مرسلة كما أصبح شعرها ملونا بألوان الشعر الحديث. الشيخ محمد عبده والدكتور طه حسين وأمثالهما ساهموا في إخراج اللغة العربية من قيد الشجع إلى لغة مرسلة، وكما كان الشاعر عباس محمود العقاد وعبد الرحمن الشكري والمازني وأمثالهم ممن أخرجوا الشعر العربي من شكله القديم إلى شكل شعر حديث مرسل.
السؤال: هل هنا في شمال الهند أي أديب أو كاتب عبقري قد أثر على شخصيتكم الفذة أثرا قويا للغاية؟
الجواب: رغم أننا نجد عددا كبيرا من الأدباء النابغين والكتاب العبقريين فإنما أثر على شخصيتي تأثيرا بالغاً فهو الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله رحمة واسعة وأدخله في جنته النعيم.
السؤال: أستاذ أنت صحافي وكاتب لم تزل ولا تزال تكتب في الجرائد والمجلات العربية الصادرة من الهند وخارجها منذ نعومة أظفارك، الآن فكيف تنظر إلى فن الصحافة؟ وما هي الفروق الواضحة التي تلاحظها بين الصحافة في الماضي والصحافة في هذا الزمان؟
الجواب: إن الصحافة من أهم وأعظم الوسائل الحديثة لنقل الأحداث وتبادل الأفكار ونشر نتائج البحوث العلمية وخلق الوعي العام بين الناس، وهي لم تكن معروفة لأجدادنا القدماء. فيجب على الصحافة ألا تفقد ميزتها من الأمانة والإخلاص وعدم الانحياز.
السؤال: ما هي التحديات والمشكلات التي تواجها اللغة العربية في الهند؟
الجواب: كانت اللغة العربية منحصرة داخل حرم المدارس الدينية في الهند حتى منتصف القرن الماضي، فإذا أراد شخص أن يتعلمها فلم يكن له سبيل إلا أن يلتحق بإحدى المدارس الدينية. ولكن ذلك الوضع قد تغير الآن تغيرا كبيراً. ونرى الآن عدداً من المدارس الثانوية والكليات والجامعات في كثير من المدن وفي كثير من الولايات توفر لطلبتها فرصة تعليم اللغة العربية من مستوى الابتدائي إلى المستوى الدكتورة. وفي نفس الوقت نرى ضعفاً كبيرا في إدارة المدارس الدينية وقلة الملتحقين بها من الطلبة من جانب، ومن جانب آخر أن النظرية اللغوية للحكومة المركزية وحكومات الولايات الهندية تهدّد تعليم اللغة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية. وهذه ظاهرة جديدة فلا بد من أن ينتبه بها علماء المسلمين ورؤسائهم.
السؤال: كيف ترى مستقبل اللغة العربية وآدابها في ولاية تاميل نادو الهندية بصورة عامة وفي كافة الهند بصورة خاصة؟
الجواب: كما قلت آنفاً أن اللغة العربية أصبحت تدرس في تاميل نادو وكذلك في الولايات الأخرى من مستوى الابتدائي إلى مستوى الدكتورة، وأن الخريجين من قسم العربية يجدون فرصا كثيرة للعمل في مجالات التدريس والترجمة.
السؤال: كيف تنظر إلى الوضع الراهن العربي الهندي؟
الجواب: قد أخذ عدد طلبة اللغة العربية في الكليات والجامعات يتزايد في الوقت الراهن، وفي نفس الوقت لا ينبغي أن نغفل التهديد الذي يأتي من الحكومة المركزية ضد العربية، وإغلاق بلاد الخليج أبوابها أمام الوافدين للعمل.
السؤال: ما هي النصائح والاقتراحات التي تريدون أن تقدمونها للأجيال القادمة وخاصة للذين يدرسون في المدارس الدينية في مختلف أنحاء الهند؟
الجواب: إن المدارس الدينية في الهند تلعب دورا حيويا لإقامة الدين ونشر علومه، وكانت هذه المدارس تصنع القوى البشرية الفعالة التي تكفل إقامة الدين من جانب وإقامة الدولة من جانب آخر في أيام المغول، حيث كان خريجوها مؤهلين للعمل في قطاع الأمن والعدل وإدارة الشئوون الحكومية بالإضافة إلى العمل في التدريس والوعظ والإمامة وغيرها من المجالات الدينية. وأما بعد الاحتلال البريطاني فقد حدّدت المدارس نطاق مناهجها الدراسية في العلوم الدينية المحضة، فلم يكن لطلبتها نصيب من العلوم العصرية والواقعية واللغة الإنجليزية التي تفتح أمام الطلبة نوافذ العلوم الحديثة. فقد تعين على طلبة المدارس الدينية في الأوضاع الراهنة أن يتحصلوا على قدر من العلوم العصرية ومن اللغة الإنجليزية، إضافة إلى علوم الدين الحنيف، وأن يوجه عنايتهم في تنمية مهاراتهم حتى يتأهلوا لقيادة الأمة الإسلامية في جميع المجالات.
السؤال: هل لديكم أي مشورة ونصيحة لطلاب العلم والأدب؟
الجواب: قال الإمام الشافعي رحمه الله:
تعلم فليس المرأ يولد عالماً – وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لاعلم عنده- صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما- كبير إذا ردت إليه المحافل
السؤال: وهل لديكم أي مشورة للطلاب الهنود والذين يريدون أن يكونوا كاتبا وأديبا ومترجما مثلكم؟
الجواب: أتذكر في هذه المناسبة شيئا من نصائح الشاعر ميخائيل نعيمة للأدباء والشعراء، فقال: إن الأدباء يخلقون ولا يصنعون. والفرق بين الأديب المخلوق والأديب المصنوع كالفرق بين العين الطبيعية والعين من الزجاج”.
شكرا لك يا أستاذ! على إتاحة هذه الفرصة السعيدة الميمونة لإجراء هذا الحوار المفعم بالمعلومات القيمة النادرة عن جوانب مختلفة من حياتك العامة. يستفيد القراء من تجاربك العلمية والعملية في التدريس والتأليف والتصنيف إن شاء الله تعالى. مع السلامة.
*الباحث في الدكتوراه، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.
- المادة منقولة من موقع “أقلام الهند” الالكتروني باللغة العربية