حوار مع الروائي الهندي أرافيند أديغا


*لطفية الدليمي

أرافيند أديغا Aravind Adiga : روائي هندي ولد في مدراس عام 1974 و نشأ في مانغالور في جنوب الهند ثم تلقى تعليما جامعيا مرموقا في جامعة كولومبيا الامريكية وواصل بعدها تعليمه في كلية ماكدالين Magdalen في جامعة أكسفورد البريطانية . يكتب أديغا مقالات تظهر على نحو منتظم في النيويوركر و الصنداي تايمز و الفاينانشيال تايمز و حازت روايته الأولى ” النمر الأبيض ” على جائزة المان بوكر عام 2008 ، و نشرت روايته الثانية ” بين الاغتيالات ” عام 2008 ، ثم نشرت روايته الثالثة ” الرجل الأخير في البرج Last Man in Tower ” عام 2011 . أنقل أدناه حوارا مع أرافيند أديغا أجراه معه موقع BookBrowse الإلكتروني .

الحوار
× من كان له التأثير الحاسم فيك من الأدباء ؟ هل ترى في نفسك كاتبا هنديا بالتحديد ؟
• ربما كان من الأفضل السؤال عن المؤثرات الأدبية التي ساهمت في تشكيل روايتي الأولى ” النمر الأبيض ” بدل الحديث عن المؤثرات التي ساهمت في تشكيلي الادبي . ثمة ثلاثة روائيين أمريكيين سود من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية هم من ساهم في دفعي لكتابة روايتي و هم بحسب ترتيب تأثيرهم في : رالف اليسون ، جيمس بالدوين ، ريتشارد رايت و الغريب في الامر انني لم أقرا لأي منهم منذ سنوات بعيدة باستثناء رواية رالف اليسون ” الرجل اللامرئي ” التي قراتها عام 1995 او 1996 ، و ادرك الآن – بعد ان أنجزت كتابة روايتي الأولى – كم أنا مدين لهؤلاء الكتاب الثلاثة . لا أرى نفسي – ككاتب – مقيدا الى أية هوية محلية محدودة و أكون دوما في غاية السعادة لكي اتمثل في أعمالي التأثيرات من أينما جاءت .
× هل يمكنك ان تحكي لنا شيئا عن كيفية تحولك الى كاتب روائي ؟ هل كانت الانتقالة من الصحافة الى كتابة القصة و الرواية شاقة عليك ؟
• كتبت المسودة الأولى من روايتي ” النمر الأبيض ” عام 2005 ثم ركنتها جانبا و لم التفت اليها طويلا بعد ذلك ، ثم – و لأسباب لا استطيع إدراكها بالكامل – و بعد ان عدت الى الهند في كانون اول عام 2006 بعد وقت طويل مكثت فيه خارجها حصل انني عدت الى روايتي و بدأت بتقليب صفحاتها ثم انخرطت في إعادة كتابتها كاملا و قد عملت عليها ليل نهار و لمدة شهر كامل ، و مع إطلالة كانون الثاني 2007 استطعت رؤية رواية جديدة جاهزة للنشر بين يدي .
× من أين جاءك الإلهام لخلق شخصية ( بالرام هالواي ) ؟ كيف تسنى لك أن تمسك بزمام هذه الشخصية ؟
• ( بالرام هالواي ) هو خليط من عدة شخصيات سبق لي ان التقيت به عندما كنت أسافر في جميع انحاء الهند . قضيت كثيرا من الأوقات متجولا بين محطات القطارات و مواقع انتظار الحافلات و تحدثت الى الكثير من القابعين في قعر المجتمع من الفقراء و المهمشين الذين شاءت الصدف أن التقيهم . ثمة همهمة و أنين اوجاع متصلة و متواترة يسمعها المرء و تسود أوساط الطبقات تحت المتوسطة في الهند و لم يحصل ان تم التقاطها او تسجيلها من قبل . ( بالرام ) هو صوت المغيبين و المنسيين في قاع المجتمع و هو يقول في الرواية ما ستسمعه بالضبط لو كان بإمكان فوهات مجاري المياه القذرة في منزلك ان تتحدث اليك !!
× روايتك ” النمر الأبيض ” غنية في التفاصيل : الأفعال الفاسدة ابتداء من جهاز الشرطة صعودا حتى اعلى هرم النظام السياسي ، و الطبقات المسحوقة في دلهي في مقابل طبقة رجال الأعمال في بنغالور . أي نوع من البحث أجريت بغية إتمام روايتك ؟
• يظل الكتاب في النهاية رواية مؤسسة على حكاية و ليس في أي من فصوله ما هو واقعي بالكامل و لكنه مؤسس على قاعدة متينة من حقائق الواقع الهندي . اليك مثالا : يموت والد ( بالرام ) في الرواية متأثرا بمضاعفات مرض السل و هو ما اردت ان امرر من خلاله رسالة بشأن حقيقة ان ما يقارب الالف هندي يموت كل يوم بسبب مرض السل و هم من الفقراء حتما . كان والد ( بالرام ) فقيرا يعمل في مهنة شاقة تقوم على سحب عربة الريكشا و يعيش تحت وطأة ظروف غير صحية لذا كان التقاطه لمرض السل شبه مؤكد و هذا هو الامر الذي أردت التأكيد عليه في الرواية . أجهدت نفسي لكي أتأكد تماما أن كل ما حكيته في الرواية يشير الى الواقع الهندي بكل امانة و كل ما حكيته في روايتي عن المستشفيات الحكومية البائسة و أماكن بيع الخمور و كل الأماكن الأخرى هي مما رأيته حقا أثناء تجوالي في الهند .
× تحكي في روايتك عن الطبيعة الثنائية في الثقافة الهندية : النور في مقابل الظلمة و الأغنياء في مقابل الفقراء . هل يمكنك ان تخبرنا لماذا تظن ان الهند قد انقسمت بقسوة بين هذه الفئات ؟
• أنه لأمر في غاية الأهمية لي ان ترى هذه التقسيمات كما يراها ( بالرام ) لا كما اراها انا . شهدت السنوات الخمسون المنصرمة تغييرات جذرية في المجتمع الهندي ، و مع ان الكثير من هذه التغييرات كانت باتجاه الأفضل لكنها أفضت الى الغاء التشكلات و البنى التقليدية الثرية التي كانت تمثل عناصر أمان لحياة الأفراد . ان كثيرا من الهنود الأكثر فقرا تركوا للأسف و هم مرتبكون و مشوشو النظرة و لا يملكون أي تصور عن الهند الحديثة التي تتشكل على مرأى منهم .
× هل الفساد في الهند على هذه الدرجة من السوء الذي وصفته في روايتك ؟ و هل ان طبيعة الطبقات العليا في الهند ستكون عرضة للتغيير أم ستبقى على ما هي عله اليوم مع كل هذه التغييرات الاقتصادية الشاملة التي تحصل في الهند ؟
• ما عليك الا ان تسأل أي هندي فقيرا كان ام غنيا عن الفساد و انظر ما سيقول !! . ان الفساد في الهند بلغ مديات سيئة للغاية و ليس ثمة من إشارة الى انحساره ، أما عن مستقبل التغييرات الاقتصادية في الهند و ما عسى ان تفضي اليه فذاك واحد من أعقد الأسئلة و لا اعرف كيف ستتأثر طبقات المجتمع الهندي بها .
× كيف أثرت خلفيتك – كونك صحفيا مختصا بعالم الأعمال – في تشكيل روايتك التي تحكي من بين ما تحكي عن رجل عصامي ذي قدرة في ميدان تطوير بيئة الأعمال ؟ 
• خلفيتي كصحفي متخصص بعالم الاعمال جعلتني أدرك أن معظم ما يكتب في مجلات الاعمال محض هراء و سخف و لست أعير الادب الخاص بعالم الاعمال أي اهتمام من جانبي . تسود الهند هذه الايام موجة من طوفان كتب تتحدث مثلا عن ” كيف تصبح رجل اعمال ناجحا على الانترنت ” !! ،،،،،،الخ من كتب تتعهد بأن تجعل منك ثريا في بحر أسبوع . ثمة الكثير من المليونيرات في الهند اليوم و كثير منهم هم مطورو أعمال ناجحون للغاية و لكن ينبغي علينا دوما ان نتذكر ان بلدا كالهند – يعيش فيه ما يفوق المليار نسمة أغلبهم يفتقرون الى رعاية صحية و تعليمية لائقة و تنقصهم فرص توظيف محترمة – يكون الارتقاء الى مراتب عليا في بيئة كهذه معقدة و قاتلة للطموح عملا شاقا و يتطلب دوما القيام بذات ما فعله ( بالرام ) في روايتي .
× واحدة من الثيمات الرئيسية في قلب روايتك و في قلب ( بالرام ) أيضا هي : الصراع الناجم عن اخلاص الفرد لقيمه الذاتية و اخلاصه للقيم التي تشده لعائلته . هل ترى ان هذا الصراع ذو سمة هندية محلية أم انه عالمي الطابع ؟
• ربما يكون هذا الصراع أشد وضوحا في الهند لان هيكل العائلة الهندية يقوم على روابط أقوى مما هو سائد في أمريكا مثلا ، و ينظر الى الإخلاص في العائلة الهندية كمعيار ذي سمة أخلاقية حاسمة : فلو سلك فرد هندي سلوكا فظا مع والدته صباح يوم ما فسينظر الى هذا السلوك في الهند كمكافئ أخلاقي لفعل ذات الفرد الناجم عن سرقته المال من مصرف ما . أرى أن إشكالية الصراع هذه بين الفرد و العائلة التي ينشأ فيها موجودة بأشكال متفاوتة أينما ذهبت في هذا العالم.
_______
*روائية ومترجمة من العراق/ المدى

شاهد أيضاً

أكبر سجن على الأرض إيلان بابيه يؤرخ خطة إسرائيل في تحويل الضفة والقطاع لسجن مفتوح

أكبر سجن على الأرض إيلان بابيه يؤرخ خطة إسرائيل في تحويل الضفة والقطاع لسجن مفتوح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *