محمود قنديل: الأدب العربي في حيرة وما كتب عن الثورات يفتقر للعمق

حوار: مصعب محمد علي


يقول الروائي والقاص المصري محمود قنديل، إن الإبداع العربي أصبح في حيرة، لجهة أن المشاهد الضبابية والرؤى الملتبسة لم يجد أحد إجابة عن معظمها، وأشار إلى أن الكتابة عن الثورات العربية لم تتسم بالعمق الفني.

قنديل تنبأ في روايته «وأد الأحلام» بثورة 25 يناير/كانون الثاني فماذا قال عن هذه النبوءة؟ وظل مشغولا بالموت في معظم كتاباته، فهل هناك أحداث في حياته جعلت سيرة الموت حاضرة؟ هذا ما سيكشفه لنا هذا الحوار، مع صاحب روايات «النفق»، «عفوا سيدي المحقق»، «وأد الاحلام» و»أجواء المدينة».

■ المتابع لأعمالك الفنية يلاحظ أنك تحتفي باللغة كثيرا، فأصبحت أعمالك تحمل لغة إيقاعية، وفي الوقت نفسه هناك ملمح فلسفي، إلى ماذا تعزي ذلك؟
□ دعنا نتفق بدايةً على أن اللغة هي أداة الكاتب الوحيدة، التي هي وسيلة تواصل مع المتلقي المحب للفن والعاشق للإبداع، من هنا رأيت – منذ بداياتي الأولى – أن تكون لي لغتي الخاصة ككاتب، لغة ذات جرس وإيقاع، تحمل هموم الواقع، وتشير إلى مواضع الخلل، وتسعى إلى سبر أغوار النفس الإنسانية في ذروة لحظات التأزم. واللغة بطبيعة الحال، هي أهم ما يميز الكاتب، فلكي تكون متفردًا ينبغي أن تكون مختلفًا عمَّن سبقوك، وأعتقد أن لقراءة الشعر دورا كبيرًا في تشكيل لغتي بموسقتها ورهافتها. وتأتي الملامح الفلسفية في رواياتي لتأطير الصورة بأبعادها الميتافيزيقية، فثمَّة أسئلة تطرح نفسها وبقوة عن الحياة والموت، وما بعد الموت، وحقيقة الإنسان بين الجبر والاختيار، وغيرها من القضايا التي قد لا نجد لها إجابات شافية، ومع ذلك نحاول طرحها فنيًا، لعلنا نتلقى إجابة من قارئ أو متذوق، أو عالم أو فيلسوف.
■ لماذا نجد الموت حاضرا في أغلب كتاباتك؟ هل هناك تأثير خارجي؟
□ الموت حقيقة لا شك فيها، ولا يمكن لأحد إنكاره، وهو – في واقع الأمر – مصيبة كما ورد في القرآن، والموت – كما يقول الكتاب المقدس – من عند الرب، لذا فلا يمكن لمخلوق أن يدرأه عن بني البشر مهما أوتي من قوة، ومع ذلك راح الإنسان – منذ القدم – يبحث عن أسباب الخلود، فكان تحنيط الجثث عند الفراعنة إحدى الوسائل، كما كان تجميد الموتى في عصرنا الحديث محاولة – فاشلة – في هذا الاتجاه. الأمر الذي جعلني أتوقف طويلًا أمام عظمة الموت وجلله، خاصة في طور طفولتي الأولى عندما احتضر أخي الصغير أمام عينيَّ، وماتت جارة لنا بعد دقائق معدودة من صياحها لنا – كأطفال – بأن نكف عن اللعب والإزعاج أمام بيتها.
■ أنت مهتم بالتجريب في الكتابة هل لذلك نجد أكثر من خط فني في العمل الفني كأن تجد فانتازيا وواقعية؟
□ في رأيي أن التجريب ينأى بالمبدع عن الوقوع في هوة الكلاسيكي والتقليدي، ولعلني دائم السؤال: ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه الكاتب إذا أصبح امتدادًا لغيره؟ والإجابة معروفة وهي لا جديد، لذا فقد عملت على أن تكون لي بصمتي الخاصة في عالمي القصة والرواية، فمزجت بين الواقعي والفانتازي، والحقيقي والأسطوري، واتخذت من أجواء الحلم وبشاعة الكابوس منسأة أتوكأ عليها في صياغة كتاباتي، كما أنني اعتمدت الصورة الفنية سبيلًا للولوج إلى العجائبي والغرائبي والمسكوت عنه. للتجريب لذة كما قال لي ناقدنا المصري العربي صلاح فضل.
■ بدأت بكتابة القصة ثم اتجهت إلى الرواية هل حشد التعبير، واقتصاد اللغة، وهذا ما يميز كتاباتك، التي تحمل ملمحا شعريا أيضا، نبع ذلك من كتابة القصة بمعني تأثير القصة على الرواية؟

هناك اقتناع تام لدى الكثير من المبدعين الجادين بضرورة إعمال الفكر والطاقة الإبداعية في ما يكتبون، وأنه ينبغي تجاوز الإرث الأدبي بقوالبه الجامدة، والقفز إلى التجديد والتجريب

□ أود أن أقول إنني أعتقد بضرورة التكثيف سواءً في القصة أو الرواية، وأعتبر أن الإسهاب بدون ضرورة فنية يُعَد عيبًا جسيمًا، وهو ما حرصت على إقصائه عن كتاباتي، في الوقت ذاته أرى في الرواية متسعًا بعض الشيء لصياغة ما يراه الكاتب من رؤيً تخدم عالمه الروائي.
■ بعد فوزك بعدة جوائز لماذا ابتعدت عن الجوائز ومسابقاتها؟
□ دائمًا تراني أقول: إذا فاز عمل ما فهذا ليس دليلًا على أنه الأفضل، وإذا لم يفز فهذا ليس دليلًا على أنه الأسوأ، الإبداع في النهاية يخضع لتعددية وجهات النظر، فما تراه أنت جميلًا قد أراه أنا قبيحًا، والجوائز – بشكل عام – تذعن لاعتبارات كثيرة منها السياسي والأيديولوجي والفني، لذلك رأيت من الأفضل عدم الخوض في هذا اللغط
■ «وأد الأحلام» تنبأت بثورة 25 يناير/كانون الثاني ما يعني أن المبدع أحيانا يرى المستقبل؟
□ المبدع الحقيقي غالبًا ما يستشرف آفاق المستقبل، ويتنبأ بالآتي وتتحقق نبوءته، ولا تتصور عندما أقول لك إن المبدع عندما يتنبأ فنيًا قد لا يوقن بأن تلك النبوءة سوف تتحقق، لكن سير الأحداث بتلقائيتها هي التي تستشرف الآتي، وترصد خلجاته، ونبضات قلبه، وملامحه وهو مازال في رحم الأفق لم يولد بعد.
■ هل أثرت الثورات العربية في الكتابة المصرية والعربية سلبا أو إيجابا؟
□ المشاهد الضبابية والرؤي الملتبسة والتساؤلات العريضة، التي لم يجد أحد إجابة شافية عن معظمها، كل ذلك جعل الإبداع في حيرة شديدة، ولعل ما كتب عن هذه الثورات، أو الانتفاضات – كما أسميها – لم يتسم بالعمق المطلوب فنيًا، واعتقادي أننا ننتظر حتى تتكشف الحقائق ونرى انعكاسات ما حدث على الإنسان العربي بوضوح، وقتها سوف يكون التناول أعمق، والرصد أقوى.
■ كيف ترى المشهد الثقافي في مصر الآن؟
□ هناك اقتناع تام لدى الكثير من المبدعين الجادين بضرورة إعمال الفكر والطاقة الإبداعية في ما يكتبون، وأنه ينبغي تجاوز الإرث الأدبي بقوالبه الجامدة، والقفز إلى التجديد والتجريب، بالاستفادة من كافة ألوان الفنون الأخرى، كالفن التشكيلي، والسينما، والمسرح، والموسيقى وغيرها، بجانب استلهام التراث، والاتكاء على الأسطورة، واستدعاء الصورة. فثمَّة محاولات حثيثة تصب في هذا الاتجاه، والهدف منها خلق إبداع جميل لا يشبه إلا نفسه.
والمشهد الثقافي – بشكل عام – مطمئن لديمومة الحراك الأدبي والنقدي والفكري، وطرح التساؤلات التي إن أجبنا عنها وعملنا على تلبية المقاصد المثلى استطعنا تغيير مسار الواقع المعيش إلى الأفضل والأحسن والأرقى.

_________________________________

*المصدر : القدس العربي

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *