القارئ لفكر سيوران إميل سيوران الفيلسوف الروماني الشهير بالعدمية كما يراه الكثيرون لايمكن أن يتقاطع مع نتاجه بشكل طبيعي من غير أن يشوبه شيء من هذا الجنون المستنير، لايمكن حتى أن يعي سيوران سوى قارئ متمرس يعرف تماماً لماذا يكتب هذا الرجل ! ، لم يخطئ سيوران عندما أحب اللون الأسود من كل الألوان الأخرى من كل ألوان الطيف المعتادة المستهلكة التقليدية بالضرورة هو يؤمن بأن العدمية ليست جسراً للهلاك كما يفكر العالم بل لتقديم منجزاً يليق بحياة تكون له وحده أكثر من مجرد حياة حتى وان كان المصير حتمياً ، ليس بالضرورة أن تكون الصورة هي ذاتها بعد كل قراءة لسيوران اتجاه هذا الثوري ، هذا الشعور المتشظّي الذاهب بكله نحو المحرقة المفتعلة بالخيبة ، الفوز بكل شيء إلا السّلام ،يمكن التقاطع مع هذا بحالة واحدة فقط إذا وضع نصب عينيه العنقاء أو الفينيق الطائر الذي يعود من بين رماده للكون بعد كل عملية احتراق كما أخبرتنا الأسطورة ، لم يكن” المياة كلها بلون الغرق ” لسيوران ثقيلاً بكمّه بل بالدهشة التي يمكن تحسسها بين كل كلمة وكلمة إلى درجة أن يصنع الواحد فينا من المياه تميمة يعود لسيوران من خلالها ذاته صاحب الشذرات الفلسفية ، ماذا لو كان هناك باباً آخر للدهشة حتما ستشير البوصلة إلى حيث ” تاريخ ويوتوبيا “الكتاب الرابع لسيوران ترجمة العبقري التونسي أحمد فتحي هذا النتاج الفكري الغير قابل للتعريف كون أن التعريفات لايمكن أن تعطي الأشياء حقها في أوقات كثيرة وكون أن ” تاريخ ويوتوبيا” بشكل خاص جداً يخرج عن نطاق العقلانية السائدة التي يرفضها سيوران في كتاباته ، يصور النتاج علاقتنا مع التاريخ الذي نجهل كما يقول ” عندما كنت شابا لم أكن أقرأ سوى الفلسفة، وبعد ذلك تخليت عن الفلاسفة وشرعت في قراءة الشعراء، وفي سن الأربعين اكتشفت التاريخ الذي كنت أجهل، طرحني أرضا، إنه أكبر درس يمكن تخيله في الصفاقة ” يلتقي سيوران من خلال التاريخ مع الإنسان خارج الحركة الأكاديمية النسقية ، قاصداً من ذلك أن يحيل للمتلقي مساحة يعيش فيها تجربة استثنائية حرة ، هو المثقف الذي خلق لنفسه فردانيته مع التركيز على أن الحركات السياسية والأيدولوجية لايمكن أن تخدم موقفه الأخلاقي اتجاه الكتابة ، سيوران اختار بدهاء الصراع مع ذاته قبل العالم الذي يعيش فيه اختار موقفه طواعية مع وعيه التام أنه ذلك أشبه مايكون بفعل الإنتحار يقول في أحد الشذرات بشجاعة “في اليأس لايعاني أحد من المشاكل الخارجية بل من نيرانه وتمزقاته الداخلية ” هذا التمزق الذي يعتري سيوران لايمكن أن يكون سوى وجعاً حاذق وعميق حد الشعور بالخدَر ، الحال ليس بعيداً عن نتاجه ” لو كان آدم سعيدا ” ترجمة التونسي محمد علي اليوسفي وهو عبارة عن شذرات يقدمها لنا سيوران دون ادراك عما يتصدع بدواخل المتلقي جراء أفكاره ” أن تتألم يعني أن تكون أنت ذاتك تماماً، أن تبلغ حالة عدم تطابق مع العالم” بالتالي يؤكد ندائه المستمر عن عدم تمازجه مع حال البشري من حوله هو وحده الذي لايشبه إلاّه ، واذا ماأردنا أن نحكم بأن الفكرة التي تميز بها سيوران تعد ظاهرة فهذا يحيلنا بأن نجعل منها منهجاً يدرس وبالتالي تقع الشذرات في مواجهة النقد البنيوي وهذا بالذات مالم يطيقه سيوران ” الشذرات هي الشكل الوحيد الملائم لمزاجي،تمثل كبرياء لحظة محولة مع كل التناقضات التي تحتويها ، إن عملاً ذا نفس طويل وخاضعاً لمتطلبات البناء ومزيفاً بهاجس التتابع هو عمل من الإفراط في التماسك بحيث لا يمكن أن يكون حقيقياً” وكأنه بذلك يدخل في فضاء الفينومينولوجيا الذي عمل فيه الفيلسوف الألماني هيغل تحديداً مايمثله الوعي اتجاه تقبل الأشياء ، هذا وللفيلسوف الروماني إيميل سيوران في فضاء الفكر للعربية ” مثالب في الولادة ” ، ” توقيعات ” ، ” غواية الوجود ” ، ” اعترافات ولعنات “.