شرف الدين شكري في حوار حول مالك حداد: كان رائيا بعيدا وكتب من أجل الإنسان بمعناه الكبير

*حاورته/ نوّارة لحـرش

يتحدث الكاتب والمترجم شرف الدين شكري، في هذا الحوار، عن مالك حداد، وعن تخصصه في أدب وأثار مالك حداد، الشعرية والسردية، دراسة وترجمة وبحثا. كما يتطرق في حديثه عن ترجماته التي صدرت في بعض الدول، كمصر وقطر وأمريكا، في حين تأخر صدورها في الجزائر.

شكري، الذي التصقت معظم ترجماته حبَّا وشغفا بأدب حدّاد، يرى أن الاشتغال على كتابات صاحب “سأهبك عزالة”، و”الشقاء في خطر”، يعتبر كمشروع متواصل، وهو يسعى إلى استكماله بترجمة بقية أعمالة الأدبية.

يذكر أن الكاتب، بدأ الاشتغال على مالك حداد منذ سنوات طويلة، كانت بدايتها بدراسة مطولة عنه صدرت سنة 1997، وحملت عنوان “الحياة هي دائما موت أحد ما”. كما ترجم له إلى اللغة العربية: “التلميذ والدرس”، “أنصِت وسأناديك”، “الأصفار تدور حول نفسها”، “الشقاء في خطر”. كما ترجم له مختارات من أشعاره ونصوصه السردية، جاءت تحت عنوان “عام جديد بلون الكرز”، والتي صدرت ضمن سلسلة منشورات “كِتاب الدوحة” في قطر.

تخصصت في أدب مالك حداد، اشتغلت عليه وقمت بترجمة بعض أعماله، ما الذي جعلك تبحث في سيرة وأثر “شهيد اللغة”؟

شرف الدين شكري: لا أحب هذه العبارة الغريبة فعلا، عن مالك حداد (شهيد اللغة !!)، والتي ألصقتها به الكاتبة أحلام مستغانمي، أظن أنها لم تقرأ لمالك حداد أصلا، بل نسبت كلمة أو اثنتين له، لم تأتيا في سياق الحديث، دافع فيهما مالك حداد عن هوية الجزائري، ضمن حِراك تاريخي، حتمي، فرضته عليه الساعة، لذلك لا ينبغي إعطاء الأمر أكثر من حقه، لأن مالك حداد، كان من أشدّ المعجبين باللغة الفرنسية، التي كتب بها أجمل الملاحم، على قلّتها، والتي تُرجِمَت إلى أزيد من أربع عشرة لغة. بالنسبة لمالك حداد، الكتابة باللغة الفرنسية، كانت تعني لديه، الغناء الخالص، وهو لم يكن يكتب، كما ذكر، بل كان يغني، وهو لا يحسن الغناء إلاّ بلغة فولتير العظيم، ولم “يمنح لأحد الحق بمحاكمة أغانيه”.

لقد اغتنم المعربون وأنصار الجزأرة كلمات مالك حداد التي استعملها في ظرف معين للطعن في جماليات اللغة، وفي معنى الفنّ في حدّ ذاته، وفي جوهر الشعرية، كي يحتكروا حقيقة كل تلك المزايا الرفيعة التي تدبّج الكتابة، في الحقيقة اللغوية لا أكثر، وهذا من شأنه أن يعيب على الكتابة الفنية، ولا يزيد فيها، لذلك أرجو من الجميع تصحيح هذه الرؤية الخاطئة عن مالك حداد، وقراءته في اللغة الأصلية والتي كتب بها، وليس في أغلب الترجمات المشوهة التي لصقت به، وخاصة ترجمات سليمان العيسى، التي أوحت لي في أغلبها بأنّ الرجل لم يكن يعرف حتى اللغة الفرنسية التي قال بأنه ترجم عنها إلى اللغة العربية أشعار مالك حداد، وهذا ما شرحته في مقدّمتي لترجمة الأعمال الشعرية الكاملة لمالك. هناك أشياء بحاجة إلى التدقيق أكثر.

وأما عن سبب اختياري للعمل على أعمال مالك حداد (خمسة أعمال تحديدا)، فالأمر بسيط، يمكن الإجابة عنه من خلال قراءة: “الأسفار تدور حول نفسها”، والتي كانت بمثابة رسالة إلى الكُتّاب الجزائريين، يمكن الاعتماد عليها كبروتوكول أخلاقي، تمّ فيه تحديد صفات الفنية الرفيعة، وتخليصها من ربقة “القضية”، وصفات الهوية، وتخليصها من ربقة “المصدر الشوفيني” والعديد من الرسائل الممنهجة لتخليص الكاتب نهائيا، من ربقة: الرسالة ذات الصلاحية المنتهية.

مالك حداد كان رائيا بعيدا، كتب من أجل الإنسان بمعناه الكبير، وليس فقط بباريس أو الجزائر، حتى وإن كانت مواقفه السياسية انتحارية فيما بعد، وهو الأمر الذي كان فيه آسياخم وكاتب ياسين أكثر حكمة منه، ولكنه أنّب نفسه بيده واختار الموت، على خيانة ما كان يراه موقفا له قبل الاستقلال.

كيف اقتربت من عوالم مالك حداد، كيف وجدتها، وما الذي أضافته لرصيدك الأدبي والفني والجمالي؟

شرف الدين شكري: دفعتني امرأة جميلة إلى عوالم مالك حداد، واتفقنا على تمثيل دور خالد بن طوبال، و”وريدة” في”رصيف الأزهار لن يجيب”، وكدت ألقى حتفي بسبب تلك الرواية اللّعينة، كما جرى مع بن طوبال. ولشدّة تأثري بعوالمه، تخرجتُ من الليسانس عام 1998، برسالة عنه، ثم باشرتُ ترجمة أعماله، وتقصّي كل الحقائق المتعلقة بحياته، وجمع حوارات ورسائل له، أكّدت لي بأنّ الرجل كان يعيش ككاتب، لا كهاوٍ، وكان، “يدفع ثمن الكراء باهظا” للبقاء في عالم الكتابة. تأكّدتُ أيضا بأن أغلب من يدّعون الحديث عنه، لم يقرأوه، وأنهم يكذبون في لقاءاتهم وحواراتهم، وكانوا أسماء مشهود لها أدبيا. البعض منهم، سرق حوارات مطولة من أعماله في أعماله الروائية، وصورا عن الشخوص وعن حياة مالك حداد شخصيا، وقدموها، لقراء لا يعرفون، لا مالك حداد، ولا اللغة الفرنسية. وإذا كان ولا بدّ من إلصاق كلمة الشهيد بمالك حداد، فإن مالك لم يكن “شهيد اللغة”، بل كان شهيد السرقات الأدبية، والإدعاء بقراءته ومصاحبته.

بعد سنوات من الاشتغال على أدب مالك، هل يمكن القول أن مشروعك حول أثره وتراثه قد اكتمل، أم أن شغف الاشتغال على أدبه وترجمته سيتواصل ويتجدد؟

شرف الدين شكري: ربما سأواصل ترجمة الأعمال الثلاثة المتبقية للرجل. أنا أعاني من احتكار دور النشر لتراث الرجل، ونقص المهنية وأدبيات التعامل مع الترجمة، فعوض ذهاب دار النشر نحو المترجم، أنا من يقوم بالبحث عن سبل النشر. الأمور غير مشجعة البتة.

عقدان من الزمن مرّا على اشتغالي على مالك حداد، دراسة وترجمة وبحثا. أنا بحاجة إلى التعريف بما أنجزته عنه هنا، أكثر من المزيد من العمل دون فائدة، لأن أعمالي المنشورة بالقاهرة وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، معروفة أكثر مما هي عليه بالجزائر للأسف الشديد.

كيف وجدت الترجمات القليلة السابقة لأدب مالك حداد؟

شرف الدين شكري: متسرعة وغير مركّزة، ولا تملك رؤية عن الفضاء العام الذي كان يكتب به مالك. أنا أدعو مدينة قسنطينة لفتح ورشة عمل عن مالك حداد، ومستعدٌّ لتسييرها. وأنا متأكد بأنني لن أجد أي أذن مهتمة لذلك.

ماذا عن “عام جديد بلون الكرز”، الذي صدر في الدوحة؟ والأعمال التي صدرت في مصر، في أي سياق كانت وكيف استقبلتَ هذا الترحيب العربي بمالك وبترجماتك لأدبه؟

شرف الدين شكري: بل سليني، لماذا لم تصدر الترجمة الكاملة لأعمال مالك حداد في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية؟، ولماذا لم أستدعَ لتكريم مالك حداد؟، واستدعي الغرباء والدخلاء على أدبه، بحجة مرافقته لمدة أربعة أيام في حياة الرجل السياسية التي لم يكن فيها مالك حداد ذاته، هو نفسه. أنا من يعدّ أكبر من اشتغل على مالك بالمطلق. للأسف، المسؤول الثقافي في بلدنا غير مثقّف، فعل المثاقفة عنده، مرافق للبزنسة والوظيفة ليس إلاّ.

وأما بالقاهرة والدوحة، فقد كانت حفاوة قراءته كبيرة بما يشفي غليلي، ويعزّيني في غربتينا، أنا ومالك هنا، (عشرين ألف نسخة بيعت). حتى بالسعودية قرأوه بفضل ترجمتي له بفنية راقية ترجمها بعض الزملاء الكُتاب وكتبوا عنها.

في أمريكا أيضا، وصلتني قراءات جميلة عن ترجمتي له، وقرأوه بلسان عربي جميل كما كان يحلم أن يفعل جيل الاستقلال، الذي سرقه واشتهر على حسابه ونسب له أمورا غريبة للأسف الشديد، وللأسف الأشدّ، أنّ النقد عندنا في واد، والانضمام إلى صف الحقيقة الفنية التي لها رجالها في واد. أشعر أن كل شيء محرّف.

———————–

المصدر جريدة النصر الجزائرية

 

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *