«120 دقة في الدقيقة» : الحياة والحب كمشروع لمواجهة الأحزان
مايو 24, 2017
*نسرين علام
لو لم نشاهد في مهرجان كان الحالي سوى فيلم «120 دقة في الدقيقة» للفرنسي روبان كامبيو لاكتفينا ولروينا ظمأنا السينمائي وارتوينا. ليس الأمر بثناء أو
امتداح أو تجرد عن الحياد، ولكنها حالة شعورية وصفاء روحي ومحبة قوية تجمعنا بعمل سينمائي يمس شغاف قلوبنا ونشعر صدقه فيبقى في القلب والعقل ولا يبرحهما.
نطالع أسماء المخرجين الذين تشارك أعمالهم في المهرجان، ونبني توقعاتنا عليها، ثم يباغتنا فيلم من حيث لا نحتسب، فيغير كل التوقعات والحسابات وينفذ إلى أرواحنا وقلوبنا مباشرة. هذا هو الحال مع «120 دقة في الدقيقة»، الذي جاءنا كبهجة سينمائية صغيرة، فتربع على توقعات النقاد للفيلم الذي قد يتوج بالسعفة
الذهبية في ختام المهرجان. فيلم بقلب كبير، قلب يتسع لخضم من الشجاعة والحزن والغضب والألم والحب والإحساس، هذا ما يقدمه كامبيو في فيلمه «120 دقة في الدقيقة». إنه فيلم إنساني نسج بتعاطف كبير ليقدم صورة نابضة بالحياة لجماعة «آكت أب» التي نشطت في التسعينيات في فرنسا، للمطالبة بتوفير الدواء لمرضى الإيدز، ولنشر الوعي الصحي عن المرض، ولدعم المصابين به، ولدعم حقوق المثليين.
صاغ كامبيو فيلمه ليكون مرثية لمن راحوا ضحية المرض في ريعان شبابهم،
واحتفاء بشجاعة وتحدي الجماعة وقدرتها على المواجهة.
يقدم الفيلم صورة متحدية شجاعة مفعمة بالحياة لأعضاء الجماعة، الذين يعيشون وسيف المرض مسلط فوق رقابهم، ومع الإدراك أن أعراض المرض قد تشتد بين ليلة وضحاها. رغم مرضهم العضال، نجدهم يضجون بالحياة والنشاط والنضال، يخططون للجولة المقبلة في صراعهم مع شركات الأدوية. نرى في اجتماعات «آكت أب» كما يصورها الفيلم نقاشات محتدمة، وصداقات قوية، الكثير من الضحك من المرض ورغمه، والكثير من الحياة والعمل المكثفين. الفيلم مليء بالحياة والألوان والصخب والرقص والموسيقى، وبالحب والجنس. تدور الأحداث في فترة كان ينظر فيها لمرضى الإيدز على أنهم من جلبوا المرض لأنفسهم لإغراقهم في الملذات الحسية والجنس، ولكن الفيلم لا يخشى تصوير الحسية والجنس المثلي، ويرى الجنس تعبيرا عن حب عميق وسبيلا لتحدي المرض والمأساة. إنه فيلم يخاطب فيه كامبيو إنسانيتنا جميعا ويمس قلوبنا وعقولنا.
يركز الفيلم على الاجتماعات الأسبوعية لـ»آكت أب» في باريس لمناقشة الخطوات المقبلة في حربهم ضد شركات الأدوية، وخطتهم للعمل. نجد في اجتماعات الجماعة صورة واقعية حيوية للجدل والنقاش والخلاف في الرأي، نرى تعارض وجهات النظر أو اتفاقها، كما هو الحال في أي جماعة للناشطين. الموت جزء يومي من حياة «آكت أب»، حيث يحصد المرض حياة أعضائها يوما وراء يوم، ولكن الجماعة تثابر وتواصل العمل.
ولا يقع الفيلم في زلة تبسيط صورة الجماعة أو منحها صورة براقة زائفة. تضم الجماعة في عضويتها المصابين بالإيدز وحاملي الفيروس، الذين لم تظهر عليهم أعراض المرض من كافة الميول الجنسية، كما تضم أقارب المرضى وآباءهم ممن أثر المرض على حياتهم. تبدو الصورة الخارجية للجماعة كجبهة موحدة متكاتفة في انشطتها ووجهة نظرها، ولكنها كأي جماعة أخرى لها خلافاتها الداخلية وصراعاتها الصغيرة. يحتدم الخلاف أحيانا بين أعضاء الجماعة حول خطة العمل، فبعضهم أكثر ميلا لاتخاذ إجراءات صادمة، مثل اقتحام مقار شركات الأدوية، واقتحام المدارس، والصدام العنيف، والبعض الآخر يفضل حملات التوعية والموسيقى وكتابة الشعارات واللافتات. نرى عقل الجماعة ونشاطها السياسي متمثلا في مواجهة تباطؤ الدولة والشركات الطبية، ومحاولاتها لتغيير تصور المجتمع لمريض الإيدز في الاجتماعات العامة للجماعة.
أما قلب الجماعة النابض فنراه في شخص شون (ناهويل بيريز بيسكيار). شون شاب وسيم نحيل في منتصف العشرين، يمتلئ بالحياة والحيوية والنشاط، ويتقد ذكاء، ويشارك بكل ما يمتلك من قوة وتركيز وإبداع في أنشطة «آكت أب». ذات يوم تختتم الجماعة تظاهرة من تظاهراتها ويستقل أفرادها المترو في طريق العودة، ونجد شون، الباسم عادة وقد اكتست قسماته بالحزن، يتحدث عن الموت والحياة القصيرة والألم، وفي هذه اللحظة تبدو باريس كما لو كانت اكتست بالحزن لحزنه.
ولكنه سرعان ما يستجمع قواه ويرسم على وجهه البسمة مجددا، رغم الألم والمرض، فالحياة قصيرة وهو يريد أن يحيا بكل ويعمل ويعشق بكل ما أوتي من قوة. يعلم شون أنه في المراحل النهائية للمرض، ولكن هذا لا يمنعه من اغتراف الحياة اغترافا ولا يمنعه من العشق والحب. يجمع الحب بين شون وناتان.
______