تقديم ديوان هل تمطر السماء نسيانا؟

خاص- ثقافات

* رشيد أمديون

 

صدر حديثا عن المطبعة العالمية للنشر بالدار البيضاء ديوان الشاعرة أمل بوخريصا، بعنوان “هل تمطر السماء نسيانا؟” ويقع في 83 صفحة من الحجم المتوسط، بغلاف أنيق من تصميم المبدع رشيد أمديون وتتوسطه لوحة فنية للفنان التشكيلي عبد الحق الغيلاق.

تطرح الشاعرة سؤالا وجوديا اتخذ موقعَ عنوانٍ وَاسِم، يتوسط غلاف ديوانها الأول، صاغته بلغة أدبية شعرية لا تخلو من خيال مرسل يفتح بابه لتصورات شتى، للتأويلات وللفهم المتعدد، لا حجر على العقول ولا وصاية.. لعلها بهذا تريد أن تشركنا في عوالمها المتخيلة، وليس هذا فقط بل أن توصل إحساسها المنجذب نحو البوح، أو لعلها -وهذا افتراض- تريد أن تتوسل بالنسيان، كحالة خاصة تنتشل الإنسان من ضغوط الحياة، ومن تراكمات الماضي في عمقه فتتخيل لنا نحن الذين نقف موقف المتلقي أن النسيان رحمة قبل أن يكون آفة بالمفهوم المتعارف عليه، لهذا قد يصبح كالمطر نحتاجه لنحيا كما كل الكائنات، النسيان نحتاجه لتمتد بنا الحياة ولا تتوقف في نقطة امتلاء أو انفجار.

الامتلاء من ماذا؟ نعم هذا هو السؤال..
الامتلاء من الإحباط، من القهر، من جراح وكدمات التجارب التي نصاب بها، من اخفاقات التاريخ وانكساراته.. إن النسيان علاج، تفريغ، “فرمطة” بالمعنى الإلكتروني للكلمة. نعم، لهذا حُقَّ للشاعرة أن تتساءل.. إنها تتساءل فقط، فلماذا لا نشاركها السؤال؟.

يُعتبر العنوان هنا، وبالنسبة لنا واحدا من عتبات القراءة التي تنضاف إلى العتبات الأخرى، كاللوحة الفنية، وشكل ولون الغلاف، ونوع الخط الذي كُتب به اسم صاحبة الديوان، وخط العنوان وغيره.. ثم العبارات المقتبسة، كعبارة أحمد شوقي، ومحمود درويش، وأحلام مستنغامي، ثم الاستهلال الذي خصصته صاحبة الكتاب تتحدث فيه عن الشعر… وصولا إلى الاهداء الذي جاء تعبيرا عن اصرار على فعل الكتابة وتحدٍ صارخ في وجه اليأس والمحبطات…

تطرح الشاعرة عنوانها المتسائل وهي تدرك جيدا أن الجواب عنه لا يُتعبر أحد المطالب التي تطالب بها القارئ، فالجواب عنه غير ملزم، لكنها في المقابل تلفت انتباهه إلى أحقية الاهتمام بقراءة المضمون، الذي هو نصوص بلغ عددها 29 نصا يتشكل فيها المعنى تشكلا بلاغيا، يمرر حينا خطابا نقديا يتناول واقعنا العربي والإنساني (والإنساني هنا بمعنى العلاقات العاطفية والحسية)، وحينا تتوسل الشاعرة بلغتها لتكسبها شفافية ومرونة تقبل التشكيل والتعبير ولكي تنظر من خلالها إلى الداخل أو بتعبير شيخ القصة المغربية أستاذنا أحمد بوزفور، “النظر إلى بحيرة القلب”، أو كما عنون به مجموعته القصصية السابقة “نافذة على الداخل”، على اعتبار أن الرؤية وخاصة رؤية الشاعر قد تكون إلى الداخل، أي إلى داخل الذات والخاطر حيث تنعكس صور الأكوان والأشياء، وبتأثيرها على بحيرة القلب التي إن ارتمى بها شيء أو سقط فيها أحدثت تموجات، هذا ما نجد أمال بوخريصا تحاول أن تعبر عنه حين نظرت إلى بحيرة قلبها، فرأت الأثر الذي أحدثه جبن العرب وصمتهم بقسوة أمام ما تعانيه فلسطين.. جرح فلسطين الذي جعل النخوة العربية انتهت صلاحيتها منذ قرن (نص: صمت) . وتأثرت بأحداث سوريا، والتي أشارت إليها بـ”بلاد الخصيب”، وتأثرت بالشهداء وضحايا الظلم الذين نشدوا الحرية (نص: اغتيال)، ورأت وضع المرأة العربية فاستجابت حروفها لتنتصر لبنات جنسها مستلهمة قصة شهرزاد مع شهريار.. ثم أرْجعتِ البصر مرتين، وعادت لتنبئنا أن الحب قيمة إنسانية أخلاقية، وما أحب من خان، ولا أحب من لعب بمشاعر من أهداه قلبه..

“هل تمطر السماء نسيانا؟” ديوان يحمل عنوان القصيدة الرابعة في الترتيب الذي اعتمدته أمال في اخراج هذا العمل الأدبي الذي هو باكورة أعمالها، تنطلق من خلاله كي تعلن لكل من يلج عوالمها أن الشعر انصات وتذوق وإحساس.

فاقرؤا إن شئتم، واستعينوا بالخيال لإطعام المعنى وملئ الفراغات، فما سُكت عنه أكثر مما قيل، وما قيل لا يتصل دون ملئ الفراغات.

شاعر وناقد

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *