مقتطفات من ديوان: صرخات 1953 للشّاعرة الفرانكفونية: جويس منصور «1928-1986»

تقديم: أحمد ضياء / ترجمة: فاطمة بوصوفة

ليس من باب تسليط الضوء بل من نافذة الولوج ضمن غياهب الكاتبة السوريالية الفرانكفونية جويس منصور وعبر تضاريس الكتابة الإروتيكية التي دشنتها ضمن أبرز طيات الخطاب المعلن نجوب أروقة النصوص في محاولة للكشف عمّا هو مخبوء في النص وهذه الشاعرة تعد جويس واحدة من ألمع كتاب جيلها إذ استطاعت أن تخوض التجربة السريالية ضمن مديات مختلفة وما انمازت به من تكورات خارج الذات بعدها مفتتحاً شرقياً فلم تأبه لما هو مطروح على النضيدة الشعرية المتواجدة آبان تلك الفترة فهي أخذت من مفهوم التعددية الفلسفي ورحلته إلى بطينات خطابها بالتالي حملت القالب الإروتيكي على محمل النص والحياة بشكل متوازي مما أتاح بعداً جمالياً على النص لا تتكلف في إظهاره وهنا الكثير من المكونات المسكوت عنها في حياة جويس فهنا وهناك يشر إليه على أنها سحاقية متحررة من كافة تقاسيم الجندر ذابه إلى ما بعد الجندر أو الكوير وهي مثل جموع لا تقف على إختلاف جنسي واحد بل إنها تذهب إلى ما هو أكثر من ذلك أي مجموعة من الاختلافات في اللحظة الآنية التي تعيشها في تسعى لتكون هي في كل لحظة بعيداً عن التجنيسات المقترحة في فضاء البلازما الكتابية ولعل هذا الخروج من عباءة السوريالية وفر لها فعلاً أكثر مرونة وحراكا في ظل الحركات الجديدة والتداعي الرجراج للنصوص المتواجدة تسعى جاهدة من خلالها إلى بروز أثر كتابي مختلف ولعل حصة الغريب التي حصلت عليها في نقل وابتداع التجربة هي من مكنها في سبر غور المفاتيح الخطابي والحذو في ظل التباشير المفاهيمة الأخرى المنتجة لحتمية الكتابة الشعرية من خلال الجسد والفعل والنص.
وفي كثير من المواقف نجد أن جويس تقف على ناصية الكتابة تتحاور وتولول خطاباتها لتخرج بمشروع خاص بها وفي أكثر المواقف الكتابية تتبنى مقولة سيمون ديبوفوار «لا تولد المرأة امرأة، وإنّما تصير كذلك» لتتجاوز بذلك عتبة الأنوثة المقيتة والمقيدة للحريات التي تسعى الشاعرة الحصول عليها إضافة إلى أنها أبرز الشاعرات التي جعلت من لغتها الفرانكفونية ذات حضور بارز في خاصرة الثقافة وما ترجم من نصوص هذه الشاعرة إنما يمثل مقتطفات أو مختارات من مجموعتها صرخات، بالتالي نترك متعة القراءة الإيروتيكية للقارئ حتى لا نفسد طعم الخطاب الشعري الإبستمولوجي العام.
دَعني أُحبُّكْ
أحبّ طعمَ دَمِكَ الخَاثِرْ
أحْتَفِظُ بِه مُطوّلا داخِلَ فَمِي الْأُدْرَدْ
حرارتُه تُلْهِبُ حَلْقي.
أحبُّ عَرقَك
أحبُّ مداعبة إبطيك المتدفّقتين فرحًا
دَعْنِي أُحِبُّكْ
دَعْنِي أُجَفِّفُ عَيْنَيْك الْمُغْمَضَتَيْن
دعني أفْقَأَهُمَا بلساني الْمُذَبَّبْ
وأمْلأُ تَجَوُّفَهُما بِرُضابي الْمُظَفِّرْ
دعني أعْمِيكْ
*
دَعُوا عُيُونَكُمْ تَطْفُو فَوْقَ الْمَوْجِ
دَعُوا الرِّيحَ تَمْلَأُ أَجْسَادَكُمْ بِهَذِهِ الصَّرَخَاتْ
اِمْنَحُوا بُطُونَكُمْ الْمُزَغَّبَة لِمُدَاعَبَاتِ الشَّمْسِ
اِسْتَفِيدُوا مِنْ أَصْوَاتِكُمْ،
مِنْ حَيَوَاتِكُمْ،
مِنْ نِسَائِكُمْ
لَكِنْ لاَ تَنْظُرُوا لِعَيْنَيَّ النَّائِمَتَيْنِ
خِشْيَةَ أَنْ تَتَّحِدَّ نَظْرَتِي بِأَفْكَارِكُمْ.
*
أَتُرِيدُ بَطْنِي لِتَتَغَذَّى
أَتُرِيدُ شَعْرِي لِتَشْبَعْ
أَتُرِيدُ كِلْيَتَيَّ،
نهديَّ،
رَأْسِي الْحَلِيقَةْ ،
أَتُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ بِبُطْءٍ
أَنْ أَهْمِسَ بِكَلِمَاتِ طِفْلٍ وَأَنَا أَحْتَضِرْ.
*
أَهْتَزُّ من تحت يَدَيْكَ الْفَرِحَتَيْنِ
أَشْرَبُ الدَّمَ النَّازِلَ مِنْ فَمِكَ الطِّفْلِ
اللِّحَافُ الْأَسْوَدُ يَزْحَفُ تَحْتَ أَقْدَامِنَا الْمُتَّحِدَة
وبينما تعلك أذني المنفصلة
أُغَنِّي اِسْمَكَ وَشَفَتَايَ مُنْفَرِجَتَيْنِ.
*
فَتَحْتُ رَأْسَكَ لِأَقْرَأَ أَفْكَارَكْ
اِلْتَهَمْتُ عَيْنَيْكَ لِأَتَذَوَّقَ نَظَرَكْ
شَرِبْتُ دَمَكَ لِأَعْرِفَ رَغْبَتَكْ
وَمِنْ جَسَدِكَ الْمُرْتَجِفْ, صَنَعْتُ غِذَائِي.
*
مَكَائِدُ يَدَيْكَ الْعَمْيَاءْ فَوْقَ نَهْدَيَّ الْمُرْتَعِشَيْنِ
الْحَرَكَاتِ الْبَطِيئَةِ لِلِسَانِكَ الْمَشْلُولِ دَاخِلَ أُذُنَيَّ الْمُثِيرَتَيْنِ لِلشَّفَقَة
كُلُّ جَمَالِي الْغَارِقِ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ دُونِ بُؤْبُأيهِمَا
الموت داخل بطنك الموت الذي ينهش دماغي
كُلُّ هَذَا يَصْنَعُ مِنِّي آنِسَة غَرِيبَة…..
*
إِمْرَأَةَ تَجْلِسُ أَمَامَ طَاوِلَةٍ مَكْسُورَة
الْمَوْتُ دَاخِلَ الْبَطْنِ
لاَ شَيْءَ دَاخِلَ الْخِزَانَة.
تَعِبَةٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
مِنْ ذِكْرَيَاِتهَا حَتَّى
تنتظر والنّافذة مفتوحة النُّورَ بِآلاف الوجوه
إِنَّهُ الْجُنُونْ .
*
حُمَّى قَضِيبِكَ سَرَطَانُ بَحْرٍ
حُمَّى الْقِطَطِ تَتَغَذَّى عَلَى حَلَمَاتِكَ الْخَضْرَاءْ
أُرِيدُ أَنْ أَظْهَرَ عَارِيَةً لِعُيُونِكَ الْمُغَنَّاةْ
أُرِيدُ أَنْ تَرَانِي أَصْرُخُ مِنَ اللَّذَّةِ
أَنْ تَدْفَعَكَ أَعْضَائِي الَمَطْوِيةِ تَحْت وَزْنٍ ثَقِيلٍ جِدَّا لأَفْعَالٍ مُحَرَّمَة.
أَنْ يَعْلَقَ الشَّعْرُ النَّاعِمُ لِرَأْسِي الْمُهْدَاةِ بِأَظَافِرِكَ الْمُنْحَنِيَةِ مِنْ الرُّعْبِ
أنْ تَسْتَقِيمَ وَاِقفًا أَعْمَى وَمُؤْمِنَا وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ أَعْلَى لِجَسَدِي الْمَنْتُوفِ
نَعَمْ لِي حُقُوقٌ عَلَيْكَ
رَأَيْتُكَ تَذْبَحُ الدِّيكَ
رَأَيْتُكَ تَغْسِلُ شَعْرَكَ فِي مَاءِ الْمَجَارِي الآسِنِة
رَأَيْتُكَ ثَمِلاً بِرَائِحَةِ الْمَسَالِخِ العَطِنَة
الْفَمُ مُعَبَّئَةٌ بِاللَّحْمِ
الْعُيُونُ مَلْأَى بِاْلأَحْلاَمِ
تَمْشِي تَحْتَ أَنْظَارِ أُنَاسٍ مُنْهَكِين.
*
عُيُوبُ الرِّجَالِ هِيَ مَجَالِي
جُرُوحُهُمْ مُرَطَّبَاتِي الطَّيِّبَة
أُحِبُّ مَضْغَ أَفْكَارِهِمْ الْخَبِيثَة
لأِنَّ بَشَاعَتَهُمْ تَصْنَعُ جَمَالِي.
*
شِفَاهٌ حَامِضَةٌ وَشَهْوَانِيَّة
شِفَاهٌ بِانْطِفَاءَةِ الشَّمْعِ
شَحَمَاتٌ كَبْرِيتِيَّة عَابِسَاتٌ نَدِيَّاتٌ
قَارِضَاتٌ مُنَغَمَّاتٌ جُرُوحٌ وَسَائِدٌ ضَحِكَاتٌ
أَشْطِفُ بَشْرَتِي دَاخِلَ هَذِهِ الآبَارِ الْمُبَطَّنَة
أَمْنَحُ فَتَحَاتِي لِلْعَضْعَضَاتِ وَالْهَمْهَمَاتِ
يُكْتَشَفُ الْمَوْتُ حين يَسْقُطُ الفكّان
مؤقّت هو الموت معطّب
فَقَطْ الْقُبْلَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَمْنَعَنِي أَنْ أَحْيَا
فَقَطْ أَيْرُكَ يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ رَحِيلِي
بَعِيداً عَنِ الْفَتْحَاتِ الْمُغْلَقَة وَالسَّحَّابَات
بَعِيداً عَنِ اِرْتِعَاشَاتِ الْبُوَيْضَة
يَتَكَلَّمُ الْمَوْتُ لُغَةً أُخْرَى مُغَايِرَة .
*
اِنْسَنِي
عَلَّ أحشائي تتنفّس الْهواء النّقيّ لِغِيَابِكْ
عَلَّ ساقاي تَتَمَكَّنَانِ منَ السَّيْرِ دُونَ الْبَحْثِ عَنْ ظِلِّكْ
عَلَّ نَظَرِي يُصْبِحُ رُؤْيَة
علّ حياتي تستعيد نفسا
اِنْسَنِي يَا إِلهِي عَلِّي أَتَذَكَّرْ.
_______

*جريدة عُمان

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *