“حوارات العرين”… شاعرة المهجـر الرقيقة ماجدة البارودي

خاص- ثقافات

 

*حاورها : ميمون حرش

     ماجدة البارودي أديبة ناظورية ،مقيمة بدولة ألمانيا، من عائلة ريفية محافظة، ولدت في مدينة دوزلدوف/Düsseldorf، وعاشت طفولتها في الناظور حيث تربت وسط أسرتها الكبيرة حتى نالت شهادة البكالوريا من الثانوية الفطواكي التأهيلية لتعود إلى غربتها في  مدينة روسلسايم/ Rüsselsheim الألمانية حيث تقطن حالياً..

  تابعت دراستها في إدارة الأعمال لكن شغفها باللغة العربية جعلها مدرّسة لها لأطفال المسلمين المقيمين بألمانيا..

 ماجدة فاعلة جمعوية نشيطة، شاركت في مجموعة من الأنشطة الثقافية هناك، مثل المهرجان الفكري السنوي في مدينة فيسبادن / Wiesbaden بألمانيا حيث سجلت حضورها بمحاضرة “من الوجع أصنع بصمة النجاح” ،و من ألم هذا الوجع أبدعت ونجحت في صنع شاعرة عربية انطلقت من شعر مدرسي وسنها لا يتجاوز اثنتيْ عشْرةَ سنة عندما صفقت لكلماتها معلمتُها، كما  يصفق لها الآن المهتمون بالأدب والثقافة عربياً..

  كتبتْ عنها جرائدُ ومجلاتٌ عربية ،ونشرت لها قصائدَ قوية وحواراتٍ صريحة، إضافة الى مقالات نقدية وقراءات لقصائدها تطرق إليها أدباء ونقاد كثيرون نوهوا بإبداعها المتميز.

   من إصداراتها الشعرية “محطات الحنين” و”سطور الغيم”، وأعمال أخرى مشتركة وتسجيلات صوتية لقصائدها على قناتها اليوتوب ورواية سترى النور قريباً، وصدر لها مؤخراً ديوانٌ شعري  جديد بعنوان ” سأبقى لأكتبك” عن مطبوعات سلمى الثقافية بتطوان.

ــــــــــــــــــــــــــ

 وقبل الحوار لا بد من هذه الملاحظة :

[ في “سلسلة حوارات العرين” ماجدة البارودي هي الوحيدة التي كان لي شرف محاورتها ، وجهاً لوجه، وعلى الهواء مباشرة بحضور كوكبة مهمة من  المهتمين الذين حجوا لهذا اللقاء الأدبي  بكثافة لافتة ، منهم المثقفون ، والباحثون ، والأدباء، والفنانون،والطلبة ، ورجال الأعمال بالناظور وخارجه..

ولـِ”رابطة الكتاب الشباب بالريف”/ الناظور  الشكر الجزيل ، فهي التي  هيأت هذه الفرصة الثمينة، ورتبت هذا اللقاء الجميل  بتاريخ 17 شتنبر 2016 بدار الأم.
وأنا ، اليوم، بالاتفاق مع شاعرتنا ننقل لكم هذا الحوار مكتوباً وبما يليق بمن نفخر بهم من حملة أقلامنا في مدينتي المنسية.]

ــــــــــــــــــــــــــ

                 أهلا بك في “العرين” أستاذة ماجدة..

لنبدأ هذه الجلسة الأدبية بهذا السؤال  عن اسمك:

س- لـِ “لَقب ” البارودي” تاريخٌ عريق، فماجدة البارودي كانت مرشحة لأن تنتمي فنياً لأهل البارودي المشهورين : الشاعر محمود سامي البارودي، الممثلة المتألقة ” سميرة البارودي” ، والشاعر السوري ” وجيه البارودي”..هؤلاء نعرفهم، ومن لا نعرف كثيرون لا محالة..ما قصة لقب “البارودي” ، وهل تسعدك هذه ” القرابة” الفنية بهؤلاء المشاهير؟

ج- لا أنكر أنّ لاسم البارودي أثراً في تقريبي من القراء خاصة وأن لاسم البارودي وقعاً أدبياً في المشرق ،لكنني أفتخر به أكثر لأنه رمز هويتي وانتماء عائلتي المغربي الريفي فقبيلتنا كان يطلق عليها بلد البارود ومنها أخذ اللقب.

 س- لماذا الشعر تحديداً؟

 ج- لا أعرف لماذا إلا أنني وجدته عالماً مختلفاً راقياً يحمل المشاعر الإنسانية على شكل رسائل هادفة..

. س- أصدرتِ لحد الآن ” محطات الحنين” عن دار الوعد بالقاهرة، و” سطور الغيم” عن دار الروسم بلبنان..وحسب رحلتي المتواضعة مع مضامين الكتابيْن أستطيع أن أجزم أن النصوص جلها غنائية ، فيها تركزين على جَلد الذات، واستحضار الطفولة، والهجرة ، والغربة، والحب.. هل هذا التوجه مقصود؟ أم القصائد سقطت دون قصد في هذا المنحى؟

ج- من الطبيعي أن يؤثر المحيط أو الجو العام في الشاعر أو الكاتب، وكوني مغتربة تتأثر أوراقي بجو هذه الغربة ،خاصة وأنني لا أتقن كتابة الخيال أو خلق جو غير واقعي لأكتب عنه.

 س- كتب عنك الناقد عبد اللطيف جبارة يقول :  ” قصائد حية، عذراء، عفوية، صادقة، وعارية من أي تجميل لغوي”..أهنئك أولاً بهذه الشهادة، لأنك تستحقين ، ودعيني أسألك : هل هناك قصائد حية” وأخرى “ميتة” .. ما الفرق رجاءً..؟

ج- القصائد الحية هي التي يخلقها شاعر قوي من واقع معيش، وفي الغالب تصل هذه القصائد بعفوية إلى قلب القارئ، أما القصائد الميتة فهي التي ربما تكتب بآليات جيدة لكن جوهرها ضائع فلا تصل في أغلب الأحيان.

 س-  طيب فما يكون الشعر غير التنقيب كما الحفريات عن “الجمال” في روحه ولغته..؟ ما رأيك؟

ج- الجمال الحقيقي هو الذي ينبع من موهبة حقيقية بحيث يتسرب إلى الآخر دون مبالغة … الاهتمام بالبناء وجماليته مهم شرط عدم نسيان جوهر النص..

س-  وماذا عن الصدق الفني ، متى يكون الشاعر صادقاً؟

 ج- حين يعبر عن مجتمعه ومحيطه وواقعه فيكون قلمه رسالة نبيلة وليس مجرد سطر للخيال .

س- كتب ناقد يقول عنك: ” ماجدة البارودي تغرف عباراتِها من يَم مليء بذكريات الطفولة، والهجرة، ومن حب عامر في القلب..”، هذه الملاحظة سليمة تماماً بحيث تُبين عوالمَ الكتابة لديك والموزعة بين الطفولة، والهجرة، والغربة، والحب..وهي عوالمُ متداخلة ، الأولى تستدعي الثانية، والثالثة تلح في طلب الرابعة..حدثينا عن تجربة الهجرة لألمانيا، ووقعها على النفس ، وكيف ترجمتها شعرياً؟

ج- تجربة الهجرة لها شقان إيجابي وسلبي، لكن المعروف عن الأدباء حساسيتهم المفرطة واهتمامهم بتفاصيل الأشياء.. المشاعر التي تشدني إلى وطني الذكريات والحنين كانت الدافع الأكبر للكتابة..

س- نزار قباني شاعر المرأة ، هذا صحيح، وكتب عن الحب، والعشق، ولكنه طرح قضايا عصره، كتب عن أطفال الحجارة، والثورة، … ولقد قيل للشاعر بابلو نيرودا ” لماذا لا تكتب عن الحب، قال لهم ” انظروا إلى الدماء في شوارعكم..” ما نصيب شعرك من قضايا الساعة..وما يسمى بالربيع العربي .. هل طُرح مثلا في شعرك.. ومال نصيب ” الريف” في إبداعك عموماً؟

ج- لا يعتبر الأدب بأنواعه ذا معنى إن لم يثُر ويكون المترجم الأول للواقع حوله. كتبت كثيراً عن قضايا الساعة، والريف أصلي ومنبتي ولست شيئاً إن لم أتوجه تاجاً على قلمي.

 س- ” حصدت ألقاباً عدة وهذا شرف لنا قبلك، فأنت ابنة الريف، وشاعرته ..أنت نائبة تحرير لشؤون ألمانيا وأروبا لمجلة ” عاشقة الصحراء”..أحب أن أسألك كيف تخدمين قضيتنا الأولى ” الصحراء المغربية” في ألمانيا؟.. وهل تناولتِ في شعرك هذا الأمر؟

ج- أنا متشبثة بمغربيتي وفخورة بذلك ..أنا وجميع المغاربة في العالم نشير إلى أن المغرب بكله واحد ولا يتجزأ.

 س- كتب الناقد مفيد نفزو عنك قائلا : ” شاعرة بفلسفة خاصة”.. أحب أن أعرف ، ومعي قراء “العرين” ، ماهي تجليات هذه الفلسفة البارودية في شعرك؟..

ج- ربما يقصد فلسفة السهل الممتنع ..

س- تكتبين ” قصيدة النثر”.. لماذا هذا الاختيار ..؟

ج- عالم النثر يتيح للكاتب نوعاً من الحرية وبساطة التنقل من سطر لآخر.

 س- الجملة الاسمية حاضرة في شعرك لكنها محتشمة أمام الجملة الفعلية..واحتفالك بالجمل الفعلية لافت..الجمل الفعلية تعينك على ماذا بالضبط؟

ج- اللغة الشعرية بجميع أدواتها تتطور وتتحول من زمن لآخر فليس من البديهي أن يخاطب الشاعر جيل اليوم بلغة المتنبي والأعشى . وربما البدء بفعل أسهل لبناء نسق شعري في القصيدة.

 س- والضمائر مختلفة ، لكن تُتوجين ضميريْن على عرش نصوصك هما ضميرا المتكلم/ أنا، والمخاطب /أنت، وإذا كنا لا نلتفت لضمير المتكلم لأنه يعود عليك غالباً ، فإن ” أنت” يستوقفنا لنسأل من يكون؟ أنت لا تعلنين عن هويته أبداً؟ ..لماذا هذا التكتم في مخاطبة الآخر، لماذا لا تعلنين عنه صراحة؟ .. تقولين مثلاً:

“سافرتُ منك إلى إليّ وحقائبي محملة بهذياني..

قد تركتُ لك أعلام انتصاراتك الوهمية دفاتر جحودك، وأقنعة جميلاتك المزيفة”

ج- لا أعتبره تكتماً لأن ضمير المخاطب اختصار تام للعالم بأسره فيدور الحوار في الغالب بيني أنا وهذا العالم أنت..

س- لنقف عند عنوانيْ إصدرايْك : ” محطات الحنين” و ” سطور الغيم” أجد الصيغة فيهما واحدة، “مضاف ومضاف إليه”، العنوان ورد جملة اسمية، المضاف في العنوانيْن كلمة وردت “جمعَ كثرة” والمضاف إليه “مفرد معرفة”.. أغامر وأقول بأنك عاشقة لـ ِالخُلاصات، و لا تهتمين بالجزئيات إلا في صلتها بالكل بدليل العنوانيْن..

 ج- أحياناً توصل الخلاصاتُ معاني ضخمة وشاسعة للقارئ، عناوين الدواوين الثلاثة تعبر عن نواحي كثيرة في حياتي أو عن محطات عبرت منها وكان لها أثر… فـ “محطات الحنين” مثلا كانت جدارَ الصمت الذي تهدم بعد سنوات من الكتابة لنفسي، والأسماء الثلاثة تعكس جو الحنين إلى الوطن ومدى تأثير الغربة بشكل عام… غير أن الديوان الثالث مختلف نوعاً ما، فالعنوان “سأبقى لأكتبك” مبهم لأنني لم أحدد الحركة الإعرابية الأخيرة، وعلى القارئ فعل ذلك.

س- طيب، للحنين محطات، تهمنا المحطة الأخيرة.. كيف هي؟ و”سطور الغيم” أنا أتخيل هذه السطورَ كلماتٍ .. أيضاَ تهمني الكلمة الأخيرة .. ما يكون السطر الأخير من الغيم هنا؟

 ج- لا أحب النهايات ولا الكلمات الأخيرة تبقى محطات الحياة مستمرة بكل ما فيها من حزن وفرح . . ويدور الغيم مطرا لتخلق النهاية بداية..

س- شرفت ” العرين” شاعرة الناظور الرقيقة ماجدة ، كلمة أخيرة لو سمحت..

  ج- بل الشرف لي أنا التي لم تحلم يوماً أن تكون في صف واحد مع عمالقة الأدب الذين حاورتهم أستاذي… ولم أحلم بدخول عرين أحد ملوك القلم في مدينتي… أتمنى أن أكون دائماً عند حسن ظن أساتذتي، وبلدي ،ومدينتي ،وأتمنى أن أبقى تلميذة نجيبة تنهل وتتعلم من خطى من سبقها.. شكراً من القلب أستاذ حرش على الحوار الذي أيقظ في داخلي أشياء وحفَّزَ رغبتي في التحسن… كما أشكر “رابطة الكتاب الشباب بالريف/ الناظور  على منحي فرصة دخول العرين مباشرة..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *