حـَدائق جْنـَان السّْبيل بفاس تحتضن فعاليات”مُلتقى المَغرب الشـِّعري الأوَّل”

خاص- ثقافات

*متابعة: ادريس الواغيش

ولأن الشعر لا يحب الأقفاص والأبواب المغلقة أو الخلاخيل والأساور في الأيدي والأرجل، حتى لو كانت من ذهب تتزين بها حسناوات المدينة، كان لابد أن نبحث في جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية بفاس عن فضاء يليق بالقصيدة والشعر والشعراء، فلم نجد أجمل من حدائق ”جنان السبيل” الغناء بما تحمله من رمزية حضارية وإرث تاريخي، حيث اجتمعت فيها كل ما يلزم بهاء القصيدة من هدوء وسكينة تساعد على حسن الإصغاء، جنبا إلى جنب مع طيور غناء وبحيرات تعج بالماء والحياة وأشجار فريدة من نوعها كقصب الخيزران وأشجار السكاس والكاميروس ونباتات وأشجار أخرى جيء بها من أقاصي السند والهند، ونافورات تذكرنا بليالي العشق في الأندلس” الفردوس المفقود”.
في هذه الأجواء المشحونة بالشاعرية احتضنت فاس العاصمة العلمية والروحية للملكة المغربية “ملتقى المغرب الشعري الأول” يوم السبت 29 أبريل 2017م، وهو ملتقى من تنظيم جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية بفاس، ودعم من المديرية الجهوية لوزارة الثقافة والاتصال جهة فاس- مكناس ومقاطعة فاس المدينة ومقاطعة أكدال.
افتتحت أشغال الملتقى بكلمة محافظ المكتبة الوسائطية بفاس الأستاذ إدريس الطلبي نيابة عن المديرية الجهوية لوزارة الثقافة والاتصال، رحب فيها بالحضور والمشاركين مؤكدا في نفس الوقت على أن المديرية ما فتئت تشجع الأنشطة الثقافية المتنوعة بهذه المدينة ولا تدَّخر جُهدا في دَعم كل التظاهرات الثقافية، فيما عبر رئيس مقاطعة فاس المدينة الأستاذ السعيد سرغيني في كلمته عن سعادته بإعادة الاعتبار لحدائق ”جنان السبيل” من خلال تنظيم هذا الملتقى الشعري فيه، مؤكدا على أن المقاطعة لا تدخر جُهدا في دَعم  مثل هذه الأنشطة الثقافية مـُتمنيا في نفس الوقت النجاح لهذه الأمسية الشعرية، أعقبته كلمة السيد رئيس الجمعية المنظمة الدكتور الشاعر عبد الحق بتكمنتي رحب فيها بالشعراء والشاعرات المشاركين سواء من مدينة فاس أو الذين جاؤوا من مدن أخرى مثل: مكناس- جرسيف- تاونات- الناظور وتطوان، وقد لبوا الدعوة عن طواعية مـُتجشمين عـَناء السَّفر رغم بعد المسافة بالنسبة لبعض الشعراء، كما شكر الجمهور الحاضر مـُبرزا الاعتبارات الجمالية المتحكمة في اختيار هذا الفضاء التاريخي الحاضن لفعاليات الملتقى، بما يشكله من إضافة نوعية للمكان وأيضا للمشهد الثقافي المغربي بشكل عام.
الصحفية سلمى المغراوي نشطت فقرات الأمسية الشعرية التي شارك فيها مجموعة من الشعراء والشاعرات، تقدمهم الشاعر المغربي جمال ازراغيد القادم من مدينة الناظور، بعد ذلك تناوب على المنصة مجموعة من الشعراء والشاعرات:
عبد الرحيم أبو الصفاء، إبراهيم قهوايجي، زكية المرموق، عبد الحق بتكمنتي، شادية الإبراهيمي، أحمد العيناني، عبد المنعم رزقي، البتول العلوي، عبد الرحمان حمومي، أحمد الشقوبي، عبد الرحيم طلحي، نجية حلمي، عباس شردال، إدريس الواغيش، محمد بوبكري، إبراهيم ديب و علال الجعدوني.
وكلهم حلقوا بالجمهور الحاضر في عوالم تسكنها إيقاعات وصور قدت من خيال وحلم شاسع أنار أرجاء الحديقة الفسيحة، صاحبتها تقاسيم موسيقية تناغمت مع الأشعار بكل مائز طرزها كل من الفنانين فردوس والجزولي على نغمات العود وآهات الناي، كما أضفت الشاعرة والفنانة خديجة زواق التي قدمت إلينا من مكناس على الأمسية الشعرية مسحة من جمال خاص، جمعت فيها بشكل متناغم بين الشعر والغناء تجاوب معها الجمهور بشكل كبير.
بعد توزيع شواهد التقدير والمشاركة على جميع الشعراء والفنانين الذين ساهموا في إنجاح هذا الملتقى الشعري، زار الجمهور الحاضر مع الشعراء المشاركين معرض “ديوان المغرب الشعري الأول” الذي ضم دواوين شعرية لشعراء يكتبون بالعربية والفرنسية  ويمثلون كل الأصوات والحساسيات الشعرية من خمسينيات القرن الماضي وإلى حدود الإصدارات الحديثة.
بعد ذلك أقيم حفل شاي على شرف المدعوين والمشاركين، قبل أن يتم الإعلان بشكل رسمي عن اختتام فعاليات” ملتقى المغرب الشعري الأول” الذي عرف نجاحا منقطع النظير وعلى جميع المستويات باعتراف الجميع، وقد حقق كثير من الأهداف التي كانت مسطرة من قبل أعضاء جمعية المكتبة الوسائطية، أذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
أ- اختيار المكان الأمثل لملتقى شعري من هذا الحجم
ب- إعادة الاعتبار لفضاء تاريخي يعتبر موروثا حضاريا في الذاكرة الجمعية المغربية، ففيه تعلمنا الغزل وفيه ارتبكنا ”الخطيئة” الأولى في الحب، ومنه انطلقت أشعار كثيرة شدَت بها أصوات الملحون المغربي الأصيل، الطرب الأندلسي و الأغنية المغربية العصرية، وكلنا يتذكر الأغنية الخالدة: ”يا الغادي فالطوموبيل” من كلمات حمادي التونسي، ألحان محمد بن عبد السلام وغناء الموسيقارعبدالوهاب الدكالي وغيرها من الأغاني الشهيرة التي تغنت بـ”جنان السبيل”.
ج- إشراك شعراء وشاعرات”قادمون” فازوا بالمراتب الأولى في مسابقة ”تجارب شعرية” في نسختها الثانية التي نظمتها جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية، وإعطاؤهم فرصة القراءة لأول مرة أمام الجمهور الغفير الذي حضر الأمسية الشعرية الناجحة، فنالت أشعارهم استحسان الجمهور الحاضر وقبل ذلك الشعراء وبعض كبار النقاد المغاربة الحاضرين، أذكر هنا الدكتور الناقد عبد المالك أشهبون، وهو أهم رهان ربحته الجمعية بشكل خاص.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *