خاص- ثقافات
حاوره : ميمون حرش
محمد يويو شاب أنيق،من مواليد مدينة الناظور المغربية/ 1987، آمن بقوة الكلمة، وأثرها في النفس ،وفي التغيير ؛ يحب الشعر، ويعشق الشعراء ، ينظم مثلهم شعراً،ويلقيه بطريقة فيلمية جميلة؛ فوق الخشبة يتلبسه ” شيطانه”،يقترب من الميكروفون حتى لتظن أنه سيلتهمه، لكنه كالنسمة يصير وهو يقرأ ..
حاصل على شهادة الإجازة في الأدب العربي،ونال جوائز عدة أشرفت عليها جهات مختصة داخل المغرب وخارجه، منها جائزة الديوان الأول ، والمرتبة الأولى لدار التكوين للنشر والترجمة بسوريا في دورتها الثانية عام 2016 عن ديوانه الجميل “الأسود الذي لا ترينه”، ومن جوائزه الجميلة أيضاً هي حين فاجأنا الناقد والقاص الخضر الورياشي، والذي وقف وهتف أما جمهور غفير كان يتابع محمد يويو وهو يقرأ شعره ،ثم صرخ وقال : “أشهد أنك شاعر فيلسوف”.
ونشهد مع الشاهدين أنه شاعــر ..نعم إنه الشاعـر محمد يويو..
مرحباً بك في “العرين”سي محمد ..
س- من هو محمد يويو ؟
ج- نسق من الصور التي يتحدد اتساقها، في سيرورة التضارب الحتمي بين ثنائيات: الضوء والعتمة٬ الحياة والموت٬ الاخضرار و اليباس٬ في رفض مستمر للركود والوثوقية، وبحث سرمدي عن فكرة الشعر.
س- أنت شاعر شاب، ونجمك في تصاعد مستمر ..كيف أصبحت شاعــراً، وبهذا الوهج؟
ج- أحببت الشعر مذ كنت أنصب الفخاخ للعصافير٬ أعواداً صمغية بين العاقول، عساني أظفر بواحد، قد يتوسلها متّكأ. وقتها كانت هوايتي تستيف الألفاظ الموزونة المقفاة على ورقة، ليست أقلّ بياضاً من أوراقي الحالية، وتضمينها آخر السطر الشعري، لأبني عليها ما اعتقدت أنه شعر.
تجربتي الشعرية تبقى في مرحلة جنينية؛ باعتبارها محاولات ترنو إلى اِلتماس الجمالي، والاِنفلات من الخيال، واغتراف الهذيان، واِستجداء اللحظة الخاطفة، بعيداً عن أي محدّدات مسبقة. في بعد إنساني متساوق مع الوجود، تلافياً للقيود التي قد تمارسها الخلفيات الأيديولوجية أو المذهبية.
س- نلتَ شهادة الإجازة في الأدب العربي في موضوع ” شعر الهايكو” بإشراف الدكتور البهي فريد أمعضشو..
-
ما قصة هذا النوع من الشعر؟، وما هي الخلاصات التي توصلتَ إليها في شأن شعر “الهايكو” في بحثك ؟
ج- في الحقيقة، بِدْءُ “قصة” الهايكو معي،كان بتتبعي لنتاجات شاعرنا الغزير سامح درويش،إلى جانب إبداعات شعراء عرب آخرين في هذا اللون، فبعد القراءة تلو القراءة، سواء من جهة الإبداع أو النقد أو الترجمة، تمخضت فكرة اتخاذه موضوعاً لبحثي؛ استشرت الشاعر سامح درويش فاعتبره سبقاً، كما جالست الدكتور فريد أمعضشو؛ المشرف على بحثي٬ فأمدّني بعديد الاقتراحات، للشكل الذي سيكون عليه العمل، ليستقرّ الحال على خطة تتبيّن الخطوط العريضة لهذا الشكل الشعري، المنتقل إلى الثقافة العربية، إثْر الاحتكاك الثقافي، والتلاقي المعرفي بالأدب الياباني.
وبتعريف كلاسيكي: تتحدد قصيدة الهايكو في بيت واحد، مؤلّف من سبعة عشر مقطعاً صوتياً، تتوزع على ثلاثة أسطر (5-7-5)، مع الإشارة إلى فصل أو سيماء من منظر طبيعي، بعبارة أو كلمة تسمى »كيغو«، ومع تعذر نقل أو الاحتفاظ بعدد المقاطع، نظراً لخصوصيات كلّ لغة. دون أن نغفل التغييرات الجذرية التي دخلت عليها،شكلا ومضموناً،من قبل من حملوا على عاتقهم هاجس التجديد.
وعموما؛ فشعر الهايكو الياباني؛ يظل لوناً أدبياً صاعداً باطراد في المشهد الثقافي العربي المعاصر، غير أنه لم يتمكّن بعدُ من الخروج من موقع الانكفاء إلى موقع تفاعلية أنضج وأكثر تجذراً، ممّا يؤشّر على ميلاد رؤى جديدة، وتحولات قد تطاله، فهو ما يزال مادة دسمة للمبدعين والدارسين على حدّ سواء.
س- في بحر هذه السنة 2016 شاركتَ بوجدة في الموكب الأدبي في نسخته الثالثة ،والذي احتفى بشعر الهايكو،صف لنا هذه التجربة؟ ومن هم الشعراء الذين تعرفتهم في وجدة،وهل جمعكم لقاءٌ وحوار حول هموم مشتركة..؟
ج- الحق؛ أنّ الموكب الأدبي لهذا العام٬ كما أسلفتَ الذكر، أخذ منحى آخر، بانخراطه في المسعى التوثيقي لشعر الهايكو العربي، وتعميق الرؤى في موضوعه؛ إن كان نقداً أو إبداعاً،ومد جسور التلاقح والتفاعل، إذ الشرط الثقافي، من هذا المنظور، يعني بالضرورة الانفتاح على البيئات المختلفة، والتّعرض لها، ومساءلتها واستكناه الحساسيات الفنية والجمالية المتعددة، والبحث في الروابط التعالقية المشتركة بين الآداب العالمية.
هي تجربة نوعية في المشهد العربي، تحسب للموكب الأدبي الذي صهر ثلة من مبدعي ونقاد ومترجمي الهايكو، من شتى أقطار العالم٬ في بوتقة السحر والجمال.
وقد كان لي حظ تقاسم بعض لحظات الموكب مع العديد منهم: أذكر، لا على سبيل الحصر: الشاعر سامح درويش ،والكاتب والشاعر عبد القادر الجموسي، والشاعرة التونسية هدى حاجي، والشاعر الجزائري معاشو قرور، والناقد الجميل مراد الخطيبي، والمترجمة القديرة رجاء مرجاني، بالإضافة إلى المحتفى بتجربته في ندوة الهايكو؛ الشاعر الياباني المعاصر بانيا ناتسو يشي، إلى جانب رفيقة دربه الشاعرة سايومي كاماكورا؛ التي أهدتني تذكاراً جميلا حملته معها. واللحظة التي ستبقى راسخة في ذهني؛ جلوسي بين يدي الشاعر العراقي الكبير عبد الكريم كاصد ومشاركتي إياه وجبة الغداء، حيث تجاذبنا أطراف الحوار حول الهايكو وبعض ملامحه ومتغيراته، وحال الشعر في الوسط العربي، كما حدّثني عن الصورة الراهنة للشعر الإنجليزي لكونه مقيماً بلندن منذ أزيد من20 سنة. وبعدها أهداني؛ بالمناسبة، النسخة الوحيدة من ديوانه “الحقائب” الـذي صاحبه في سفره، كما ذكر.
س- في مسابقات شعرية عديدة نلتَ جوائز أدبية مهمة، آخرها جائزة الديوان الأول ، والمرتبة الأولى لدار التكوين للنشر والترجمة بسوريا في دورتها الثانية عام 2016 عن ديوانك الذي أسميته “الأسود الذي لا ترينه” ..وللعلم لقد بلغ عدد المجوعات الشعرية المشاركة 117،موزعة على النحو التالي :سوريا: 37، العراق: 22، مصر: 11، المغرب: 14،الجزائر: 13، تونس: 7: فلسطين: 7، ولبنان: 6 مجموعات… ونيلك للرتبة الأولى ضمن هذه الكوكبة الشعرية المهمة شرف لك ووسام لمدينتك الناظور..
حدثنا عن هذا الاستحقاق..؟
ج- “جائزة الديوان الأول الشعرية” من دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر بدمشق للشعراء الذين يكتبون بالعربية، جائزة تقوم برصد النبض المبدع، واكتشاف الأسماء الجديدة في الخريطة الشعرية. أول ما وردني خبر مائها، لم أتردد كثيراً في المشاركة، فأخذت أسعى في تهذيب ما قد يحتمل تهذيبا من قصائدي وتثقيفها، ورياضة أخرى، والنظر فيما أقصده وما لا أقصده. لأرسل ديواني الذي أسميته “الأسود الذي لا ترينه” عبر إيميل الجائزة. وهكذا بعد مضي أشهر، أتاني الشاعر ومدير دار التكوين سامي أحمد ببشارة نيلي للجائزة مناصفة مع الشاعرة السورية رامة عرفات.
س- دعني أنقل للقراء الكرام تقرير اللجنة حول مسوغات منحك للجائزة ثم أسألك بعد ذلك :
“ما يميز هذا الشاعـر اعتناؤه بالقصيدة، فهي تتحرك بترسَّل، وتنمو على مهل، بين تلك البدايات الغامضة، حتى النهايات القابلة للتأويل المتعدد، وبذلك تتفادى قصيدتُهُ اللهاثَ والتداعي، في اختزال داخلي وأناقة مبسطة في البناء، وتتناغم فيها الفكرة مع الصورة بانسياب أليفٍ، وإذا تبدو عبارته مسترخية، وصُورُهُ ملتقطة بتأنٍ، فإنها متوترة من الداخل بذلك “الأسى الشفيف”بفعل صورة غير مبهجة عن العالم، يعتكف إزاءها صوت الشاعـر نحو الداخل ويستغرق في التأمل، واستلال حيرة الأعماق، ليقدم لنا تجربة أليفة لقصيدة المونولوج، لكنه ليس المونولوج أحادي النبرة تماماً، حيث الفرد والآخرون بلا صخب ظاهر يتسللون في ذلك الظلام الداخلي. وحيث البحث في “الأسود” الذي يبدو فضاء الرؤيا الخاصة غير المتاحة للجميع. وهكذا تلتبس، أو بالأحرى تنقلب، الأنا بالأنت في تشيؤ للذات بمواجهة مأزق الخارج…”
س- أنت تستحق هذا الكلام الرائع في حقك سي محمد،هنيئاً.. التقرير يصف شعرك : اعتناء- أناقة- تجربة أليفة لقصيدة المونولوج – استغراق في التأمل …هل تراهن فعلاً ، في قصيدتك، على هذه الأشياء؟
ج- القصائد كما المصائر هي مكتوبة علينا. قد نختار منها ونعدّل، فيما نعتقد أننا نملكه. غير أنها تتملّكنا.
س- تعتني كثيراً بقصيدة المونولوج ، وهذا المونولوج ليس أحادي النبرة حيث يندغم فيه الفرد والآخرون معاً ..فما دور المونولوج في شعرك،وما يضيف لقصائدك ..؟
ج- في داخلي أصوات تتغورّ في بؤرة مركزية الحضور،حضور يؤنَس عبر لاوعي الشاعر، هو حضور موجب للوحدة، ومثقل بتجليات إنسانية منهكة، وبعلائق وجودية مرئية ولا مرئية، يهمش المركزية ويعطي الكلمة للهوامش، هو العالم بعد إحالته فضاءً جوانيّا..كما يقول ريلكه، يحابي المعقول دون أن يكون ممكن الإثبات، يقود إلى الهذيان دون أن يبلغ تخومه، يحاول أن يُسمِع دون أن ينتهي السامع إلى نهاية مؤكدة، حينذاك يبقى الحضور نبوءة، تبقى القصيدة نبوءة، حيّة النبض في إيقاع لا نهائي، جرساً معلّقاً في عنق جثة حديثة التحلل.
س- هل صحيح أنك تزهد بالقضايا ” الكبرى” في شعرك كما ورد في تقرير اللجنة ؟
ج- في الشعر قد نضطر أحياناً، إلى الاستغناء عن القضايا الجاهزة مع الاحتفاظ بعلة كينونتها، في وجودها، إذا كنا ننشد الخروج، من ضيق المحلية إلى كونية أرحب، نستغني عن الحب، ونُبقي على علّة وجوده، نستغني عن الوطن، ونبقي على علة وجوده، وكذا مع الحرية والهوية وغيرها. ونُبقي على الموت لأنّه علّة وجود. فهذه هموم مشتركة قد نغيّبها لكنها لا تسقط ولا تتقادم، حضورها يتبدّى في تباين طرائق تشكيلها، وفي حقيقتها الصلبة والقائمة، إذ ذاك بمقدورنا أن نقول؛ هي حاضرة دائماً بنسب متفاوتة، نستعيض عنها بأثرها، بكشف رؤيوي، ولازمة.
س- تنحاز في شعرك لقضية الإنسان الوجودية في حيرته ومتاهته. هلا مثلتَ لنا ببعض شعرك مما يؤكد هذا الطرح ؟
ج- النفاذ إلى دخيلاء العالم والأشياء، وتعرية جوهرها، يكشف التوتر الرافض لكل تصنيف أو تجزيء، ويعكس الكيان المهيمن الذي يؤالف بين عناصره، التي تنبثق منه وتنغرس فيه. هو الكيان الإنساني وامتداده الكياني، أي وهاجس المصير. القلق الذي يصاحبه حيث تختل توازناته، لتنتفض الروح المبدعة وتؤسّس مسارها، فيبقى الأثر الأدبي بعيدا عن أية انفعالية آنية، أو حماسة زائلة، شأن شعلة تنطفئ بهمسة في أذن الريح.
[أولئك الذين…
يغسلون أيديهم..
قبل الموت بالشمع المذاب
يهملون نظافة أسنانهم
ولا يتنازلون عن فكرة
الخبطات النحاسية بعد منتصف الليل
أحدهم سيتمكّن
من ملاحقة سرّ الحدبة على الباب
سيتأخّر بخطوتين
تاركًا أزرارا ملوّنة على الطريق الرّخامية]
س- في أشعارك كثير من ” التأمل”.. لماذا هذا المنحى الفلسفي؟
ج- ثمة شيء لابد من إيضاحه. ففي مرحلة صباي، كنت شخصية انطوائية بشكل مرهق، كتوماً، أفضل أن أبقى بمفردي معظم الوقت، في علاقاتي؛ أكتفي بصديق أو صديقين،أكثر من النظر في التفاصيل، خجولا، يلزمني وقت قبل الاستجابة لأي عامل خارجي أو مثير، أتضايق عندما أكون محط أنظار الناس، لا أجد الراحة إلاّ بانعزالي في غرفتي. ولا أنكر أنّ بعضاً من هذه السّمات ما تزال فيّ، ولا يعني ذلك كما يظن كثير من الناس، بأنها شيء سلبي. سلبي؛ نعم، إن كانت عائقاً في التطور، وتحصيل وتحسين مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية.
وعليه، فالبيئة المعيشة أذكت ذلك الحس التأملي حسبما أعتقد. وكذا فتوارد الأفكار وتوالدها في العملية الكتابية، نابع من مخازن الذاكرة، من خلال تعاقب القراءات وتواليها، وتسخير القديم جنب الحديث، استناداً إلى الخبرة القرائية المتراكمة، بمعنى أنّ “نوعية القراءة” تندرج ضمن محددات المسار الكتابي للمبدع. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، ليس للشعر سوى أن يكون ميتافيزيقياً.
س- كثير من الشعراء الشباب في مثل سنك ينساقون ،بطبيعة عمرهم، نحو موضوعات الحب والغرام ،و الحديث عن فتاة الأحلام ..أنت مختلف تماماً ،تغرق في التأمل،والبصيرة الداخلية ، وتتحدث عن الموت ،وقلق الإنسان في صراعه مع الحياة،وفي حيرته ومتاهته،و في فنائه ومصيره .. وهذه موضوعات كبرى تتخطى عمرك “ربما”فهل هذا اختيار مقصود أم تميز أم ماذا بالضبط ؟
ج- على الأقل الموت لن يخذلنا. والموت كانشغال هو انعتاق للقصيدة، وتخليص لها من كهف أفلاطون.
س- ” الأسود الذي ترينه” هو عنوان ديوانك الفائـز في جائزة التكوين الأول بسوريا ..كيف اهتديتَ إلى هذا العنوان؟ وهل له علاقة برواية أحلام مستغانمي :”الأسود يليق بك “؟
ج- غالباً ما تقترن عنونة الدواوين لدى الشعراء بشيئين:أن يكون هذا العنوان لقصيدة داخل الديوان، أو دالاّ،مشيراً إلى فحواه. ف “الأسود الذي لا ترينه” يحمل تحته قصيدة، وحادثة أليمة وقعت لأختي، جعلتني أشدّ كثيراً إليه، وأردّده وأردّد أسطر القصيدة، لأتخذه بعدها عنوانا للديوان. ولا ارتباط له برواية أحلام مستغانمي.
س- تتناول قضية الموت في بعض قصائدك الجميلة ،تقول :
[لماذا لا نأخذ حقائبنا
ونحن ذاهبون إلى القبور ؟
ألا يعدّ الموت سفرًا ؟
بتحريف طفيف في نص خاتمة الموضوع
لنثق في النجار ونلق له بعض الدنانير
الخشبية
ونلق خطابا يليق بمسافر
كي يحسن غلق الباب وراءنا
لا بأس بسرقة بعض النار من القنديل
وبعض من الأزهار البريّة
وبعض الماء من كوز جارتنا النحيفة
فلا أمان..
لن نحتاج لمناديل ورقية أبدا
ولا لعصفور بوكوفسكي
فلا يزال أسيرا رغم كلّ ما جرى
ويجري
.. وبعدها..
لنقبّل حربة الآشوري المتجهم
فنحن لن نخاف الموت حتمًا
فلسنا في القرن السابع قبل الميلاد]
أعتبر هذه القصيدة الجميلة دعوة للتصالح مع عالم آخر مليء بالأسرار،وإني أراك- حتى وأنت تتحدث عن موضوع شائك وحزين مثل الموت- تتحرر وجدانياً، وتزرع الأمل في نفوس لا المسافر/ الميت فحسب كما ورد في قصيدتك، بل في منْ يبقى وراءه ،وما يخلفه من ذكريات وحياة،وأصدقاء… هل توافقني شاعري في هذا الطرح؟
ج- قراءتك جميلة، أمّا عن تيمة الموت في الشعر فليست حديثة، وقد تناولتها نازك الملائكة قضية من قضايا الشعر المعاصر عن شعر عدد من المبدعين، وذكرت بأن الحياة العميقة الكاملة، لا تصل قمتها من الإدراك والوعي، حتى تندغم بالموت، وتفهمه فهماً جمالياً خالصاً. وسبق أن ألمحنا إلى ما تمثلّه تيمة الموت للقصيدة.
س – أحيتْ مدينة الناظور مهرجانَها الدولي للشعر في بحر هذه السنة2016،وشاعر متمكن وأثير بحجمك،وفوق ذلك ابن هذه المدينة ،لماذا لم تُستدعَ إلى هذا العرس الشعري ..هل هذا إقصاء مقصود، أم عدم اعتراف، أم تقصير من أهلك من الناظور؟.. أم هو تكريس للمثل الذي يقول بأن فنان الحي لا يطرب؟
ج- كانت لي مشاركة قيصرية في ذات المهرجان العام الماضي، وحقيقة؛ رابطة المبدعين المغاربة بالريف تقوم بعمل يحمد لها، ولا ينكره لبيب، في التعريف بمدينتنا العزيزة وإضفاء الطابع الدولي عليها.
س- شاركت ببركان،بحر هذه السنة 2016، في ملتقى أدب الشباب، وكنت لافتاً كعادتك..ماذا في زوادتك من أخبار جديدة عن هذه التجربة؟.
ج- ملتقى أبركان لأدب الشباب، محطة غنية يحلم بإضافتها كل شاب لمسيرته الأدبية،
عطاءاتهم شهدت لهم بالتميز، أحبّونا وأحببناهم.
س- لأدائك في قراءة الشعر سحر خاص، هل تعي فعلاً حضورك البهي حين تقرأ شعرك،هل تتقصد هذا الأداء أم يأتي عفوياً؟
ج- أؤمن دائماً أنّ التذوق الفني ملازم لإنشاد الشعر، والاقتدار والتمكن من الإلقاء يكسب الشاعر هيبة، وهو يأتي سليقة يقتضي مع ذلك الدربة والمران؛ فمن طقوس إلقاء الشعر لدي، أني قبل أيّة مشاركة أدبية، أعيد مراراً إلقاء قصائدي أمام المرآة وأراقب حركاتي. غير أنّ الأمر يختلف إذا جدّ الجدّ؛ أدخل في حالة سكر ولا وعي، لا أخرج منها إلاّ مع تنبيه الحضور.
س- لمن تقول دع الشعر جانباً، فهو ” الأسود الزاهي الذي لا تراه” وابحث عن شيء آخر ؟
ج- يحضرني قول الشاعر الهندي ألطاف حسين حالي؛ يقول: “لا يسلك طريق الشعر إلا الرجل الذي أودعت في فطرته هذه الملكة وإلا ذهبت جميع محاولاته وجهوده سدى”.ولا يجب أن نقطع الطريق على أحد، فالزمن كفيل بأن يحفظ للشاعر الحقّ حقّه.
س- أحيت جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون بالناظور الملتقى الأول للقراءة والأدب في 25 يناير 2016، تحت شعار ” اقرأ”..ولقد شرفتَ المركب الثقافي بحضورك، وقرأت شعرك الجميل ،واحتدت الأكفُ لك بالتصفيق كما العادة.. ما تقييمك لهذا الملتقى الذي حضره شعراء كثيرون من مدنٍ مغربية مختلفة؟
ج- ما قلته عن رابطة المبدعين المغاربة بالريف، أقوله عن جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون؛ فهما تقومان بعمل كبير رغم الإمكانيات المحدودة والموارد الضئيلة، في سبيل النهوض بالواقع الثقافي، والمساهمة في تحقيق فاعلية أكبر للذات المبدعة. وفعلا؛ سعدت بحضوري ومشاركتي في ملتقى “اقرأ” الذي كان ناجحاً من حيث الثقل الأدبي، غير أنّني ألوم قليلا على “جسور” تقصيرها في الجانب الدعائي لهذا النشاط الجميل.
س- كيف تجد الحركة الشعرية بمدينة الناظور، ومن هم شعراء مدينتك الذين يصيبون هوىً في نفسك؟
ج- سأردد ما قاله شاعرنا الكبير الحسين القمري حينما سئل عن الساحة الأدبية بالناضور فقال: “نامت” وأَتبَعَها بضحكة. ولا أنكر الحراك “المناسباتي” إن شئنا تسميته، الذي يتسم بعدم الانتظام واللا ديمومة. أمّا عن الشق الثاني من السؤال؛ فقد قرأت للشاعر الحسين القمري، عمله “هديل الروح” عن منشورات اتحاد كتاب المغرب، ولا أجد ما أقول، بعدما قال عنه البياتي حينما أتى يُسمعه بعض أبياته: “أعدها عليّ كي أدوّنها”. ومؤخراً فقط؛ قمت بزيارة له، لكن كما أُخبرت؛ نظراً لحالته الصحية، قلّما تجده هناك.
س- ؟ ماذا في الأفق؟وماهي مشاريعك الأدبية في المستقبل؟
ج- كل الخير، إن شاء الله.
س- رأيك في : قصيدة النثر- القصة القصيرة جداً..
ج- قصيدة النثر؛ أحبها. والقصة القصيرة جدّاً في الناضور تحديداً؛ تطول هامتها.
س- شكراً لك ،وكلمة أخيرة سي محمد ..
ج- أشكرك أستاذي الغالي ميمون حرش، على الاستضافة الكريمة في “حوارات العرين”، ورجائي أنّي كنت ضيفاً خفيف الظل.