*ترجمة: أمجاد السهلي
بینما یحتفل العالم بالذكرى المائتين والخمسين لميلاد الموسيقي، لم يسبق لعلامة موزارت التجارية أن تكون بهذه القوة، مما أدى إلى انزعاج البعض. ما الذي جعل من موزارت رمزًا بالغ الأهمية للناس؟ بالطبع كان الموسیقار النمساوي رائدًا للمؤمنين بالثقافة كقوة مُوحدة، وقد أثبتت قوة عمله كمُعالج ومُساعد لأولئك الذین یستخدمون الموسيقى للمعالجة والمداواة الطبية، وسیبقى دائمًا الموسیقار الأكثر سحراً بكل المقاييس المختارة، سواء فيما يتعلق بالعاطفة أو الفِطنة أو الترفيه أو الموسيقى. ولكونه الإلهام الأول لكل موسيقي كلاسيكي، ولكل شَغوف بالموسيقى؛ صار موزارت الأكثر رواجًا من بین الموسیقیین الكلاسیكیین في شركات التسجیل، والناشرین، ومنتجي الافلام، والصُنَّاع لمئات من المنتجات التي تحمل علامة موزارت التجارية.
لكن هذه الجوانب المتعددة لاستعمال عمل وحياة موزارت، قد أدت إلى تصاعد اتّجاه آخر، هو الرفض. كان البعض غير راضٍ بهذا، بالرغم من حبهم لموسيقى موزارت، فقد استشاط ماركس هنتراوسر، عازف البيانو والمخرج الموسيقي لمهرجان سالزبورغ، قائلا بأن كل هذه “اليوبيلات التافهة هي مصادر للتيستيرون لأجل السياحة وسجل الصّناعات”.
أقيم أول مارثون موسيقي عالمي لموزارت خلال عام 1956، في الذكرى المائتين لميلاده. وتبعه مهرجان الذكرى المئتين لوفاته في عام 1991. مع ھذا، فقد كان الاحتفالان باهتين أمام احتفالات ھذا العام. تستثمر فيينا قرابة 30 مليون يورو (36 مليون دولار) في مهرجانات موزارت بالعاصمة النمساوية. وسينظم مهرجان سالزبورغ للمرة الاولى كل أوبرات موزارت التي يبلغ عددها 22 خلال الصیف. كل عاصمة مهتمة بالموسيقى والتجارة من باريس، لندن، نيويورك، طوكيو، شنغهاي تحتفل بميلاد فولفغانغ أماديوس موزارت.
يوم ميلاد موزارت، وهو السابع والعشرون من يناير، يعد من الأيام البارزة في السنة. فقد أقامت جمعية فيينا الموسيقية حفلين موسيقيين في سالزبورغ، مسقط رأسه، حضرها أهم السياسيين في أوروبا. كما یتزامن مع میلاده تولي الحكومة النمساویة الرئاسة الدوریة للإتحاد الاوربي لستة أشھر وقد نظمت “صوت أوروبا” مؤتمرَا حول مستقبل توحيد القارة. قال المستشار ولفقانق سشوسل عن موزارت بأنه أوربي حقيقي فهو دمج ثقافات وسافر خلال حياته إلى نحو 22 مدينة (بما في ذلك بروكسيل). حتى أن مستشارًا في الاتّحاد الأوربي ادعى بأن موزارت دعم اتفاقية شنغن التي تلغي الحدود بین البلدان المشاركة في الاتحاد.
أكثر ذكاء وسعادة:
يبقى ادعاء السياسيين بأن موزارت ضوء مُرْشِد لتوحيد أوروبا اتّجاهًا جديدًا، إلا أن التأثير المُدّعى لموسيقاه على صحة الناس والحیوانات كان یدرس لعقود. فقد استخدم دكتور الأذن الفرنسي الفريد توماتيس موسيقى موزارت في طرقه العلاجیة عام 1950، كما أن هناك ادعاءات مختلفة بأن موسیقاه تساعد على نمو الأطفال الخدج وتجعل الأبقار تنتج حلیبا أكثر وتدفع الفئران إلى إتمام المتاهات بسرعة أكبر!
مع مطلع التسعينيات اكتشفت البروفسورة فرانسیس راتشر في جامعة وسكنسن بأوشكش و زميلھا غوردن شو شيئا أسموه “تأثير موزارت”. أظهر الطلاب الذين استمعوا مدة عشر دقائق لسوناتا موزارت K448 زيادة ملحوظة في مهاراتهم في تصور المكان والزمان خلال وقت قصیر، مقارنة بأولئك الذین جلسوا في صمت او استمعوا إلى مندلسون أو إلى التعليمات. على الرغم من أن هذا التأثير موضع جدل (أوجدت التجارب لاحقا بأن الناس یكونون أكثر انتباهًا عندما يستمعون إلى موسيقى حية لأي موسيقي يعجبهم)، إلا أنها أسهمت في رواج الكتب المتدفقة والأقراص المدمجة والأشرطة عن كيف يجعل “تأثير موزارت” الناس أذكى وأسعد.
لقد ساعد ذلك على دعم علامة موزارت التجارية إلى حد كبير. في الواقع أصبح تسويق موزارت العمل الأكبر على الإطلاق، في النمسا خاصة، وفي باقي الدول كذلك. فوفقًا لدراسات التسويق، تعد علامة موزارت التجارية واحدة من أفضل 50 علامة تجارية في العالم. حيث قُدّر اسم موزارت بما يساوي 5 ملیارات دولار في المبيعات السنوية لمنتجات ماركة موزارت التجارية. فإنتاج شوكلاتة موزارت كوقيلن Mozartkugeln (شوكولاتة مستديرة مع عجينة الفستق محشوة بالنوجا) عمل يدر عدة ملايين من الدولارات. كما أن صانعة الشكولاتة النمساوية ميرابيل، والتي تملكها شركة كرافت الأمريكية، أنتجت مليار شوكولاتة موزارت منذ تأسيس الشركة.
هنالك نزاع شديد مع صانعة الشوكولاتة الألمانية ريبر حول الحق في تسمية منتجهم Mozartkugeln “الحقيقية”. إن الأحقية بادعاء إنتاج الشوكولاتة “الأصلية” تعود إلى فروست وهي صانعة شكولاتة صغيرة في سالزبورغ يديرها نوربرت فروست والذي كان جده الأكبر، باول فروست، من ابتكر هذه الشكولاتة الشهية سنة 1980. يُسمح للميرابيل أن تسمي سلعها Mozartkugeln بـ
“الحقيقية”، إذا قالت بأنها تنتج شوكولاتة “ریبر” الحقيقية، لا أكثر.
قبل بدایة عام 2006 كان هنالك حوالي 300 منتج لموزارت في السوق. كانت أغلبها أشياء اعتيادية، مثل الأكواب والأقلام والمظلات والقمصان. ولكن في احتفالات هذا العام أصبح سحرة التسويق يميلون للمغامرة: كرات الغولف، سجق موزارت على شكل كمان، شاي خلطة (Papagen)، جوارب أطفال، وحتى حمالة الصدر تعزف” Eine kleine “Nachtmusik حين تُفك قد أضيفت إلى القائمة التجارية!
هل أدى اِحتِلاَب موزارت عديم الرحمة هذا إلى الإِساءة لموسيقاه؟ بالتأكيد لا. يقول ميتر ماربو، المخرج الفني لسنوية موزارت في فيينا، أنها فرصة رائعة لتشجيع الفنانين المعاصرين، كما أن يجعل موزارت مُتاحا للجمهور بشكل أوسع أيضا. سيشهد هذا العام 35 افتتاحية في فيينا تتضمن مسرحية موسيقية واحدة، وستة أوبرات، و28 عمل الأوركسترا. تنتظر حافلات سنوية موزارت أمام المدارس في فيينا وتُوفَر معدات موسيقية للتجربة، لذا قد يأخذ الصّغار دروسا في الموسيقى. إذا كان هذا كل ستحققه سنوية هوس موزارت، فإنه لا يعد أمرا سيئًا.
____
المصدر ملاحظة: نُشرت هذه المقالة في مايو 16، 2006 المواقع الإلكترونية: يملك www.mozart2006.net/eng/index.php معلومات عن احتفالات فيينا وسالزبورغ وأماكن أخرى. كما يملك www.mozarteffect.com معلومات أكثر عن قوى الموسيقى التحويلية المفترضة. www.mozartkugel.at و www.reber.com هما صنّاع شوكولاتة موزارت.
___
*موقع حكمة فلسفي