أحيانًا، يطلب مني البعض المساعدة وإبداء الاقتراحات حول الكِتابة، أو كيفية النشر.مع الأخذ في الاعتبار أن كُل هذا زائل، وشخصي، سأحاول جاهدةً أن أشرح كُل شيء أؤمن به حول الكِتابة وأرجو أن يكون نافعًا، فهذا كل ما أعرف.
أُؤمن أنّه إذا كُنت جادًا حِيال حياة الكِتابة، أو بشأن أي شكل إبداعي من أشكال التعبير فلابد أن تتحمل هذا العمل علي أنه واجب ( نداء ) مُقدس. أصبحت كاتبة بالطريقة التي صار بها الآخرون رُهبانًا وراهبات، نذرت نفسي للكِتابة منذ الصغر، ثم صرت عروس الكِتابة؛ أكتب في شكل تعبدي كالخادمة.
حياتي كاملة قد اتكأت علي الكتابة، لا أعرف أي شيء أستطيع فعله غير الكِتابة، لم أعرف أي أحد آخر قد صار كاتبًا. لم أملك، كما يُقال، الواسطة، أو الدليل الذي قد يُرشدني، أنا فقط بدأت.
عندما كُنت طالبة في جامعة نيويورك، أخذت بعض الفصول الدراسية في الكِتابة الإبداعية، ولكن، بمعزل عن الورشة البارعة تحت قيادة هيلين شولمان، وجدت أنني لا أرغب حقًا في ممارسة هذا العمل داخل فصل دارسي.
لم أقتنع بأن ورشة إبداعية يُشارك فيها حوالي ثلاثة عشر كاتبًا شابًا، يحاولون أن يجدوا أصواتهم الخاصة، مكان مُلائم لي لأعثر علي صوتي الخاص، لذلك كتبت بمفردي، أيضًا كُنت أجعل أصدقائي، وأفراد العائلة الذين أثق في آرائهم يرون أعمالي. دائمًا أكتب، ودائمًا أجعلهم يرون ما أكتب.
بعد أن تخرجت في جامعة نيويورك، قررت عدم إكمال الماجستير، عوضًا عن ذلك، ابتكرت برنامجا للدراسات العليا خاصًا بي؛ والذي تطلب السفر حول العالم لعدة سنوات، خلالها أقبل بوظائف شاغرة داخل البارات، المطاعم، مزارع الماشية؛ لأعرف الطريقة التي يتحدث بها البشر،أجمع الخبرات،وأكتب باستمرار وبتزايد مُطرد.
ربما بدت حياتي فوضوية لمن يراقبها (وبالطبع لم يكن يراقبها أحد عن كثب حتي تبدو له كذلك)، ولكن رحلاتي كانت جُهدًا مُتعمدًا لأتعلم كل ما أستطيعه عن الحياة، حتي أُعبر عنها في كِتاباتي بوضوحِ.
بالعودة للخلف عندما كُنت بعمر التاسعة عشرة، بدأت إرسال قصصي القصيرة للنشرِ. كان هدفي هو أن أنشر شيئا ما ( أي شيء، في أي مكان ) قبل أن أموت. وفقط كُنت أجمع كومة ضخمة من ملاحظات الرفض لعدة سنوات.
لا أستطيع الشرح بالضبط لماذا كُنت أملك الثقة في إرسال قصصي القصيرة بعمر التاسعة عشرة، إلي- علي سبيل المِثال- مجلة ذا نيويوركور وكيف لم تنته مسيرتي حينما كُان الرفض حليفًا لي؟، كُنت أظن نوعًا ما أنني سأُرفض حينها، ولكنني كُنت أقول لنفسي أيضًا:
”” ها شخص ما لابد أن يكتب كُل هذه القصص: لم لا تكونين أنتِ؟ “”.
ما أحببت أن أُرفض، ولكن التوقعات كانت مُتدينة في مقابل الصبرالذي كان في عظمته.( مجددًا الهدف هو النشر قبل أن يلاحقني الموت، حينما يافعة وبصحة جيدة ).
لم يكن قط سهلاً بالنسبة لي أن أفهم لماذا يعمل الناس بإجتهاد ليبتكروا شيئًا ما جميلاً، وبعدها يرفضون أن يُشاركوا ذلك مع شخص ما، بسبب الخوف من النقد.
أليس الهدف هو خلق شيء ما لتُوصله إلي العالم؟.لذا، ضع النقد جانبًا.
أرسل عملك للمحررين والوكالات الأدبية. بقدر استطاعتك، أرِ أعمالك للجيران، علقها علي جدران محطات الأتوبيس فقط لا تجلس هكذا وتظل مُختنقًا. علي الأقل جرب، وإن رفض مديرو الوكالات الأدبية مخطوطتك مرة أخري ( وهوما سيحدث بالفعلِ)، خذ نفسًا عميقًا وحاول مُجددًا.
دومًا أسمع الناس يقولون ” لست كفئا بما يكفي لتُنشر أعمالي “. هذا ممكن، بل مُرجح.
وكل ما أقوله هو: دع شخصًا آخر يقرر ذلك، فالمجلات، والمُحررون والوكلاء يوظفون الشباب مُقابل 22 ألف دولار في العام وينصب عملهم علي قراءة المخطوطات وإرسال خطاب إليك مُتضمنًا بأنك لست جيدًا كفاية.
بعد: أجعلهم يفعلون ذلك. ولا ترفض نفسك رفضًا مُسبقًا، هذا عملهم وليس عملك أنت. عملك يتمحور حول الكِتابة من أعماق القلب، وأترك القدر يتولي الباقي.
الانضباط والالتزام مهم، ولكنه نوع من المبالغة الشديدة. أعتقد أن الانضباط المُناسب للكاتب هوالتسامح مع النفس؛ لأن كتابتك دائمًا ستُخيب أملك، الكسل دائمًا سيخيب أملك. ستأخذ العهد علي نفسك بأنه ” سأكتب لمدة ساعة كُل يوم ” وبعد ذلك تتقاعس ولا تفعل.
ستعتقد بأنك ” فاشل، فاشل “.
بعد ذلك الحُزن النابع من خيبة الأمل، لا يتطلب الاستمرار في الكِتابة الانضباط فحسب، بل التصالح مع النفس أيضًا ( النابع من طيبة القلب، الشجاعة، والحب الأموميّ )
أمر آخر لابد أن تُدركه أن كُل الكُتاب يُفكرون أنّهم مُجرد حُثالة، فَشلة.
عندما كُنت أكتب ” طعام، صلاة، حب “، تردد داخل عقلي شعار قوي أن ” ما أفعله محض هُراء”، كما يفعل أي فرد عندما يكتب أي شيء، ولكن وقتها، نبع هتاف من الصدق خلال عملية الكِتابة.
يومًا ما، عندما كُنت أُعاني من مدي سوء كتاباتي أُدركت: ” بكُل تأكيد هذه ليست مشكلتي “، فالنقطة التي أدركتها كانت لم أعط وعدًا للعالم بأنني سأكتب بشكل لامع؛ أنا فقط وعدت العالم بأنني سأكتب.
لذلك أُنكس رأسي، أتعرق خلال الكِتابة، كما قطعت العهد، وأنذرت نفسي له.
لدي صديق وهو مُنتج أفلام إيطالي، صاحب حس فني كبير. بعد سنوات من الصراع لإنتاج أفلامه، أرسل خطابا بائسا لبطله، العبقري ( وربما النصف مجنونِ ) المخرج الألماني فرنر هرتزوغ،وفيه صديقي المنتج يتذمر من صعوبة أن تكون مُنتجًا مستقلاً، وكيف صار صعبًا أن تحصل علي المنح والإعانات الفنية من الحكومة، وكيف أتلفت هوليوود الجماهير، وكيف أن العالم قد فقد مذاق صناعة الأفلام.. إلخ، إلخ.
فهرتزوغ رد عليه بخطاب شخصي، والذي كان يدور أساسيًا حول هذه المحاور:
” كف عن التذمر، فليس خطأ العالم أنك تُريد أن تصير فنانًا. وليس من وظيفة العالم أن يستمتع بالأفلام التي صنعتها، وبالطبع ليس من الواجب علي العالم أن يدفع لك ثمن أحلامك. لا أحد يُريد أن يسمع ذلك. أسرق كاميرا لو وجب الأمر، ولكن توقف عن الأنين والنحيب، وعد للعمل”.
أعيد هذه الكلمات علي نفسي كلما أشعر بأنني غاضبة، مُجازة، في تنافس أو حتي غير مُقدَرة فيما يتعلق بكتاباتي. ” ليس خطأ العالم أنك تُريد أن تصير فنانًا… الآن عُد إلي عملك”.
في نهاية اليوم، دائمًا أهم شيء فيه هو: عُد إلي عملك. هذا طريق الشجعان والمخلصين، لابد أن تجد سببًا آخر للعمل، غير الرغبة في النجاح والتقديرِ.
إذا ألح عليك الأمر وتريد الكِتابة، وتعتقد أنّك قد صرت في سن مُتأخرة علي حدوث ذلك… من فضلك، فكر مُجددًا. شاهدت جوليا جلاس تفوز بجائزة الكتاب الوطنية الأمريكية لروايتها الأولي ” ثلاثة شهور من يونيو”، والتي بدأت الكِتابة فيها في أواخر الثلاثينات من عمرها. استمعت إليها وهي تُلقي خطاب القبول المُحرك للمشاعر؛ وفيه أخبرتنا كيف أنها اعتادت أن تظل مُستيقظة ليلاً، موجوعة بينما تعمل علي الكتاب. تُحدث نفسها مُتسائلة:
” من تظنين نفسك، وأنتِ تحاولين كِتابة أول رواية في هذا العمر؟ “، ولكنها كِتبتها، وحازت علي جائزة الكِتاب الوطنية الأمريكية، تقول: ” هذا لكل الكُتاب العباقرة المُختفين المعذبين في العالم “.
الكتابة ليست كالرقص أو عرض الأزياء؛ ليست عملاً- إنْ فاتك في سن التاسعة عشرة- ينتهي أمرك.
لم يفت الأوان أبدًا، فكتاباتك فقط تتحسن عندما تصير أكبر سنًا، وأكثر حكمة.
إذا كتبت شيئًا ما جميلاً ومهمًا، واكتشفها الشخص المُناسب بطريقة ما، سيخلي لك مكانًا علي أرفف الكتب في العالم في أي عمر كُنت. فعلي الأقل، جرب، حاول.
هناك أكوام من الكتب في الخارج عن ” كيفية النشر “. قد يجد البعض معلومات في الكُتب مُتضاربة. شعوري بكل تأكيد أن هذه المعلومات متضاربة؛ لأنّه، وبصراحة، لا أحد يعرف أي شيء.
لا أحد يستطيع أن يخبرك كيف يمكن النجاح في الكِتابة ( حتي لو كتبوا كِتابا بعنوان ” كيف يمكن النجاح في الكتابة” ) لأنه ليس هناك أية طريقة للكتابة؛ ولكن بدلاً من ذلك توجد العديد من الطرق.
كل فرد أعرف أنّه قد هيأ حاله ليصبح كاتبًا فعل هذا بطريقة مختلفة أحيانًا بطريقة مختلفة جذريًا وكُليًا،جرب كُل الطرق.
كما أعتقد، أن تصبح كاتبًا هو نوع من محاولة العثور علي شقة رخيصة في مدينة نيويورك، وهذا أمر مستحيل.
ومع ذلك.. كُل يوم، أحدهم ينجح في العثور علي شقة رخيصة في نيويورك.
لا أستطيع أن أخبرك كيف تفعل ذلك. أنا حتي الآن لست مُتأكدة تمامًا كيف فعلتها. أستطيع أن أخبرك فقط أنني مما ضربته لك من مِثال أنها ممكنة الحدوث. للتو، وجدت شقة رخيصة في مانهاتن، وأصبحت كاتبة أيضًا.
في النهاية، أحب هذا العمل، لطالما أحببت هذا العمل. اقتراحي ينصب علي أن تبدأ بهذا الحب، وبعدها تعمل بجدية كبيرة، ودعك من النتائج.
أظهر إرادتك، وبعدها اقطع الطريق. من فضلك حاول، وأيضًا، ألا تُجن تمامًا أثناء الكِتابة. الجنون طريق فاتن جدًا للفنانين، ولكننا في هذه الآونة لا نحتاج المزيد منهم في العالم. لذلك، من فضلك، تصدي لنداء الجنون. نريد المزيد من الإبداع لا مزيدًا من التدمير. نحتاج إلي فنانينا أكثر من أي وقت مضي، ونريد أن يكونوا مستقرين، ثابتين، مُبجلين، وشُجعان فهم جنودنا، وأَملنا.
لو قررت الكّتابة، فلابد أن تكتب كما يقول بلزاك ” مثل عمال المناجم المدفونين تحت سقف مُتهالك “.
كن فارسًا، بقوة الاجتهاد، بقوة الدأب والإيمان. لا أعرف كيف يمكن فعلها ما عدا هذه الطريقة.
وكما قال مرة الشاعر الكبير جاك جيلبرت لكاتبة شابة، عندما سألته عن نصيحته فيما كتبته من أشعار:
” هل لديكِ الشجاعة كي تقدمي هذا العمل؟ فالكنوز المُخبأة بداخلك تأمل أن تُجيبيني بـ ” نعم “؟ “
حظًا موفقًا.
___
*أخبار الأدب