الأدب والأرض

*أنطوان شلحت

أعلنت “مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي” في فلسطين عن إطلاق حملة لتشجيع القراءة تحت شعار “ما تقوله الأرض” تستمر خلال الفترة بين 1 و7 نيسان/ أبريل الحالي بالشراكة مع مئات المؤسسات الثقافية والمراكز الشبابية والمكتبات المجتمعية والمدرسية.

وطبقًا لما أكدت المؤسسة، فمن خلال هذه الحملة، وبالعمل مع كل الشركاء صغارًا وكبارًا، يتم التوجّه إلى المجتمع لتسليط الضوء على ضرورة الاهتمام والعودة للأرض، الأرض الرفيقة والصديقة، العودة إلى كل ما تحمله أرض فلسطين من تاريخ، ذكريات، أغنيات، قصص وحكايات، من خلال مفاهيم تقوم على العطاء المتبادل بين الجهات المتشاركة، الأرض والإنسان، مثل الإنصات والإصغاء، والتواصل بيننا وبينها، ومن خلال النظر إلى الأرض كشريكة ساهمت في تشكيلنا، وأعطتنا دائمًا الأمل والفرص، لا أن ننظر لها فقط كأداة يتم التصرف بها لخدمة البشر.

ولدى التطرّق إلى فلسفة هذه الحملة ورد ما يلي: علينا نحن البشر أن نخلق علاقة متوازنة مع الأرض، علاقة تقوم على التفاعل والتبادل عبر الحفاظ على المكان وذاكرته وتاريخه وهويته، وكذلك مستقبله لكل الأجيال القادمة، لا أن تكون علاقة محتل أو مستعمر يستخدم أدواته الفوقية في التغيير والتدمير، وتشويه المعالم المادية وغير المادية، من حضارات ولغات وقصص تشكل معنىً لسكانها الأصليين، فالأرض بما  تحمله من طبيعة وناس، والتي لم تتمكن القوى الجبارة من تشويه حفيف شجرها وخرير مائها وقصص سكانها معها، ما تزال هي المصدر الرئيسي للإلهام والدهشة، والملاذ الدائم، الأول والأخير، للراحة والتأمل والخيال، والاتصال مع كل الناس. نحن نجد أن هذه العلاقة التي تقوم على الإصغاء والاستماع إلى ما تقوله الأرض ستمكننا مجتمع الكبار من إعادة صياغة العلاقة مع كل الفرقاء، لتمتد إلى علاقتنا بالأطفال واليافعين، للنظر إليهم كشركاء متساوين في إنتاج المعرفة والثقافة وتشكيل المعاني.

ولفتت المؤسسة في الوقت عينه إلى ضرورة أن يرى كل من يرغب في أن يصغي إلى الأرض هذه الحملة بأنها من جهة مساحة لإطلاق الخيال عبر الأدب والقراءة، ومن جهة أخرى مسعى لتسليط الضوء على تجارب ملهمة استندت في حكمتها إلى الإنصات إلى ما تقوله الأرض، ومن جهة ثالثة معول صغير يحفر أرضًا متروكة ليزرع فيها شجرًا كي تصبح ملاذًا للأطفال والطيور وكل الذين يرغبون بتأمل الأفق من تحت ظلال الشجر.

في تجربة فلسطين إرث متراكم من الصعب حصره مرتبط بـ”ما تقوله الأرض”. ومن شأن هذه الحملة أن تكشف عن جانب منه.

يبدأ هذا الإرث بتخليد علاقة الفلاح الفلسطيني بالأرض، كما وجدت تعبيرًا عنها على سبيل المثال في الأمثال الشعبية، ولا تنتهي باتخاذ مئات القرى والأودية والجبال والآثار والعائلات والأشخاص أسماءهم من أسماء بعض النباتات أو أجزائها (حسبما أورد ذلك توفيق كنعان في دراسته “فولكلور النباتات في الخرافات الفلسطينية”).

وأصبحت الأرض في تجربة الفلسطينيين بعد وقوع بلدهم بين فكيّ الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، وبتأثير من تبلور الحركة القومية الفلسطينية، تعني الوطن، وباتت الأخطار التي تتهدّدها تهدّد الوطن.

ويذكر كثيرون أن سياسة الحركة الصهيونية في فلسطين قامت على ثلاث دعائم: احتلال الأرض واحتلال العمل واحتلال السوق. وكانت الأولوية لاحتلال الأرض. وفي هذا الصدد كتب أحد زعماء الحركة الصهيونية، وهو مناحيم أوسيشكين، الذي ترأس مؤسسة “كيرن كاييمت” (الصندوق الدائم): “إن لم نستملك نحن أراضي فلسطين ونستوطنها بإقامة قرى فيها فلا أمل لنا أن نجعل فلسطين وطنًا لنا وستبقى عربية. ليس صعبًا على اليهود عاجلًا أو آجلًا أن يحتكروا التجارة والتصنيع والتعليم. أما امتلاك الأراضي فليس في وسعنا، وإنما هو منوط بالبائع. إننا نرى العرب قد انتبه فكرهم إلى صالحهم، وأصبحوا يشعرون بكيانهم. وبالتالي نحسب كل تأخير في امتلاك الأراضي الفلسطينية جُرمًا لا يغتفر. إن مساحة الأرض في فلسطين 20 مليونًا من الدونمات، للحكومة 30 بالمئة منها، وللفلاحين 35 بالمئة، وللملاكين الأغنياء 35 بالمئة. أمامنا إذًا الأفندية الأغنياء الذين قد لا يأبون بيع أملاكهم إن وجدوا ربحًا في بيعها”.

ويتمثل جانب من فكر العرب الفلسطينيين، الذي يلفت هذا الزعيم الصهيوني إلى حقيقة انتباهه إلى صالحهم لناحية الشعور بكيانهم الوطني، في الأدب عمومًا والشعر خصوصًا. وليس مجافاة للواقع القول إن شعراء فلسطين وكتابها أحسّوا بالخطر على الأرض- الوطن قبل صدور “وعد بلفور” (1917) بسنوات. كما خلّـد الأدب الفلسطيني حادثة بيع مرج ابن عامر إلى الحركة الصهيونية في عشرينيات القرن الفائت. ورأى الكثير من النتاج الأدبي الفلسطيني في “وعد بلفور” تجسيدًا سياسيًا للمخاطر المتربصّة بفلسطين الأرض- الوطن.

بذا، فإن مبادرة “مؤسسة تامر” تشكل امتدادًا لإرث حافل في معركة طويلة ما تزال مستمرة.

____
*ضفة ثالثة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *