عادل قديح يصوغ معرضه بكشف أقنعة المكنونات

*خلود شرف

“تعبيرات كامنة”، هو عنوان المعرض الأخير للتشكيلي اللبناني عادل قديح الذي أقيم في صالة “أولد أنفو” بسوق الصاغة البيروتية، ومن هنا أتت سيميائية العنوان عتبة لمراحل متطورة من التعبيرات تتمثل بالوجه أو الجسد، لكن هذه التعبيرات لا تكون بالإيحاءات المعتادة على البساطة وعلى التراث وعلى الطبيعة، وإنّما هي حركة تزاوج ودمج للتعبيرات المشوبة بحركة السرعة التي يعيشها العصر وارتطام البشرية بملاحقة الحياة، وتغييب الأسئلة الوجودية، أو تناسيها، لتنشغل الفردانية ضمن الجماعة بأناها الوحيدة المنعزلة.

ويشكّل العنوان عتبة المزج بين مفردات ما قبل الحداثة وما بعد الحداثة، والتي يقدمها قديح بطريقة بصرية واضحة وجليّة لأسلوبية الدمج في نص اللوحة بطابع وجداني عال، من خلال تقنيات مشتركة استخدمها في بناء مفهومه الخاص برؤية موضوعية للوحة.

فالفن التجريدي يستنهض القيم الروحية في فوضى المادييّن، ويختزل الوجود الإنساني في أُطر يُسقطها الفنان على أنها انعكاس كوابيس يعيشها اللاوعي ولا يدركها، ظانا أنه يصل إلى متطلباته الحياتية، دون شعوره بخسارة الزمن، وهذا هو الانسجام الوجداني الذي يتركه قديح في مجموعته المؤلفة من 42 عملا بقياسات مختلفة.

استقى قديح المفاهيم والرؤى الهندسية من التجريد ليعمل في تعبيراته الكامنة على استنزاف مكنونات اللاوعي الجمعي وإدماجها بالنص البصري، بتوازن يجعل اللوحة تخرج من ملامح الشخوص المعتادة، لتظهر من خلال الأقنعة التي اكتسبتها من الحياة المعاصرة، شخوص تختزل اللوحات على أنها تركيب من المحيط البائس، لتندمج وتصير جزءا من الصدى اللامنطقي للوجود الإنساني الضائع في زحمة الفوضى.

والانسجام اللوني المدروس في اللوحات يترك تناغما بنيويا وكتليا، يجعل اللوحة منظورا متوازنا من حيث وجوده كتكوين بصري في المكان، وهذا بدوره يترك انطباعا لا يُنسى، وهنا تكمن حرفيّة التجريد والبذخ الجمالي الذي يهبه الفنان للمتلقي، فقلما نجد تجريدا يترك هذا الانطباع، رغم أن اللوحات تمتاز بروح منسجمة فيما بينها، لكن لكل منها شخصيتها وحضورها المستقل عن الأخرى.
________

*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *