رسائل لم يزرها مطر!

خاص- ثقافات

*ميساء البشيتي

كلما هَممتُ بالكتابة إليك يعتريني الفتور،  يبددني الضجر، تبعثرني الحيرة، تلسعني سياط الأسئلة: لماذا أكتب إليك؟ عن ماذا أكتب؟ وهل في الكتابة إليك أي جدوى؟!
اعتدت فيما مضى أن أكتب إليك كلما داهمتني الرياح المشبعة برذاذ المطر؛ ترتوي الحروف في جوفي، تنتعش، تتوسلني أن تمطر عندك، فأجمعها في غيمة صغيرة، وأرسلها لتهطل على شرفات عينيك أكاليلًا من الزعتر والعنبر.
اليوم لم يحضر الشتاء كعادته، لم تلفح قلبي رياحه المشبعة بالمطر، فبقيت الحروف في جوفي متيبسة، كسلى، يعتريها الخمول والفتور والملل، لا تريد أن تخرج إليك، لا تريد أن تحرجك بالأسئلة!
لا تريد أن تسألك عن الوطن الذي أُسقطت أوراقه من فصول السنة، وغاب من توقيت النهار، وأصبح مجرد صورة باهتة على جدران المتاحف.
لا تريد أن تسألك عن الرفاق: كم مخرز نشِب في أواصرهم؟ كم حاصرتهم ويلات، وصفعتهم  خيبات أمل؟ والذي نجا منهم: هل هلِكَ أم على وشك؟
لا تريد أن تسألك عن حبات الياسمين التي نبتت بين أناملك: هل كَبُرت؟ هل فاح ربيعها؟ هل نامت على زنديك وقت الغروب؟ هل لسَعَت شفتيها عناقيد الحصرم؟ أم أنها قبل أن تتفتح هجرتك، كما هجرت براعم الربيع أشجار الوطن!
لا تريد أن تحرجك بالسؤال عنك: هل أنتَ ما زلتَ تستطيع أن تُحِبَ وتُحَبُ، أن تَعشَقَ وتُعشَقَ وتدور عليك دوائر العشق فتخرج منها الصبُّ الذي فضحته عيناه.
لا تريد أن تسألك عن صمتك: هل هو صمت الحكمة، الهيبة، العقل؟ أم صمت الهزيمة،  الانكسار، الضياع، الكفر بكل أيقونات الحياة؟
الحروف لن تخرج إليك، لم يأتها مطر، لم ترتوِ ولن ترويك، لن تجد عندك إجابة تنعش كالمطر،  تشفي جراح المغدورين، تستعيد  صورة الوطن عن جدران المتاحف، تعيدك إلى قوافل العشاق تلميذًا يتعلم أبجدية المطر فتفضحه عيناه، وتجمله لآلئ القصيد، رسائلي يا رفيق لم يزرها مطر!

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *