خاص- ثقافات
*سميحة المصري
طوبى للغَجَرْ . يُراقصونَ القوانينَ الحَمقاءَ التي تُسَنُّ لِكَي تُخْرَق
ولا يحتفلون إلا معَ إلهتهم
ولا يُغَنّونَ إلّا معَ ربهم…
أعيادهم أدفأ منْ مُخيّلَة القلب
تاريخهم رقصٌ وآسهم لا يأسى على أمْسهِم
فهاتي من الأُغنيات نشيدكِ وأمعني في التَغَجرِ،
يا سَيّدَةَ الغَجَر..
وباسمكَ يا ربَ الغجَر واللاغَجَر نُريدُ نصف سماء
ولتقبل منّا نصف صلاة تطردُ عنا الأحزان
يقولُ الغَجَريُّ للغريبة..
آه يا حبيبتي، لا تأخذي الله معكِ
اتركي شيئاً منه هُنا….
رائحته في الحقولِ، بياضه في الثلج، هوَ في حبّاتِ المطر
عيناه في القمر ، لازَورده الملوّن في البَحر ، موسيقاهُ في الأُغنيات
وخُذي ما تبقّى ..واسألي العيد هناك : هل رآك أحد ؟
سيُجيبكِ : الأطفال والغَجرْ
أما الكبار- واللاغجَرْ- فلا زالوا في العمل !
يا غجرية ..
أنْ تكوني بعيدةً عندَ المَطر والثلج هذا لا يعني أنني لنْ أُغني لكِ الليلة
وأن أكتبَ لكِ قصيدة، فسلامٌ عليكِ حتى مطلع الروح
عندما تذهبينَ الى مرآتكِ في الصباحِ ولا تجدينني
فهذا لا يعني أنني لستُ خلفَ المرآة المّعها
لتكوني أكثر إشراقاً في النهار…
عندما تشعرينَ بالجوعِ تذكري أنني عدتُ من حربي الأخيرة
وبيدي خبزتكِ وفستانكِ وموسيقاكِ التي تُحبين ..
يا مدينتي الماكِرة ..
عندما لا تجدينَ الكلام ولا تعرفينَ ما تقولين
اصغي جيداً للصوتِ القادم من بعيد والذي يقول :
نحنُ مِحورَ الأساطير ..
نحنُ أول السؤال وألطفَ الجواب عن ما لم يطرحه الكلام حتى الآن!
حينَ تبردين تذكري بأني أُوقدُ شراييني وحطب السِندباد كي تدْفأين
أتعبَني الرحيلُ فاجمعيني دفئاً
أوتعْلَمين، من يُخْذَلْ يبردْ..
وباعةُ الكلام سيذوبونَ مثل قناعٍ باردٍ من الثلج مع صحوة الشمس
ومثلهم الصيارفة المختصونَ بالكلام
سوفَ أرمي الورود المجففة فقد استيقظَ الربيع
سوفَ أكتبُ قصيدتي الطويلة فقد عادت اللغة
سوفَ اصافح فقد سَكّنتُ يدي في باحةِ التسويف
سوفَ أتحدثُ عن يقينِ الأسفار والمسافرين
ولا شأنَ لي بجنرالاتِ الحروب
فالمطاراتُ قريبةٌ وحقائب السفر مثقوبةٌ
يتساقط الذينَ خبأناهم وينثقبَ الذين سقطوا
فالحقائب يااااا ما أخفتْ مُزيفين
الذين يسافرونَ يتركونَ قصائدهم وثيابهم ومقتنياتهم الثمينة
يحملونَ ما لمْ ينكتب من الشعرِ ليكتبونه هناكَ
يحملونَ أغنيات ، وأوطاناً تمشي في العراءِ عاريةً
هكذا قالَ : ( قلبه وراءَ القميص يلوح )*
كل المسافرينَ الآنَ خَذلوا ، وخُذلوا ، رهنوا قلوبهم مرةً وارتهنوها أُخرى ، شاكرينَ للتأدّب ، الذي رتَّب لهم أدوار البطولة مرةً ، وخيبةَ المَرات أكثر، يحملونَ اتجاهاتهم صوبَ لون الورد حيث تُغريهم الأرض المُدَحْنَنَة ، التي انقشعَ البردُ عنها فبدتْ حمراءَ وصفراءَ وخضراء ..بلا توريات ولا وَجَلْ ، فالحريقُ الربيعي لا يستعيرُ أسماءَه ولا أنفاسه من المستنكفينَ عن العشقِ وهُنا حزبُ العيون والقلوب ..والإرادة ، والهدنة المُهدئة للقلوب لتسكيت الالآم وتشذيب روعِ البائسين ( إلى حينِ ) وصول الحمّى .وأشياءها ..
هي الحُمّى زائرة الشِقاق والغصّة تستفزهم، سيكتبون المواجدَ في القصائد، سيتبادلون التأفف، وهم وهي كما سجينينِ في زنزانةِ هربتهما حروب الحياة الى ما هو أضيق من قسوةِ (فسحة) أمل..
يا ضيفة: تنامينَ في منامِ الحمامة والحمامةُ هشةٌ لا قِبلَ لها بمفازاتِ الغُبار، من أينَ لها بشفعاء؟ وهي واحدة.. وأنتِ كثيرة!
يا نديمة، أُخيّطُ لا زلتُ فُتوقَ البحارِ وأنتهي عندَ أراكةٍ مُرتعدة..
يا نديمة، ودّعيني، فلقدْ أربكتِ وِدَّ عَينِي زماناً
ولا حكمة تقودُ بصيرتكِ كي تأوينَ إلى النومِ ، حتى لو أهديتكِ أُغنيةً وقبلةً وسريراً ونافذةً تُطلينَ منها على الغيمِ والمَطر
ولا اخوات يؤازرنني منذُ زمانٍ طويل..
عليكنَ الخطية يا أخواتي..
فلقد أوقعتُنني في الجُبِ واتهمتنَ الأقدار، بينما أنا أكتحلُ بأصابعي وأتلو صلواتي وأُ طلق حُنجرتي عندَ هبوب الريح لتغني للوطنِ المنسيّ، المقلوع
ولكنكنَ لا تسمعنَ الغناء لذلكَ أوجعكنَ الخُذلان..
أَعرفتُنَ الرهق؟ مثلَ صويحبات زليخا الــ فُجِعنَ بالجمالِ وبالحَق..
هل جربتنَ ان تعشقن؟
بابُ التوبة مرصودٌ، فعليكنَ بالتمائم
قدْ قَددتنَ القُمصان الأربعة من القلب
وكذبتنَ، وتلذذتنَ كما الأطفال
وطافَ عليكُن طوّاف الخوف وأسقاكنَ النَومة
وأدركتُكنَ فسقيتكنَ عصيرَ الورد المسروق من بساتينَ ليستْ لي
سرقته من الجنائنِ الأربعة
فقال الحارسُ : أنْ تكوني بعيدة فستخبرُ عنكِ الريح
فغادرتُ بالحقيبةِ وأكملتُ باللحن من جهةِ الشرق
وانتهيتُ في بياضِ الزاوية
وبدأتُ بالأبواب ..
الأبوابُ دروب الغياب ودروب الحضور ودروب القلوب ، وأشياء تصبح قديمة حينما يتمدد عليها التاريخ الطويل …
يقدّم الألم حكمته لها: إنني أسمى ما قُدم للبشريةِ من الحُب، شرط أن تقرفني وحيداً.. ولا أصِحُ الا معَ الآن والأمس !
كل الأمس أبوابٌ مفتوحةٌ في ذاكرةٍ تمشي في طريقها للعطب، لذا علينا أن نتعلمَ كيف نمشي وحيدينَ وسط الزحام
علينا أيضا أن نحفظَ طريق العودة حتى لا نتوه ونحن عائدين…
ولا بأس بالأغنيات من أجل السلوى
حكمة الأغنيات: اهربْ دون ان تغادرَ بيتك، بشرط ان تفِرَّ الى إحدى الزرقاوات، بشرط ألا تجفلَ من رتابةِ الهرب من سجنِ جلدكَ الى سجن الأيام المقبلة، استعذْ من أباليسكَ واشردْ صوبَ البحر الساكن واجلسْ ساعةً أو اثنتينِ خائفاً مثله في ليلةٍ ساكتة …
ثم أجلسه على ركبتكَ واحنُ عليه قليلاً
سيحملكَ دونَ شراعٍ ولا سفينة في رحلةٍ الى قلبهِ دونَ انْ تغرق
ثم عُدْ / واقتلْ كل عفاريتكَ وعُدْ بجميعِ الأحباب
مجنونهم وعاقلهم مريضهم وسقيمهم ..لا تخيّب أمل قلبك
ونَمْ ، فعندما ينامُ الغَجر يسكتُ كل شَئ ويتوقفُ الضَجيج..
حكمةُ الموت والحياة ..أيها الموتى انتهتْ مهمتكم هنا .
السادة، اللاسادة، الأغبياء، المفكرون، اصحاب الأحذية الصقيلة التي يمشونَ بها على نفس الطرقِ التي مشى عليها الكهلُ صاحب العكاز المنخور..
وربما توقفَ عليها طائرٌ ليقضي حاجته ..
الدراويش ، والزنادقة
المرتزقة والمأجورون
الذين يحملونَ أسماء فخمة من طراز : نجم ، وطن ، بحر ، موسيقار ، بطل قومي .
العملاء والعساكر
كلهم سيبشّر بهم الموت ، ويذهبونَ الى تحت
فالميلادُ يمسكُ بيد الموت ويصرخ
ولا يصغي أحد . فأهل الفوق يُجربون الحياة
وأهل التحت جربوها وخذلتهم فماتوا من السأم
على مهلكَ، كما أنتَ هكذا لا تستنطق اللايخرج على قانون الأقوياء
فالنهرُ دخلتْ في جوفهِ الضفاف برمالها وبقايا المرتابين
وبأثقالها ، وسدنة البكاء ، وموزعي الورد
لا تَفُرْيا سيدي النهر ، اشرعْ بالغناءِ حتى تُعَيّد المدينة
ويرقص الغجر ، وينزل المطر ..كل المطر
ويكون الماء ، الماء ، الماء …
السفرُ العاشرُ بعد الحكمةِ السمائية يتحدثُ بالماءِ يقول:
وحدها الجيادُ تعرفُ كيف تعشق، والرواءُ على المنحدرِ يسيلُ
الجمرُ المرجف من عينيها يحدّثُ بعضه :
سيطفئنا الماء ويدونُ إله النهاية روايته
ويقول: كلما اقتربَ موسمٌ أبكاه الماء، بتمامِ سُلطتهِ
برُقي هياجهِ، بطيشِ كوانينه
برصانةِ العاشقين الذين أحبوا الحبيبة فيه
ونقلوها من زهرِ الحقولِ الى دلالِ العروج صُبحاً بعد صبحٍ
وليل بعد ليل مُنازلينَ البرد ، متوثبينَ تخدمهم الحظوظ
وصلوا تمامَ الصمت وباحوا.. يتقدمونَ الى الله بِلا غُبار
أعادوا حناجرهم وشربوا من تمامِ الرزق الحلو
قديداً متعتقاً من عسلٍ ووجعٍ وماء
لمْ تصفو لأحد هنا أيها المطر ..!
انظر العصافير تُخرّب بيوتها والريح معك وأنا امسكُ قلبي وأقول:
يا رب هبْها كوخاً كبيراً لتتسامرَ طيلةَ وَقْد البرد
هبْها يا ربُ بيتاً من بيوتِ النعمة
واجعلني حارسةَ الكوخ، وضعْ على باب الكوخ عصا طويلة..
وحدكَ تعرفُ لماذا..
في ليالي الشتاء الطويلة والباردة يا غجرية….
لو أن الاحاديثَ تصيرُ معاطفَ من فروٍ ناعم، والطرقاتُ مدافئ طويلة، والمطر هطلٌ من ضحكٍ وموسيقا، والبرد القار(س ) صعودٌ الى جبل الأرواح ، يسهرون وحدهم هناكَ حيثُ لا عبودية الا قيدَ الهدأة القديمة إياها .. هلْ تذكرها ؟!
هل تذكرها في البردِ وفي الوَقْدِ ؟ تلكَ الهدأة ما أكرمها
في الشتاء يحرم الصيد الا صيد الحنين وصيد العين للمطر والغيم
ما أحزن أن تصطادَ النسيان في منتصفِ الشتاء …
ما أقرب احتمالات الغرق إذا جلست طويلا ترمي احزانك في البحر قبالته في منتصف البرد..
يا بخت البحر ليلة تودعُ فيه امال العاشقين
يا غَجرية إياكِ والسأم.
يعضُ خاصرةَ القلب
لا يصيبُ الذين اكتهلوا وهم يحملونَ طفولتهم في جيوبهِم
وربما أثداء امهاتهم في حلوقهِم
لا يحبونَ المرايا لأنها تُعيدهم الى الإقامة في الريح
يتوجسونَ ولكنهم لا يُصغون الى أناشيدي التي تقول:
وأنْ تُفرحني بأبسط الأشياء ، وأن لا تمسَ روحي لعنة الكذب
وأن أبقى مُمتنةً لِيدكَ التي تُؤازرُ القلبَ الذي يَقطفُ الورود لي
وأنْ أقول أحبكَ للغريبِ والطفل الشارد من الحربِ وأمي
وألا أمرَ بخاطِركَ يا رب مثلَ غيمةٍ بلا جيرانها البروق والنجوم…
وألا أنهضَ من أجلِ ان أقتُلَ، أو أُقْتَلْ
وألا اصدّق خرافة الواعدين بالعسل
وأن تُهدني ناراً فأنا أتوجسُ من رعدةِ الأعاصير في مُنتصفِ الشِتاء والتي تهبُ من الشمالِ على كلِ البلاد. وهم يقولونَ في نشرةِ الأخبار أن البلدَ معافىً تام البدن، وأنَ الغجر يرقصون ..
أو / أوزعني أن أحمدكَ على كلِ هذا الخراب…..