حاشية على “سدول و مياه سدم”

خاص-ثقافات

*مصطفى بحبح

 

                  بمستهل سنة 2017, أصدر الكاتب المغربي لحسن حمامة كتابا تحت عنوان :” سدول و مياه سدم: مقاربات سوسيوثقافية”. وقد سبق للكاتب أن نشر فصوله في الفضاء الالكتروني.  نصوص قصيرة من حيث الطول عميقة من حيث المضمون و الأبعاد. و هي دليل على سعة اطلاع الرجل و قدرته على تلخيص ما قد تحويه المجلدات, بأسلوب أنيق أخاذ تتميز كتابته بالواقعية و الصدق في طرح القضايا. بل نجد في الكتاب طرحا سليما لتلك القضايا. و يلمس القارئ غيرة الكاتب على بلاده و العالم الممتد من ” الماء إلى الماء“.

         يستحق الكتاب وقفة متأنية نظير أهمية المواضيع التي يناقشها.  لكننا سنكتفي بهذه الورقة التي تلامس الكتاب و تلخص بعض أفكاره.

               يبحث عن الداء و يلتمس الدواء , بأعين منفتحة على التاريخ و روح العصر. فمنذ الحروب الصليبية انطلق الغرب في اتجاه التقدم و انتشال ذاته من الجهالات القروسطوية, و بالعكس أخذ العرب و المسلمون يتدحرجون في هوة التخلف السحيقة.  و لم يستفيقوا من نومهم إلا على وقع الصدمة الاستعمارية , فوجدوا أنفسهم جثة ممددة أرهقتها السرطانات القاتلة. فما كان من الغالب إلا أن حقنهم بلقاحات تديم تخلف هذه الأمة بتقسيمها و شل عقولها و تنصيب حراس للجثة.

                     لا ينكر الأستاذ حمامة المحاولات التي قام بها المفكرون الغيورون من أجل الإحياء و  “الإشفاء” . لكنه يسجل بحزن بطلان مفعول مختلف الوصفات المقترحة. كما لو أن العطار عاجز على إصلاح ما أفسدته القرون. و  رغم ذلك يلتمس الكاتب العلاج في تطبيق اقتراحات لا محيد عنها لكل من ينشد ـ فعلا ـ تجاوز الأوضاع الراهنة. و  يأتي على رأسها نهج نظام تعليمي مشذب من زعانف الخرافة و الظلامية, نظام يستجلب أحدث ما أبدعه العقل البشري. إضافة إلى إجراءات أخرى تعيد الاعتبار للإنسان و قيمته. و منها إصلاح القضاء و تسييد تكافئ الفرص و محاربة الرشوة , كما يدعو إلى إعادة النظر في سلوكاتنا إذ يرفض الدناءة و الرداءة و النفاق و كل ما يندرج ضمن الأخلاق الذميمة.

صورة مصطفى بحبح

           يحدد حمامة مسؤوليات كل الفاعلين: الدولة و المجتمع المدني و المثقفون, رافضا أن تكون الدولة راعية للفساد [ خيبة], و أن يكون المجتمع المدني وسيلة للتجهيل و الاسترزاق[ الدولة و المجتمع المدني]. و فيما يخص المثقفين , فهو يميز  بين فئتين: فئة تساهم في ” فرملة تطور مجتمعهم” و يسمها بالذيلية و يتهمها بالخيانة. و فئة فاعلة تنشد التغيير. و تتنوع الكتابة بموجب هذا التصنيف.

           يعبر الكاتب عن مواقفه في عدد من القضايا و المواضيع التي ناقشها الرأي العام في في الشهور الأخيرة. كما هو الشأن لفيلم ” الزين اللي فيك” الذب أسال مدادا كثيرا. و  يدافع عن الحق في التعبير و حرية الإبداع مميزا بين النقد و النعيق. و يكشف الغطاء عن عدد من الأوهام كتلك الهالة التي يضفيها بعض الكتاب على أنفسهم. و يرى في هذا السياق “أن الكتابة عمل إنساني يحتاج إلى الاجتهاد و الصبر و التمرن و التعلم , و أن الإتقان   فيها كالاتقان في جميع الفنون و الحرف و الصناعات بمختلف تجلياتها, يشترط المزيد من الجهد و المثابرة. لأن قيمة أي عمل تقاس بمدى الجهد الذي بذل فيه, و هذا الجهد لا يثمر إذا لم يكن مصحوبا بالحب و العشق. ” [ص 52].  تتضمن هذه الفقرة توجيها قيما لكل من يستسهل الكتابة,  و لكي تكون للكتابة معنى و قيمة.

           يخصص حمامة حيزا مهما للحديث عن الكاتب و الكتابة. و لا يخفى البعد التوجيهي في الكتاب. فهو يدعو ـ عند حديثه عن التواصل الفايسبوكي ـ إلى فضيلة الحوار و النقاش الهادف, داعيا إلى التعليق على التدوينات و التفاعل معها , و بنتقد أولئك الذين يشتتون ” الجيمات ” بطريقة عشوائية , أي دون قراءة أو مشاهدة.

        و يسلط الأضواء على ظاهرة التطرف في مقالة [ صناعة الدواعش و القواعد] , باحثا عن أسبابها و التي تتمثل  ـ في نظره ـ في الفساد و البيئة المتعفنة التي يعيش فيها “مشروع الإنسان المتطرف”, كما يعزو ذلك إلى الأنظمة التعليمية المتبعة في العالم العربي, تلك الأنظمة التي تفصل النشء عن واقعه.[ الأحزمة الناسفة]. التطرف نتيجة للاختلالات البنيوية التي نعيش تحت وطأتها.

             و على سبيل الإجمال, يضع الأستاذ حمامة سبابته على الأدواء التي تعيق تطورنا , و يعري الفاعلين السلبيين الذين ينتصبون ك”موانع و كوابح” في طريق التقدم. و هو ينظر إلى العالم العربي الممتد من الماء إلى الماء, و لا ينسى الجرح الفلسطيني, مستحضرا الغطرسة الإمبريالية الغاشمة و ” تلاعب تجار الحروب و سماسرته بالأرواح البشرية و العمران”.[ ص 64]

  
              الأستاذ حمامة كاتب قصة في المحل الأول. و في رصيده خمس مجموعات, نشرها على امتداد حوالي ثلاثة عقود. لذلك يحضر السرد عبر صفحات الكتاب.  يحتفي باللغة مبدعا للصور البلاغية , و يوظف تقنيات السرد المتنوعة بما يخلق التشويق المفضي إلى المشاركة الوجدانية و الفكرية. بل تعلن بعض النصوص عن انتمائها الكلي لعلم السرد ك”تليكومند” و “البردعة” و “النابغة”. و يحضر المثال في بعض النصوص كما في “المطرقة و المسمار”. يمزج حمامة الفكر بالسرد , و قد امتشق خطابه  سلاح السخرية السوداء و النقد اللاذع من أجل تعرية الواقع , و نقد السلوكات التي تعيق تطور المجتمع.

                  يقول رولان بارت :” كل نص تناص”. من هذا المنطلق , يلاحظ القارئ أن كتاب ” سدول و مياه سدم” مجتمع للعديد من الخطابات: السياسي و التاريخي و الاجتماعي و الأدبي و النقدي  و التواصلي… تبعا  لتشابك عناصر الظاهرة الإنسانية , و مما ينم عن سعة ثقافة الكاتب و قدرته على الإدماج بمعناه البيداغوجي. يؤسلب كل ذلك و يمرره في خطاب جامع مدمِج , حامل لرؤيته للعالم, أي منتظم من خلال خلفية تقدمية. و  الكاتب يصرح بمواقفه و يدافع عنها دون التواء.

              تطول النصوص و تقصر تبعا لأهداف الكاتب التعبيرية و التوصيلية و التأثيرية. فشرح الأوضاع و تشريحها يحتاج إلى التوسع و الإطناب أحيانا. بينما يعتمد الإيجاز و الغربلة في بعض النصوص حتى لا يبقى منها سوى العناصر الأساس.

              كتاب الأستاذ حمامة خلاصة تجربة فكرية و تأملية في الواقع العربي , و المغربي جزء منه. هذا الواقع المتسم بالتخلف عن العالم على كافة المستويات. و رغم ذلك فهو متفائل إذ يؤمن بإمكانية الإصلاح و الإقلاع شرط توفر إرادة بناء الإنسان عوض الإمعان في تدميره. و يعتبر التعليم المتطور الحداثي و استعادة المثقف العضوي لدوره في المجتمع مخرجا لأوضاع تحكمها ” الكوابت و الكوابح” , و من ثم التدرج في سلم  التقدم و استعادة  الرجل المريض لعافيته.

 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *