حنين

خاص- ثقافات

*مــحمــد لغــريــســي

وكان أبــي يمنعني من السباحة في ريــق المرجان،يقــفع نزواتي بسـوط محبوك من وبر البقـر،خجولا يربطني بقـيد متين طويـل،فأمكــث في عش كلبنا المجروح مثله،جامدا في تلك العلبة،أتكىءعلى حائط بارد.
لما تشعشع الملح تحت إبطي..
التقيـت بالبـدر الغالي في رأس الزقاق،كانت سـعـاد شجـرة تامة العروش،طافحـة من رأسها إلى أخمص قدميها بالمجازات الدسمة:ردفها ردف نحلة،على صدرها تببت لوزتان،فمها تفاح وحـزمة نعـناع،قامتها ألف ممدودة،وعندما أسمع أسمع حرف:السين والعين والدال،تنزل النسائم الرطبــة على السفانا فسبحان من صور وأبدع..
….
في الزمن الذي كان،نزلنا إلى منحدر،هناك كان نهرنا ..
هناك كنا نسبـح بين تيارات وخيوط،وحولنا صنوبرات باشــة،أهمـس وأقبل حزمة النعناع،ضفادع تنق كأنها من رهط البشر.سلاحف بضة كأظلاف التين الشوكي تستــرق النظــرإلينا بفضول غريب.ثعابين مائية بفحيحها تنساب بين ساقها وساقي،تريد أن تمنعني من لذة الريق.
أتذكرها وهـي تركض بين الأعشاب حافـية،حـرة كصبية كردية تلوك الساعات ،يعانقها القصـب البري من جهة، تداعبها طيور النغاف المشاكسة من جهة أخرى،قتشع شمس الله على أفاق الله..
وأقول:
-الله..
———————
تغني سـعـاد لي اغنية ما سمعتها أذني منذ ميلادي،صوتها الطروب-المرتب يوخز عظامي،ترقـص لي بين الحشائش الخضراء كالنحلة العربية فتسرقني من عالمي.
طبقة.طبقة..يتعنكب رذاذ الملح على حراشيفها وريشها.
طبقة..طبقة..يسقط القفل والمفتاح في شمعة العشق الكبير.
رشفة..رشفة..يجف لساني الصغير،تتوهج المصابيح النووية في مساحات أحداقي.
غيبوبة/
جبال من الجنون تحفـني/
من فوقي .من تحتي .من أمامي .من خلفي .عن يميني،وعن شمالي .
أهبط..
أعلو..
أطـوف كمتعبد هندوسي حول اللوزتين،
أقترف ذنوبا جميلة،
وفي السحب العاليا تذوب بنت الجارة معي.
———————-
ها أنا أراها..
ترتــدي قفطانا انكشاريا ملونا كل جمعــة،فتقذفني الأرواح المجنحــة بأحجارالواد من كل الجهات،تشج بتؤدة نصف جبهتي،ينبجس سائل يشبه الياسمين السـوري من أديمـي،تأسرني حـلاوة مشــمش عـسلي، وبرتقال،تختلـــط بحلقي.
كنـــت أحضن عــود الخيزرانة الطـري بحـرارة لا توصف،كنـت أعانق فوضى الشعـــراء آنذاك،أهـدم الأسوار والقلاع السلطانية لأجلها،أتكىء على خصلاتها الفاحمة،وأتوسل الآلهـــة،يورق عمري الحجــــري مرة أخرى،تتسـع سعادتي إلى أقصــى حد.
كانت:سمكة حقا..
وكنت: ذكر ” نـــون ” مكلــلا بالأنــوار..
….
هاهو أبو الهول:يمتطي دراجة عادية تعرج على عجلتين مهترئتين،أريد أن أصافح الرجل كي يبيح لي الدخول والخروج إلى قاعة القمح والغلال،لكنه يطردني ببديهته،فلايمد لي يدا.
كان حازما:
مشيته العسكرية الثقيلة ترهب،بصـره مفعم بغازكثيف وحيوي،على شفتيه ندامة غامضة كبطل منهزم او تاجر مخدوع..
يطــرق أبو الهــول،ترتسم مخالب الاسد-البشري على خلايا المعــدن،تفتح سمكتي كالعادة برقة،وعندما تغلق الباب خلفها،تحمل لي النسائم من رفرفة تنورتها الضيقة عطر البنفسج.
….
لو سمع ذلك الوحش صوتها وهي تغني تحت المنحدرات،لوشاهدها،وحبات الملح تغفوعلى خديها،لوعلم أن ألفه الممدودة توسدت نصف صدري ونصف رقبتي،لعصرعظامي في طاحونة الذرة والزيت.
ولكن..اللطيف لطف بعبده .
…..
يا نهرا جفت فيه مياه ومياه..
يا نهرا يبست حوله  صنوبرات وكلمات..
يا أوقاتا فــرت مـن اليدين كنقطة زئبق متمردة.
…..
أتسمعين؟
…..
إلى أين سحبتــك عــقــارب الساعة يا ســعــاد؟
هـــل امتلأ قــلبك بالحنين مثلي؟
—————
النون : المقصود به سمك يسمى بالمغرب الفرخ او السنور”

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *