*محمد أمين الكرخي
حدثان بارزان يعيدان الشاعرة الإيرانية البارزة فروغ فرخزاد إلى دائرة الضوء بعد خمسين عامًا على رحيلها، وفاةُ شقيقتها ومستودع أسرارها الشاعرة والباحثة والمترجمة بوران فرخزاد التي تحولت إلى مرجع أساس في مقالات السير الذاتية عن فروغ، وصدورُ كتاب: “فروغ فرخزاد: سيرة أدبية ورسائل غير منشورة”، للباحثة ميلانه فرزاني أستاذة الأدب الفارسي في جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة. أعاد الكتاب الجدل في الوسط الثقافي الإيراني حول علاقة حب هي الأكثر غموضًا في تاريخ الأدب الإيراني المعاصر. والحديث هنا عن علاقة الشاعرة فروغ فرخزاد بالقاص والمخرج السينمائي إبراهيم كلستان. وضاعف من الغموض وشجع على انتشار الإشاعات والأكاذيب حول العلاقة، الموتُ المفاجىء والمبكّر لفروغ في حادث سير في العام ١٩٦٧. ولاذ كلستان بالصمت والتهرب من تناول العلاقة التي جمعته بالصوت النسوي الأبرز في تاريخ الشعر الفارسي بشقّيه الكلاسيكي والمعاصر، لغاية الحوار الذي أجراه معه الناقد السينمائي الإيراني برويز جاهد، والذي حمل عنوان:”الكتابة بالكاميرا”، الذي كشف عن جانب من علاقته بفروغ. لكن القيمة الأساسية لكتاب الدكتورة فرزانه ميلاني تكمن في الوثائق التي تعرضها، وهي رسائل بخط يد فروغ قال كلستان بعد صدور الكتاب إنه هو من زوّد ميلاني بها، يضاف إلى ذلك الحوارات التي أجرتها الباحثة هاتفيًا مع كلستان المقيم في لندن على مدى أربعة عشر عامًا. إذ استطاعت أن تستنطقه في تفاصيل لها أهمية كبرى للباحثين في المسار الشعري لفرخزاد:
تقول فروغ في قصيدتها “لنؤمن ببداية فصل البرد”:
“انظر كيف صلبتْ، هنا، على أعمدة الوهم
روح من نطقت بالكلام
وعزفت بالنظر
وتخلّصت بالرأفة من شغب الموت
وكيف بقي على خدّها أثر أغصان كفك، الخمسة
الشبيهة بأحرف الحقيقة الخمسة”.
– ما قصدها؟
– لقد كتبت ذلك باللغة الفارسية، لا بد أن يكون كلامها مفهومًا.
– ماذا قصدت؟
– قصدت أن هناك أثرًا للأصابع الخمسة بسبب صفعتك.
– هل كنتَ تصفع فروغ؟
– صفعتها مرة واحدة، مرة واحدة فقط.
تغير جذري
وفي جانب آخر من الحوار تستفسر ميلاني عن قصيدة “وردة حمراء” التي وصفها النقاد الإيرانيون بالقصيدة الأكثر جرأة في الشعر الفارسي:
في قصيدة الوردة الحمراء تتحدث فروغ عن الحمل، إلى أين انتهى موضوع حملها؟
لم ترغب أن يصبح لها طفل، كانت ترغب وترفض بعض الأمور في آن واحد.. تنفذ بعضها وترفض بعضها الآخر.. كانت لا ترغب في إجراء عملية تجميلية لأنفها لكنها فعلت ذلك.
على غرار قصائدها ـ لا تغيب العفوية والجرأة في التعبير عن المشاعر والأفكار والخروج عن السائد معظم أجواء الرسائل الثلاثين التي يتضمنها الكتاب، سواء الرسائل الخمس عشرة التي كتبتها لإبراهيم كلستان أو الرسائل التسع التي كتب.
وقد آلت العلاقة التي جمعت فروغ بالقاص والمخرج الإيراني إبراهيم كلستان إلى تغير جذري في حياتها، وفي اتساع فضائها الاجتماعي والثقافي. وكان لها الأثر الكبير في التحول الفكري والمعرفي لفروغ، وهو ما يمكن برهنته بسهولة من خلال القصائد التي كتبتها الشاعرة منذ علاقتها بكلستان.
الشاعرة التي قدمت للأدب الفارسي نوافذ جديدة وكتبت قصائد مكشوفة عن الذات، تضافر مشروعها الشعري مع أسماء كبيرة في الفكر الحداثي الإيراني في أولوية وأصالة المشاعر والتجارب الشخصية، على أن الرسائل التي تكشف عنها ميلاني تقدم إضافة كبيرة لدارسي قصيدة فروغ، فهي تتناول فترة النضج الفكري والمعرفي لفروغ، على خلاف رسائلها إلى زوجها ابرويز شابور، والتي صدرت بعد أعوام من رحيلها تحت عنوان “أولى نبضات قلبي العاشقة”. إذ تظهر وكما عبّرت في عنوان مجموعتها الشعرية الأولى:”أسيرة” مقيدة بمجتمع محافظ يحكمه النفاق وازدواجية الشخصية، فيما يطغى في رسائلها في الإصدار الأخير الاحتفاء بالحرية التي حرمت منها داخل إيران والتحرر من الضوابط والقيود التي فرضها عليها المجتمع.
البيت الأسود
في رسائلها الموجهة إلى إبراهيم كلستان تكشف فرخزاد عن رؤية عميقة وآراء ناضجة عن الفن السابع، إذ أتاحت لها رحلتها إلى إيطاليا في العام ١٩٦٥وبدعوة من مهرجان سينما المؤلف في “بيزارو” لعرض فيلمها “البيت الأسود”، أن تشاهد عددًا من الأفلام وتدون تقييمها للأفلام والممثلين لحبيبها الذي طور مهاراتها في التمثيل والإخراج:
“حبيبي المدلل أكتب إليك هذه الرسالة من “بيزارو” التي وصلت إليها يوم أمس، وأقيم الآن في الفندق ذاته الذي سبق لك أن أقمت فيه. مكان مرعب وبارد ومهجور، يتعب المرء مثل أيام العطل، دون فكرة أنك أقمت هنا، ودون هذه النافذة المشرعة على البحر ولو أنني لم ألتق ببيرتولوتشي هنا، من المؤكد أنني لم أكن قادرة على البقاء هنا وكنت سأعود فورًا. حينما هبطت من القطار كان سيارة الأجرة بانتظاري. ومع مجموعة أخرى وصلت الى الفندق مباشرة. أمس أقيم حفل الافتتاح، قبل عرض فيلم الافتتاح، كدت أشعر بالاختناق في الدهليز، أينما أدرت وجهي كان هناك الشعور بالغربة والوجوه الهرمة والثرثرة والقبعات العجيبة والتسريحات المثيرة للدهشة والانهماك الفج بتناول الطعام.. لكن ذات لحظة وقع بصري كما الآخرين على برتولوتشي، حينها بدأت أشعر بالارتياح. بدأ الافتتاح بعرض فيلمين؛ قصير من هولندا وطويل من البرازيل. كان الفيلم الهولندي جيدًا للغاية، صحيح أنه لم يقدم جديدًا، لكن كانت تطغى عليه سمة البراءة. أما الفيلم البرازيلي فكان عبارة عن فضيحة بما للكلمة من معنى. تعاطفت مع مخرج الفيلم، لقد هلك نفسه من أجل أن يقدّم رؤية كونية. علاقة مألوفة بين امرأة ثرية متزوجة مع كاتب شاب فقير، ساعتان من الجدال والخصومة والنقاش حول لا شيء حول امرأة بائسة (وبؤسها يكمن في حساباتها) تسعى إلى الحفاظ على الثروة، ورفاه موقعها العائلي وعلى غرامها خارج الإطار العائلي. ومن الصدف أنها كانت تجلس جنبي، لا يمكنك أن تتخيل كم أنها كانت سيئة في أداء الدور. كان انتباهها مشدودًا إلى الكاميرا، ونظرتها تنحرف عن المحور، كانت تسير مثل تمثال، وكانت تنتشر على السرير كمثل خميرة. كنت غاضبة منها إلى حد أنني لم أقوَ على النظر إلى معطفها. بعد العرض، ذهبت مع برتولوتشي وزوجته التي كانت في منتهى اللطف إلى نادٍ ليلي. والتحق بنا الهولنديون، وتعرفت إلى المخرج الذي تم عرض فيلمه، كان خجولاً إلى حد أنه لا يرفع نظراته عن الطاولة، ويتحدث الإنجليزية بلهجة هولندية غليظة. ومن أجل أن أفهم حديثه استعنت بهولندي كان هو الآخر يتحدث الإنجليزية بلهجة هولندية غليظة. على العموم لم تكن أمسية سيئة.
حين عدت إلى الفندق لا يمكنك أن تتصور الشعور الذي انتابني، مثل الأطفال اليتامى، كنت أفكّر طوال الوقت بأزهار عباد الشمس. ترى كم نمت؟
اكتب لي، اكتب لي مباشرة حين تتفتح. قلبي يبحث عن شخص يمكنني أن أحدثه عنك. شخص يعرفك ويتفهمك مثلما أعرفك وأفهمك. لو لم يكن الهواء باردًا هنا لذهبت إلى البحر واستلقيت على الأمواج وأجهشت بالبكاء. أحبك أفديك، أحبك. أريدك. أريدك بجلدي حين أتربع على السرير أنتظر أن تجاور عيناك عيني، لكن بياض الملاءة يحتل نظرتي”.
ولعل ملاحظاتها عن فيلم و”داعًا إفريقيا” للمخرج الإيطالي غوالتريو جاكوبتي تكشف عن البعد الإنساني وتضامنها مع الضحايا بعيدًا عن شوفينية كانت تحكم مجايليها من المثقفين الإيرانيين.
من آخر رسالة كتبتها الشاعرة من روما ومؤرخة في السابع والعشرين من مايو/ أيار 1966، تكتب فروغ:
فيلم “وداعًا إفريقيا” تحفة سينمائية، لأنه استطاع أن يوثق بحياد ونظرة ثاقبة لحظة تاريخية من حياة شعب.. تتحول السلطة إلى شيء قذر إن لم تقترن بالضمير الحي. إفريقيا بالنسبة لنا هي الأخبار التي نقرؤها في الجرائد. لكن مواجهة الحقيقة، كما قد وقعت في الكونغو، خارج قدراتنا ولا نقوَ على استيعابها. طريق يمتد آلاف الأمتار مملوء بالجثث. جثث متعفنة، رجال ونساء وأطفال وحيوانات آكلة الجيف وفرق الإعدام الجمعي، حالات إعدام دون محاكمة، مجازر جماعية، عمليات سلب، وابل من الرصاص”.
ولم يسلم لا إبراهيم كلستان ولا المؤلفة فرزانه ميلاني، من النقد الحاد، وكان من المتوقع اتهامهما بانتهاك الخصوصية. في حديث مع الصحافة الإيرانية وقبل رحيلها بأيام وصفت الشاعرة بوران فرخزاد الكتاب بالتجاري الذي يهدف إلى الربح المالي.
الشاعرة وأبوها
لكن الكتاب الذي حال صدورُه في الولايات المتحدة دون الوصول إلى القارىء الإيراني داخل إيران، وهو بذلك يبتعد عن أي فرصة لتحقيق مكاسب مالية، يكشف فصولاً جديدة ليس فيما يرتبط بعلاقة فرخزاد بكلستان فقط، وإنما بالعلاقة الملتبسة والشاقة التي جمعت بين فروغ ووالدها الكولونيال محمد فرخزاد، علاقة بقيت متراوحة إلى اليوم الذي فارقت فيه فروغ الحياة في حادث سير. الحرص على التعبير الحميم عن مشاعر المحبة التي تكنها دون غياب عتب شديد على سلوك الأب، والسعي إلى إقناعه بدوره الكبير في سوء التفاهم الذي آلت إليه العلاقة بينهما وترك أثرًا نفسيًا كبيرًا على حياتها، بدءًا من زواجها الفاشل الذي انتهى بالطلاق وفراقها عن ابنها، ومرورًا بأكثر من محاولة للانتحار. ولا تخفي الشاعرة أن إقامتها مع أخيها أمير مسعود في ميونخ، قد ساعدها كثيرًا في فتح مسارات للعلاقة مع والدها، تقييم ما حدث بلغة مهذبة وبأدب جم دون أي تنازل عن كرامتها:
“كلما صممت في قرارة نفسي أن أكتب رسالة لكم، تساءلت عن ماذا يمكنني أن أكتب وبأي شيء يمكنني أن أملأ المسافة بيني وبينك، لا يروق لي أن أكتب: أنا بخير وبسلامة تامة، كيف حالكم وماذا تفعلون. في هذه الأيام. يروم قلبي أن يكتب لكم عن حياتي برمتها، عن كل الأحاسيس والآلام والتعاسة، لكنني لا أستطيع كتابة ذلك. فحينما نستعرض المنظومتين الفكريتين المختلفتين والفضاءين الاجتماعيين المغايرين والمحكومين بظروف مختلفة، كيف يمكن حينها أن نخلق حس التفاهم المشترك، إن شرعت أتحدث عن هذا الموضوع، فلا شك في أنني سأضع كتابًا في هذا الصدد، وخشيتي أن يؤلمكم كلامي ولا يروق لكم. لكنني لا أستطيع في نفس الوقت أن أشعر بالرضا والطمأنينة إن كتمت هذا الكلام في صدري. يهمني أن تكون لي شخصيتي حين أراكم، لا يمكن لي أن أكون كائنًا لا يبتسم ولا ينطق. كائناً خانعاً يجلس في ركن من البيت. معاناتي الكبرى تكمن في أنك لم تعرفني قط ولا ترغب في أن تعرفني”.
حب بلا ميوعة رومانسية
يعيد هذا الإصدار، الذي هو ثمرة بحثٍ دام عدة سنوات، التقت خلالها الباحثة بعشرات الأشخاص من المقربين لفروغ من الأهل والأصدقاء، تكريس صورة فرخزاد كمثال لشاعرة كان الحب دائمًا نواة شعرها، دون ميوعة رومانسية، ودون تنازل عن أحقية الشاعرة في التعبير عن أحاسيسها وأفكارها بلغتها الخاصة بها، غير المستعارة من الصوت الذكوري الذي ساد في الشعر الفارسي. لقد أرادت فروغ فرخزاد أن تقدم الحب كتجربة شخصية، متمردة على الحب السائد الذي لم يكن سوى مقولة نمطية كرّسها الشعر الكلاسيكي، وكان لها أن تدفع ضريبة كبيرة على هذا التمرد، أن تذمرها من احتقار شريحة واسعة من المجتمع لها، ينعكس جليًا في عدد من قصائدها بما في ذلك قصيدتها إلى ابنها “كاميار” الذي فقدت حضانتها له بعد انفصالها عن زوجها الكاتب الساخر برويز شابور:
“كنت تلك المفجوعة المقترنة بالفضيحة والعار
الهازئة من الكلام اللاذع
قلت فلأكن صدى كينونتي
لكنني واأسفاه امرأة كنت
عندما تقع نظرات عينيك البريئتين
على هذا الكتاب
المبعثر الذي لا بداية له
سوف ترى التمرد المتجذر للعصور مزدهرًا في كل صوت وأغنية”.
لقد أدركت فرخزاد أن النسيج الاجتماعي مشيد على الكذب والخداع والفساد، إلا أن ذلك لم يحبط عزيمتها في محاربة الجهل والاستغلال. وكما كتبت الباحثة الإيرانية روح إنكيز كراتشي في كتابها المعنوان “فروغ فرخزاد”، فإن قصائد فرخزاد تتضمن رؤية فيمنستية منحصرة بها وغير ذات صلة بالخطاب الفمنيستي الذي ساد في إيران منذ منتصف القرن الماضي.
لقد ناضلت من أجل أن تمتلك جسدها وأن يكون لها الحق في انتخاب مشاعرها والتعبير عنها، أن يكون لها الحق أيضًا في الكرامة الإنسانية والحقوق المدنية. ومن المفارقات أن تخضع ترجمة فرخزاد إلى العربية للكثير من التحوير التعسفي والتصرف في قصائدها بناء على سياسة التزمت التي لا تسمح لصوتها أن يصدح في فضاء الثقافة العربية حتى بعد مرور نصف قرن على رحيل الشاعرة.
وردة حمراء
وردة حمراء
وردة حمراء
وردة حمراء
هو اقتادني إلى مزرعة الورود الحمر
في الظلمة علق على جدائلي المضطربة وردة حمراء
ثم ضاجعني على وريقة وردة حمراء.
أيتها الحمائم الكسيحة
أيتها الأشجار اليائسة الساذجة
أيتها النوافذ العمياء
تحت قلبي،
بين حنايا خصري
ثمة وردة حمراء تنمو
حمراء كبيرق سامق يوم قيامة
آه، حبلى أنا حبلى، حبلى.
مقاطع من رسائل فروغ
حبيب قلبي وروحي، هذه آخر رسالة أبعثها إليك من روما. غدًا سأغادر عبر رحلة جوية، لا يمكنك أن تتخيل حجم سعادتي وأنا أتجه إلى مكان كنت تعيش فيه، شعور يخفف عني الإحساس الثقيل بالغربة، كان لي شعور مماثل حين كنتُ في شيراز. حينما كنتُ أسير في شوارعها، كان يتملكني شعور بأنني أرافق طفولتك وصباك، وحين كنت أشم الهواء، كنت أشعر أنني أستنشق أنفاسك الغالية، وكانت عيناي تلاحق ذكرياتك فوق الأبواب والجدران وتعود راضية. فديتك، فديت قامتك ووجودك، فديت الشعر الأبيض خلف رقبتك، فديت بؤبؤي عينيك الحائرين، فديت حزنك وسرورك. ما أنت الذي لا يمكنني أن أهدأ دونك؟ يكفيني أثر قدمك على التراب يكفيني ذلك، يكفيني كي أثق بك كي أقف، كي أكون. يكفي أن تناديني فروغ، فأولد ثانية وتولد معي العصافير والأشجار.. أحبك، أحبك، ولا طاقة لقلبي الصغير بكل هذا الحب.
***
آه فديتك يا حبيبي، قلبي يتوق إلى وجودك في غرفة نومي، يتوق إلى تلك الظهيرات المنعشة وأحلام الظهيرة المذهلة، قلبي يروم جسدك العاري ملتصقًا بجسدي العاري، ترى هل سيتحقق حلمي وأراك مرة أخرى، وأقبّل شفتيك؟
***
فديت شفتيك العزيزتين، فديت عينيك العزيزتين، فديت ربّاط حذائك.. كم أحبك، كم أحبك، كم أحبك.
***
حبيبي، لماذا مليء هو العالم بأشياء مرعبة؟ بعداوات مرعبة؟ باحتياجات رهيبة؟ بكل هذه الأمراض والجنون؟ أمس، هنا في ميونخ، شنق رجل نفسه بسبب عطل في جهاز تلفازه أثناء مشاهدته مباراة كرة قدم جمعت المنتخبين الألماني والسويسري، ولأنه لم يعد قادرًا على متابعة اللقاء قام بتحطيم التلفاز ثم شنق نفسه. بالنسبة لي كان هذا الخبر عجيبًا للغاية. لقد صارت الحياة مرتبطة بهذه الرغائب الضحلة، وصارت هذه الرغائب رغم ضحالتها مصيرية وصعبة المنال.. فديتك.أنا التي أحبك.. أنا التي أحبك.. لن أضيف شيئاً آخر، إذ إن صحتي متدهورة للغاية.
نتواصل غدًا
أقبّلك
فروغ.
-
عنوان الكتاب: “فروغ فرخزاد: سيرة أدبية ورسائل غير منشورة”
-
المؤلف: للباحثة ميلانه فرزاني