الراقصات

خاص- ثقافات

*محمود شقير

       نشاهد شريط الفيديو عدة مرات، فلا نزداد إلا انبهاراً بتلك الفرقة الراقصة التي تضم سرباً من أجمل النساء، لهن أجساد متأودة كأنها سهول فسيحة تحدّها هضاب، نراقبهن في كل حركاتهن دون ملل، فيطير منا اللب ولا يهدأ البال، ونقول للقوم من حولنا: كيف تطيب لنا الحياة ومثل هذا السرب اللذيذ من النساء بعيد عن متناول أيدينا، ونقول: لا بد من حلّ لهذا المأزق القتّال.

       بعض المرجفين ضعاف القلوب من قومنا الذين كانوا سبب هزائمنا في كل المعارك التي خضناها، يزعمون أنهن لن يأتين إلينا تاركات وراءهن كل هذا المجد الذي لديهن والرفاه، نقول على الفور: نرفّه عنهن مثلما شاءت لهن أمزجتهن، ونجري الخمرة الرقراقة أنهاراً من تحت أقدامهن، ولا نستطيع التلبث والانتظار، ونقول: لا بد من الإتيان بهن في مثل لمح البصر، وإلا فما قيمة جبروتنا الذي نباهي به كل الأمصار. المرجفون يقولون لماذا لا نوجه لهن دعوة كالمعتاد لإحياء عدة حفلات نتفق على تفاصيلها ونوفر بذلك على أنفسنا فيضاً من النفقات، فلا نطيق الاستماع إلى مثل هذه الترهات، نقول: هذا تضييع للوقت في سفاسف الحسابات، ولا بد من ذهاب رجالنا الآن لجلب الفرقة فوراً رغم بعد المسافات، وبغض النظر عن فداحة الشروط، فنحن ندفع المال من أجل الجمال دون تهيب أو وجل.

       ينطلق رجالنا الغرّ الميامين لتنفيذ المهمة العاجلة. يغيبون عنا يوماً أو بعض يوم، ثم يعودون ومعهم سرب الجميلات، تخضل عيوننا بدموع الفرح، نقيم على شرفهن أعرق الاحتفالات، نرتب لهن المسارح في كل المدن، يعتلينها هائجات مائجات، وبين الرقصة والأخرى نختلي بهن غير آبهين بذاك المرض الخبيث الذي أكثروا الحديث عنه في الصحف والإذاعات، فنحن على أية حال، نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل الشروع في أي فعل من أفعالنا، ولا ننسى أثناء ذلك وقبله وبعده أن نُسمعهن – لتحسين السمعة وتعزيز المكانة – أظرف كلام في باب الغزل.

       نصحو فجأة من سكرنا على أمر جلل، فبعد التدقيق والتمحيص والمقارنة، نكتشف أن الراقصات اللواتي جئن إلينا إنما هن عشرة، وعلى الشريط ثمة إحدى عشرة راقصة، ثم نرى رأي العين أن الراقصة الحادية عشرة هي الأكثر جمالاً بين زميلاتها الراقصات، نُجري تحقيقاً في الأمر دون إبطاء، يفيد رجالنا – الذين لا هم غرٌّ ولا هم ميامين – أن هذه الراقصة قد رفضت من دون الراقصات المجيء إلينا، ثم اختفت بشكل مفاجىء تحسباً مما هو آت، نسجل ذلك على أنه تصرف غير مستطاب، نتألم لأن العالم مليء بمثل هذه المنغصات، ونقول لا بد من العثور على هذه الراقصة وجلبها إلى ميدان فعلنا، فنحن في نهاية المطاف لا نجهل مراتع مثل هذا الصنف من النساء.

       نجوب العالم كله، نتعرف أثناء ذلك على الكثيرات، غير أننا ما نزال نجدّ في البحث – تملأنا المرارة – عن تلك المرأة اللغز بالذات.

_________

*روائي وقاص فلسطيني.
من مجموعته “صمت النوافذ”/قصص قصيرة جداً/ منشورات الأهالي/ دمشق/ 1991

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *