هل انتحل يوسف زيدان «عزازيل» من «هيباتيا» الانكليزية؟

*القاهرة- محمد عبد الرحيم

«أنا لم اقرأ أصلا قصة الواعظ الإنكليزي، ولو كانت روايتي مسروقة من كاتب إنكليزي لما كانت قد تُرجمت إلى قرابة ثلاثين لغة، وكتبت عنها كبريات الصحف الإنكليزية، مادحةً إبداعها الأدبي، ولما كانت ترجمتها الإنكليزية قد حصلت على جائزتين أدبيتين في إنكلترا، ولما كان قرابة أربعين باحثاً في أنحاء العالم يُعدّون عنها اليوم رسائل الماجستير والدكتوراه، منها ما نوقش فعلاً ومنها ما هو قيد الإعداد حالياً» (من رد يوسف زيدان عبر حسابه على فيسبوك).
يبدو أن رواية «عزازيل» لمؤلفها يوسف زيدان ــ الصادرة عن دار الشروق في القاهرة عام 2008، والفائزة بجائزة البوكر العربية عام 2009 ــ لن يهدأ الجدل حولها، بداية من استحقاقها كل هذه الحفاوة وهذه الشهرة لكاتبها، ثم المعارك التي خاضتها الكنيسة المصرية ضد الرواية بسبب موضوعها الشائك، وأخيراً اتهام زيدان بأنه انتحل الرواية عن عمل آخر. هذه الاتهامات ليست الاتهامات الأولى للرجل، وما تكاد تخمد ونشهد نهاية معاركها على صفحات الصحف، إلا وتُثار ثانية وفي قوة أكثر حجة ووضوحاً.
الأمر اللافت الآخر أن موجات مهاجمة زيدان لا نستشعر أن في معظمها محاولات لاستجلاء الحقائق، قدر ما هي مجرّد تصفية حسابات بين الكاتب وخصومه. فالأمر في النهاية متروك للقارئ وحده بمقارنته هذا النص أو ذاك، وما هذه المعارك في مجملها ــ بغض النظر عن صحتها من عدمه ــ ما هي إلا تعبير عن الحال المتدني لكافة مجالات الحياة في مجتمعاتنا الجليلة.

جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ

تحت هذا العنوان جاء مقال القمص عبد المسيح بسيط الذي نشر في جريدة «صوت الأمة» المصرية في تاريخ 24 مارس/آذار 2009، حيث يقول بسيط «كتب الإنكليزي تشارلز كينغسلي في عام 1853 رواية بعنوان «أعداء جدد بوجه قديم»، والمعروفة أكثر باسم «هيباتيا»، التي ترجمها عزت زكي إلى العربية بعنوان «هايبيشيا» ونشرتها دار الشرق والغرب في الستينيات. وتتكون شخصياتها الرئيسية من بطل الرواية، وهو راهب من وادي النطرون يسمى فليمون ومن البابا كيرلس عمود الدين بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين، والفيلسوفة المصرية ذات الأصول اليونانية هيباتيا. وتدور وقائعها وشخصياتها حول أحداث العنف التي سادت النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، وهي الفترة التي تلت إعلان المسيحية ديانة للإمبراطورية الرومانية الرسمية سنة 391 ميلادية، والتي كان فيها البابا كيرلس عمود الدين بطريركاً للإسكندرية. وهي فكرة يوسف زيدان نفسها، سواء من جهة الشخصيات الرئيسية.. الراهب والبطريرك وهيباتيا، وتتكلم عن الأحداث نفسها، ولكن كل حسب توجهه وأسلوبه، أي أن زيدان قرأ هذه الرواية واستعان بها وكانت وحيه الأول وإلهامه في كتابة روايته، فأخذ عنها فكرتها الجوهرية وأبطالها الرئيسيين، ولكن ليس حسب التاريخ الحقيقي والوقائع الموثقة، بل حسب فكره هو.

حديقة غويتسولو

وفي أغسطس/آب عام 2009 ــ عام فوز «عزازيل» بجائزة البوكر العربية ــ يكتب الروائي رؤوف مسعد في مدونته (رؤوف مسعد وكُتب الآخرين) عن وجه التشابه الكبير بين «عزازيل» يوسف زيدان، و«أسابيع الحديقة» للروائي والكاتب الإسباني خوان غويتسولو، بداية بالمفتتح في كل من النصين، «وجاء صاحب الخان إلى الراهب فسلمه بعض الأوراق قائلاً إنه عثر عليها في بطانة الحقيبة التي وجد فيها قصة «الفضولي الوقح»، وبما أن صاحبها لم يعد، فليأخذ تلك الأوراق جميعا، خاصة أنه لا يُحسن القراءة ولا يريد الاحتفاظ بها. شكره الراهب، وحينما فتح الأوراق في ما بعد، رأى أن بداية المخطوط تعلن «قصة رينكوتي وكورتاديو»، فأدرك أن الأمر يتعلق بقصة، واستنتج أنه بما أن قصة الفضولي الوقح جيدة فهذه بدورها ستكون كذلك لأنها من المحتمل أن تكون للكاتب نفسه». ثم نأتي لمفتتح نص «عزازيل» في الفصل المعنون بـ «مقدمة المترجم»: «وقد وصلتنا هذه الرقوق وما عليها من كتابات سريانية قديمة/آرامية بحالة جيدة… كذلك هذا الصندوق الخشبي محكم الإغلاق، الذي أودع فيه الراهب المصري الأصل (هيبا) ما دونه من سيرة عجيبة وتأريخ غير مقصود لوقائع حياته القلقة وتقلبات زمانه المضطرب. وكان الأب كازاري يظن أن الصندوق الخشبي المحلى بالزخارف النحاسية الدقيقة لم يُفتح قط طيلة القرون الماضية، وهو ما يدل على أنه لم يتفحص محتويات الصندوق بشكل جيد». وحسب قول رؤوف مسعد إن القارئ سيجد الكثير من التشابه بين النصين.. كالنص الأصلي الذي تم العثور عليه، شخصية الراهب الذي أعطاه صاحب الخان في حديقة «غويتسولو» أو الأب كازاري في «عزازيل» هذا المخطوط، وقيام الراهب في كل من النصين بتدوين هذه الرقائق أو المخطوط.

تطابق وليس تشابها

ويرى الروائي التونسي كمال العيادي في حواره المنشور في جريدة «فيتو» المصرية في تاريخ 19 يوليو/تموز 2014 أن عزازيل «مسروقة نصاً وموضوعاً من رواية («أعداء جدد بوجه قديم» New Foes with an Old Face) للكاتب الإنكليزي تشارلز كينغسلي، المنشورة عام 1853 والمشهورة باسم رواية «هيباتيا»، ويضيف العيادي، المدهش أن التفاصيل والبناء وحتى الحوار منذ بداية الرواية وحتى خروج الراهب هارباً من الإسكندرية منقولة نصاً من رواية كينغسلي، فكل من الروايتين متشابهتان في كل شيء، الشخوص أنفسهم، الإطار المكاني والزماني والأحداث نفسها، كل شيء في رواية «عزازيل» يطابق رواية «هيباتيا»، لم يزد عنه إلا المخطوط السرياني الذي أضافه عليها.

بين كينغسلي وأمبرتو إيكو

وأخيراً وليس آخراً تأتي منذ أيام تصريحات علاء حمودة على موقع (العربية نت)، الذي قاضاه يوسف زيدان هو والموقع عن هذه التصريحات، إذ يذكر حمودة قائلاً: «إن (عزازيل) بداية منقولة حرفياً من رواية «أعداء جدد بوجه قديم» منتصف القرن التاسع عشر لتشارلز كينغسلي، والمعروفة باسم «هيباتيا»، والجدل يدور حول الموضوع، على الرغم من أنه ليس جديدا ولا من اكتشافي، بل أثير عدة مرات من قبل، فهو في الواقع لم يسرق «هيباتيا» فحسب، بل سرق رواية أخرى هي «اسم الوردة» للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو مطلع الثمانينيات، وبينما تدور أحداث «عزازيل» حول الراهب المصري (فيلمون) الذي سافر من وادي النطرون للإسكندرية كي يحضر ويستمع لمحاضرات «هيباتيا»، على الرغم من مقت بطريرك الكنيسة لها، لعدم إيمانها بالمسيحية ومؤامرة يهود الإسكندرية على المعلمة التي تقتل والراهب الذي يفر، وهو يبحث عن اخته المفقودة، ويبقى الفارق هو هروب الراهب للصحراء والإقامة في دير حتى رئاسته، بينما يفر الراهب هيبا بطل رواية زيدان للشام في رحلة أخرى. تأتي «اسم الوردة» التي تحكي عن مأساة القرن الرابع عشر المسيحي، حيث الصراع بين البابا واﻻمبراطورية، والصراع بين الطوائف المسيحية نفسها، والصراع بين الطوائف وبين الحركات الإصلاحية، في إطار بوليسي، في أحد أديرة شمال إيطاليا التابع للرهبنة البنديكتية. وقد مزج يوسف الروايتين مزجاً، وخرج علينا بـ«عزازيل» وإن كان حافظ على معظم الشخصيات والحبكة والأحداث الخاصة برواية «كينغسلي». وفي الأخير يقول حمودة، لقد كان رد يوسف زيدان على الاتهام بأن ذكر أنه لم يقرأ رواية كينغسلي ولا يعرف عنها شيئاً، ولكن كذّبه حوار قام بتسجيله بنفسه في وقت سابق، أقر فيه بقراءة الرواية وانتقدها كذلك نقداً لاذعاً، في مجلة «روزاليوسف»، عدد السبت 21 مارس/اذار 2009.
________
*المصدر: القدس العربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *