املأني حبًا

خاص- ثقافات

*ميساء البشيتي

جحافل البؤس تغزو عينيك، رنة الحزن توالي عزفها المنفرد على أوتارك الصوتية؛ بعد أن فردت بومة الشتاء غيماتها السوداء على ملامحك  وتقاسيم يومك؛ فغاب بريقها وسكن نهارها وذابت حبيبات الندى عن براعمها الخضراء.
حاولت اختراق  كل هذا الغيم الذي يلفك ويطبق عليك الحصار ومددت إليك يدي لكنها لم تصل! كيف وأنا النخلة الباسقة منذ آلاف السنين، ترقى بهامتها نحو سابع سماء، تخترق بجذورها حدائق التاريخ، تلتف بفروعها الغضة فتحتضن جميع فصول الشتاء لم أستطع أن أحتضن غيمتك وأمسح ضبابك وأصل إليك بقوافل النجاة؟!
تَقبَع  في ظل غيمة حالكة السواد، هبَطت عليك قدرًا وقضاء، شرعَت نحوك سهامها فرفعت إليها يديك العاجزتين تُرسًا يقيك وابل الطعنات. تلقي إليك سهامها وأنت تستدير بكل الاتجاهات وتلتف حول نفسك مئات المرات لكنها تطبق عليك بفكيِّها لا تبتغي غيرك مرمى  للأهداف.
كُنتُ في أمسي القريب البعيد عن عيون الظلام أعيش حالة حب مع الشمس، كانت تأتيني كل صباح فأغازلها وتغازلني ونتبادل معًا أحاديث الغرام، أسكنها وتسكنني، أتدثر بجدائلها كلما هبت ريح غدر من شرفات الجوار، أداعب خصلاتها الذهبية عند كل عتمة تداهمني فتضيء ليلي ليغدو فجرًا باسمًا مشرقًا بكل اللغات.
اليوم شمسي أشاحت بوجهها عني خجلة، عاجزة، مستكينة، مستسلمة  لهذا السواد.
شمسي لا تخونني، لا يسكنها الجبن، لا يعتري ضوءها الخوف، لا يمزق خيوطها فتك السهام. لكنني أنا لم أعد أجيد غزل أطواق الغرام وتذويب حروف العشق  في قهوة المساء؛ فحزنك أصبح يملؤني، يسري في دمي وعبر شراييني فيملؤها بالسواد.
قلبي اليوم بات مفرغًا من نسمات العشق ونبضات الغرام فأنا في حزنك الذي يحتلني صيفًا وشتاءً  فقدت بوصلتي وتهت على أبواب الشمس.
املأني حبًا أيها المجروح بسكاكين الدهر،
المطعون بآلاف الطعنات من الظهر، المسكون بالحزن والبؤس والشقاء والقهر؛ حتى تأتيني شمسي غدًا فأرفع عنك غيمتك والحصار.
املأني حبًا أيها العاجز عن التقاط الأنفاس، المطعون، المجروح، المخذول  المقهور، المسكون بالحزن، المدميّ بآلاف الطعنات؛ فأنا من دون  حبك قبر خاوٍ: لا يسري في عروقه إلا  السواد، ليس لديه أجنحة ليحلق بها ويلتحق بقوافل العشاق.

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *