عندما صفع الباب سمع زوجته تقول فى صوت واضح ، يبدو أنها حرصت هذه المرة أن يسمعه جيدا : روحة بلا رجعة . فكر أن يعود على الفور ويصفعها على وجهها ، لكنه تراجع ، فكر لأول مرة بجدية ألا يعود إليها ، تلك العجوز الشمطاء ، العجوز التي تزوجها لعلها تنشله من حياة الفقر التي قهره منذ مولده .
نزل من البيت الكائن على أطراف المدينة ، المعتمة الآن بعد قطع التيار الكهربائى والذى سيستمر لثلاث ساعات طبقا لجدول انقطاع التيار المعلن على القناة المحلية ، كانت الساعة الثامنة مساء ولم يسبق له أن نزل من بيت الشمطاء فى مثل هذا الوقت، حاول أن يهتدى إلى موضع خطوه عبر أضواء النجوم القليلة المتناثرة فى السماء البعيدة ، لمح من مسافة غير بعيدة ضوءا ، لعله كشاف يدوى أو مصباح سيارة متوقفة ، عندما اقترب وجد مقهى مضاء بماكينة تدار بالبنزين، كانت الماكينة تصدر صوتا مزعجا، مما جعله يعدل عن فكرة الجلوس فى المقهى ، لكنه لام نفسه ، فهو يعرف هذا الشارع جيدا ، كيف له أن لا يرى هذا المقهى من قبل ، فكر أن يعود ويتحقق من الأمر، ساوره الشك اذا ما كان ما يراه الآن حقيقة أم خيال ؟ خطر له أنه مكان مسحور وليس هناك من مقهى ، ربما خطر له ذلك بتأثير قراءته هذه الأيام فى كتاب ألف ليلة وليلة، وحكايات السحر، كل هذا بسبب العجوز الشمطاء، شعر بأن هناك من يتعقبه ، تخيل زوجته وقد سحرت كلبة أو صفدعة تتعقبه فى الطرقات باحثة عنه ، التفت وراءه فى وجل ، ربما تتحقق أمنيته، فلم ير شيئا سوى الظلمة الخانقة ، شعر بسخونة فى قدميه ، ثم شعر بهذه السخونة تسرى فى جسده وتصعد الى وجهه ، تذكر نفسه وهو صغير يخاف الظلمة والعفاريت، فضحك فى نفسه وقال : أتخاف يا ولد وأنت تقترب من الخمسين ؟ لكنه بدأ يشعر حقا بالخوف ، فكر أن يعود إلى البيت ويعتذر لها ، لكنه خشى أن تغلق فى وجهه الباب ولا تسمح له بالدخول ، فكر أن يعود إلى المقهى ويجلس هناك إلى أن تعود الكهرباء فى الحادية عشرة ، إلا انه لم يفعل شيئا من هذا أو ذاك ، وقف حائرا وسط الطريق،وانتابه شعور بإنه على وشك السقوط على الأرض ، ربما يصاب بغيبوبة السكر فيسقط وسط الظلام ،و تأتى الكلاب و تنهشه ، و يصير عنواناً لمانشيت الصحف: رجل تطرده زوجته وسط الظلام ، فيسقط ميتاً فى الطريق ، الكلاب الضالة تنهش جثة رجل وسط الظلام ،عند هذه اللحظة سقط الرجل بالفعل و لكنه لم يسقط مغشياً عليه كما توقع ، سقط الرجل فوق مقعد وجده على جانب الطريق ، من الواضح أنها محطة حافلات ، جلس وأسند ظهره للمقعد و راح فى غفوة على الفور دون أن يأبه به أحد من المارة أو حتى من جاء و جلس بجواره .
عندما صحا من غفوته لم تكن الكهرباء قد عادت بعد ، و لكنه وجد بجواره كلباً ، كلب يجلس بجانبه فوق المقعد ، جفل قليلاً و أقشعر بدنه ، وعند ذلك خطر فى باله أن هذا الكلب ليس كلبا حقيقيا بل كلبا مسحوراً ، لعله أميرة سحرت كلباً ، ووجد نفسه رغم الخوف يلمس الكلبة فى رفق، ربت عل ظهرها فى مودة ، ويا للمفاجأة انتفضت الكلبة و تحدثت إليه فى صوت بشرى جميل :
– أشكرك ، هل يمكن أن تقبلني ؟ .
لم يدهش الرجل و ظن بالفعل أن هذه الكلبة مسحورة و إنه إذا ما قبلها ستتحول إلى أميرة جميلة و سوف يتزوجها و يبتعد إلى الأبد عن العجوز الشمطاء القابعة فى بيت على أطراف المدينة ، قبل الرجل الكلبة، فتحول على الفور إلى كلب ، وعند ذلك قفزت الكلبة وعوت :
– يا حبيبى ، منذ مدة طويلة و أنت مسحور .