الحكاية والكاتب

خاص- ثقافات

*عبد الجليل لعميري

رغبة الكاتب :

    يرغب الكاتب – وأقصد هنا كاتب القصة القصيرة – في تقديم حكاية للقارئ أو المتلقي عموما …حكاية مبنية على أحداث بطعم واقعي أو غرائبي …ملونة بما هو اجتماعي ونفسي وأخلاقي وسياسي وثقافي…قد تكون الحكاية مألوفة أو مستهلكة أحيانا ..أو تكون طريفة ومسلية وعجيبة أحيانا أخرى …قد تكون ساذجة أو مفيدة …غبية أو ذكية…وقد تكون صادمة أو هادئة ….صارخة أو مهذبة …محجبة أو سافرة…المهم  يتوهم أنه متحكم فيها إلى حد بعيد .

رغبة الحكاية :

   ” ما كل ما يتمنى المرء يدركه**تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”.حكمة تفسر تمرد الحكاية على الكاتب ، لأنها تنفلت من أسره وقبليته الممزوجة بالشطط في السلطة وتنحرف عن أفق انتظاره…الحكاية تفضل أن تقول نفسها بنفسها للمتلقي…تقدم نفسها فاسخة عقد العبودية الذي يكبلها به الكاتب…تنقلب وتتشيطن…بالطبع هناك حكاية كسولة مطيعة ومغلوبة على أمرها تخضع بسهولة لنزوة الكاتب …تلك لا تهمنا بل نحن نرصد الحكاية التي تهرب المعنى بعيدا عن نوايا الكاتب … إنها تربك حساباته وتتواطأ مع متلق مشاغب يحرضها على العصيان لإحراج الكاتب :” لم أفكر في هذا مطلقا…إنها مفاجأة…للقارئ الحق في فهم الحكاية كما يريد …”.

الحكاية الخائنة :

     لعلها تجربة شخصية …فقد تكتب الحكاية لكنها تخونك…كيف؟

حين كتبت قصة “وسطى الأباخس” ونشرتها بجريدة بيان اليوم (ملحق نوار الشمس) ،ثم قرأتها خلال أمسية أدبية بدار الشباب بالشماعية …كانت الحكاية صادمة ومشاكسة ومستفزة..استهدفت أشخاصا وأفكارا بسخرية تتقطر فضحا…كانت الحكاية إدانة لرموز سياسية و اجتماعية وفكرية متسلطة على البلدة والمجتمع…كانت الفكرة مبنية على إرسال رسائل مجهولة إلى تلك الرموز مكتوب فيها جملة وقحة :”لكم مني وسطى الأباخس..”…

  يوم قرأت القصة –ربما باستعراض مبالغ فيه – أمام الجمهور بدار الشباب صفق لها طويلا ….ولكن البعض تحسس جوانبه ودواخله وكأنه معني بالوسطى…وفي الليل البهيم دبر على نار الحقد الدفين انقلاب الحكاية على الكاتب …كان من بين أفراد العصابة التي حرضت الحكاية على الانقلاب مدير دار الشباب وبعض جرائه الجرباء …تعلموا من حكايتي كيف يحاربوني (الحمد لله لقد استفادوا منها ولو بما هو سلبي)وقرروا كتابة عدة رسائل مجهولة الى نيابة التعليم والسلطة المحلية والوزارة والعمالة…مستفيدين من خبرة “نقابي” منبطح وخبرة “جمعوي”مخصي وغباوة ” مسؤول الشبيبة والرياضة”…وبعض قردة السياسة المحلية…

استقلال الحكاية :

هي في ذاتها مستقلة …لكن ارتباطها بمتلق مفترض يجعلها تكون أيضا متجددة و حية …لذلك فإنها مفتوحة على اللامنتهى ..بدايتها عند الكاتب ونهايتها أفق مفتوح …وان فقدت استقلاليتها وتجددها تذبل وتنتهي فتموت …لذلك فالمتلقي قد يرتقي بالحكاية حين يعشقها وتصبح لديه أداة تغيير وتثقيف …او قد يسقط بها نحو الدرك الأسف إن وظفها لأغراض مرضية في نفسه كما وقع لحرامية الرسائل المجهولة الذين ظلت لعنة الحكاية تتبعهم كلعنة المومياء …وقد كنت شاهدا على فضائحهم ومطباتهم وأهديتهم بأدب جم “وسطى الأباخس”.وأهديتكم انتم ،أيها القراء الأعزاء ، مجموعة “وسطى الأباخس”.

 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *