الكيميائي”.. رحلة نحو الجنوب



عبد الجليل لعميري


خاص ( ثقافات )

1. من سيرة الساحر البرازيلي: 

ولد باولو كويلو سنة 1947 بريو دي جانيرو إحدى أكبر مدن البرازيل، وتدرج في اهتمامه بالكتابة، من كاتب أغانٍ، ومؤلف مسرحي، وكاتب صحفي إلى التأليف الدرامي بالتلفزيون، ثم استقر بعالم الرواية الساحر. ارتبطت أغانيه بأشهر أسماء المغنين البرازيليين، كما ارتبط اسمه ببرنامج “التقارب الروحي” والحوار بين الثقافات “الذي ترعاه منظمة اليونسكو، إذ يعمل كمستشار لديها. وهو يعمل كمتعاون مع الهيئة المديرية لمؤسسة “شواب” المشرفة على دعم المقاولات الاجتماعية. وقد أنشأ معهداً يحمل اسمه، يهتم بالأطفال والشيوخ في بلاده. وخصص له منحة سنوية… وقد توج حياته العلمية بانتخابه كعضو بأكاديمية الآداب البرازيلية، أعتق مؤسسة أدبية في البلاد (عمرها أكثر من مائة سنة)، وهذا المركز المرموق يجعل منه شخصية ثقافية ذات مكانة اعتبارية كبيرة. وقد عرف انتخابه صراعاً شديداً بين معسكري الجمود والحداثة في تلك المؤسسة خلال سنة 2000، حيث فاز بـ: 23 صوتاً من ضمن 40 صوتاً مشاركاً. وخلال هذه المسيرة الخصبة أنتج كويلو مؤلفات مهمة تتراوح ما بين الاقتباس والقصة والرواية، وهذه الأخيرة اشتهر بها أكثر. وندرج هنا أهم العناوين التي عرف بها الكاتب: 

1- الحج: البحث عن الحكمة أو حاج كومبو ستيلا. (1987، عربت 1993). 
2- الخيميائي (أو الكميائي). (1988، عربت 1993و 2005)
3- لقاء مع الملائكة. (1992 عربت 1995). 
4- قرب نهر بييدرا جلست وبكيت (1994-عربت 1996). 
5- الجبل الخامس. (1996-عربت 1998). 
6- محارب النور (1997-عربت 2003). 
7- فيرونيكا تقرر أن تموت (1998 عربت 1999). 
8- الشيطان والآنسة بريم. (2000 عربت 2001). 
9- إحدى عشرة دقيقة (2003-عربت 2005). 
10/الزهير – 2005. 
11/الزانية (رواية) – 2010. 

2. صورة الذات، صورة الاخر: 
انطلاقاً من مجموعة من الآراء الأدبية الشائعة في المشهد الثقافي، يمكن أن نرسم “لباولو” صورة مركبة: صورة الذات/ صورة الآخر لهذه الذات. 
أ‌- صورة الآخر عن كويلو: 
يقول الروائي، الأستاذ بقسم اللغات والآداب الحديثة واللسانيات، في جامعة “أوكلاهوما”، والمحرر بمجلة “عالم الآداب اليوم”: غلاكو أورتولانو: “باولو من أكثر الكتاب الذين يقرؤون على نطاق واسع”، ولذلك أدرج رواية “الكيميائي” ضمن أفضل عشر روايات برازيلية خلال السنوات العشر الأخيرة (نهاية القرن 20)، فتعرض بذلك، لنقد المحافظين. 

وقد قال فيه صاحب جائزة نوبل للآداب “أويكنزا بورو” إن باولو قد اكتشف سر الكيمياء الأدبية”. 

ومن أهم الكتاب العالميين الذين يحترمون باولو ويعجبون بكتابته: الروائي الإيطالي، وعالم السيمياء أمبرتو إيكو. 

ولعل إيجابية هّذه الأحكام هي التي جعلته يحظى بتكريم ويفوز بعدة جوائز في كل من ألمانيا، إيطاليا، بولندا، فرنسا، اسبانيا، إيرلندا، البرازيل ويوغسلافيا: وجعلت كتابته تنتشر بشكل واسع في أكثر من 150دولة، وتترجم إلى حوالي 56 لغة، وتحقق مبيعات ما يفوق 65 مليون نسخة. ورغم هذا فإنه يتعرض لبعض الانتقادات من طرف المحافظين، ومسانديهم فكثيرا ما يستخف ببساطته في السرد، وأعتبر انتخابه في الأكاديمية البرازيلية مهزلة!!

ب‌- صورة الأنا عن نفسها وعن العالم: 
يقول كويلو: “أستعمل كتابتي لأتوصل لمعرفة نفسي بشكل أفضل”، ويعتبر أن أدبه ملتزم بموقف سياسي جديد [هو] الإنسان الذي يبحث عن هويته. ويعبر عن هذا الموقف بصيغة أخرى: “موقف: مت حيا” وفي سياق آخر يقول: إن الكتابة عن البرازيل شيء، والنظر إلى العالم بعين برازيلي هو أمر مختلف تماماً” رداً على اتهامه بعدم الكتابة عن بلده بشكل مباشر!

وعن كتابه المفضلين يقول هم “بورخيس، أمادو ميلر، ووليام بلاك”، كما يدافع عن بارغاس يوسا وماركيز وكورتاثر، ضد المحافظين الذين ينعتونهم “بالموضة” فيقول: “لم يرضخ أي منهم للضغوط التجارية، بل إنهم أشخاص نزهاء وصادقون في أعمالهم، وكل من انتقدهم لا يفقه شيئاً في الآداب”. ومن هنا ينتقل إلى انتقاد بعض أنواع النقد، فيصرح بأن “النقد عوض أن يصبح تقليدياً أكثر أصبح رجعياً”. ويضيف: “لا يمتلك النقد الأدبي القدرة لا على بيع الكتب ولا على الحيلولة دون بيعها”، ويعتبر أن القراء أكثر التصاقاً بالحاضر، أما بعض الأكاديميين: فما زالوا مقيدين بسلسلة من التقاليد الفرعية ويريدون أن يضعوا الماضي مكان الحاضر”. 

وعن الناس يقول: “[هم] في النهاية يموتون في هذا العالم يوم يتخلون عن أحلامهم”، وهم مثل البراكين، ولذلك على الفرد أن يتحمل الألم الذي يسببه الانفجار والحمم لكي يستمتع بالمشهد الجديد المحيط به!

وعن الحب يقول: “لا ينبغي علينا أن نحكم على الحب، بل علينا أن نعيشه فقط”. 
3. الكيميائي أو موسم الهجرة إلى الجنوب: 

1- الرواية العربية أو موسم الهجرة إلى الشمال: 
المتن الروائي العربي غني بالنماذج السردية التي صورت رحلة البطل الروائي نحو الشمال (وهو بطل ذكوري!)ونشير هنا إلى أهم الأسماء الروائية التي ساهمت في إنتاج هذه الرحلة الحضارية الرمزية: 

أ‌- يحيى حقي: في رائعته قنديل أم هاشم حيث يقذف بإسماعيل في رحلة الشمال، ليجعله يحتك بالحضارة الغربية من خلال المجتمع الإنجليزي، ويجعله يعيش مخاض التحول والتخلخل في القيم والمبادئ والرؤية ثم يجعله يصطدم بواقعه الشرقي و”خرافته” أو “أصالته” ليستسلم في النهاية لنوع من التصالح الفردي مع الواقع مكتشفاً أن التغيير ليس قضية فردية/ ذاتية فقط”. 

ب‌- توفيق الحكيم: في تحفته “عصفور من الشرق” يرسم لنا ملامح رحلة المثقف العربي المصري وهو يكتشف أسرار مدينة النور باريس، ويعيش المفارق بين واقع شرقي وآخر غربي… 

ت‌- الطيب الصالح: في روايته التي تعتبر أكثر تمثيلية لهذه الرحلة من خلال عنوانها “موسم الهجرة إلى الشمال”، والتي تقدم بطلاً روائياً من بلد جنوبي آخر غير مصر، هو السودان، إنه البطل الذي يمارس غزو الغرب (المجتمع الإنجليزي) عبر الجنس، وحين يعود إلى وطنه يصطدم بمتاهات الواقع ومفارقته. 

ث‌- سهيل إدريس في “الحي اللاتيني” يرصد لنا تجربة شاب لبناني في أجواء باريسية ثقافية/ حضارية، تنكشف عبرها المسافة بين الشرق والغرب. 

ج‌- وفي المغرب يمثل هذه الرحلة الشمالية: “إدريس” عبد الله العروي، و”إدريس” علاء الطود، فالأول تعرفنا عليه من خلال ثلاثية العروي: الغربة واليتيم وأوراق، بحيث يجسد لنا مأزق الوعي عند المثقف وهو يكتشف حجم المفارقة بين الشمال (فرنسا) والجنوب (المغرب/.. الصديقية…. ) أما الثاني فتعرفنا عليه في رائعة: “البعيدون” حيث قام برحلة اكتشاف غريبة لهذا الشمال، انطلاقاً من “إسبانيا” وصولاً إلى باقي أوروبا، لكنه ينتهي إلى حافة الجنون، ويغرقه السيل في الجنوب!!
ولعل المشترك بين الأبطال الجنوبيين المهاجرين نحو الشمال متعدد، وهنا نذكر بعص مظاهره.

أ‌- البطل الجنوبي متعلم ومثقف وحامل لوعي حضاري شرقي. 
ب‌- البطل الجنوبي يتعرض لموجات من التخلخل والاهتزاز تمس وعيه وحمولته الفكرية والحضارية. 

ت‌- البطل الجنوبي تعترض طريقه- دائماً أنثى شمالية (أو أكثر!)، ويعيش مغامرة: الحب/ العشق الشمالي!!
ث‌- البطل الجنوبي يعبر عن وعي فردي حاد، مفارق للوعي الجمعي في واقعه الشرقي. 

ج‌- البطل الجنوبي تشده أوروبا (اتجاه واحد) وليس أي مكان آخر! 
2- الكيميائي أو هجرة البطل الشمالي إلى الجنوب: 
على عكس روايتنا العربية –النماذج المشار إليها سابقاً- فإن بطل “الكيميائي”: سانتياغو، ينطلق في رحلته من الشمال: إسبانيا، ويتوجه نحو الجنوب: المغرب، ثم مصر والصحراء… وهو لا يحمل وعي المثقف الحاد، بقدر ما يعبر عن وعي الفرد البسيط: الراعي، الذي يحمل حلماً صغيراً “اكتشاف الكنز”!
ويعمل بكل الوسائل البسيطة (التجارة-السفر-العمل… ) للوصول إلى حلمه، لكنه يلتقي بشخصية تحمل وعياً ثقافياً عالياً هي “الكيميائي” ثم الشخصية الثانية المتعلمة: “الإنجليزي” ولكن هذه الشخصية البسيطة مولعة بالقراءة، التي تتحول إلى وسيلة من وسائل البحث عن الكنز. 

3- الحكاية في الكيميائي: 
هناك بساطة في السرد بحيث يستطيع القارئ أن يلتقط بسهولة سلسلة الاحداث التي تبنى عليها الرواية، فنحن نتتبع خط رحلة الشاب الإسباني: “سانتياغو” الذي ينطلق من جنوب إسبانيا، نحو أهرامات مصر مروراً بالمغرب، للبحث عن “كنز غامض”! رآه في حلم تكرر مرتين، وهو خلال رحلته هذه يتعرض لعدة مشاكل: سرقة ماله، خطر الموت، كما يعرف عدة خسارات وتحولات، أهمها: بيعه لقطيع غنمه، اشتغاله مع بائع بلوريات، جمعه للنقود، ثم مرافقته قافلة إلى مصر ليلتقي برجل إنجليزي، يبحث مثله عن كنز غامض! ويبحثان معاً عن “الكيميائي” مالك سر الكنز الغامض! ثم يحب “سانتياغو” فاطمة، فتاة من إحدى قبائل الصحراء، ليتخلى عن حبه متابعاً البحث عن كنزه الموعود، لكنه يعود بخفي حنين، ليكتشف، في النهاية بإسبانيا في البلدة حيث كان يرعى غنمه، كنزاً للنقود القديمة، مخبئاً، بكنيسة قديمة وتنتهي الرواية بحلم جديد نحو الجنوب. “ها آنذا فاطمة، إنني قادم”!

وهذه الحكاية حافلة بالغرائبية والخرفات والأحلام…. 
بحيث تمزج بين ما هو واقعي. رحلة البحث عن كنز مادي. 
وما هو عجائبي: كلام العرافة والملك المسن، والزوبعة الرملية…. إلخ

3-2. : شخصيات الكيميائي…. كيمياء الشخصيات: 
إذا كان المتن الحكائي لهذه الرواية يشكل “خلطة كيميائية” تجمع بين الواقعي والغرائبي، بين الغربي/ الشمالي والشرقي/ الجنوبين بين الوقائع والأحلام ثم الأوهام! فإن الشخصيات مصابة بنفس المس الكيميائي، فهي شخصيات سرابية، لا من حيث صورتها المادية (الصفات)، ولكن من حيث هويتها المحمولة على صهوة لغة تفوح حلماً وحكمة ورمزية، فالملك المسن لغز لغوي، وفاطمة كذلك! أما العرافة فإن كلامها كيمياء ظلت مترسبة في لا وعي “سانتياغو” إلى آخر رحلته، وكذلك كلام تاجر البلوريات المغربي، وحبر الدير المصري والجمال المصري. تتحقق الشخصيات عبر كلامها (وهذه حقيقة انتبه إليها النقد الحديث على يد الناقد ميخائيل باختين)، وهي هنا في رواية الكيميائي، تتحقق عبر كيمياء المتعدد المختلف والغامض وكل شخصية تنتج كلاماً من طينة معدن مختلف، مما يصعب مهمة الشاب الإسباني فقد فرضت عليه كيمياء كلام الشخصيات (الحوار) أن يفك شفرتها، وأن يفقه خصائص كل المعادن/ اللغات، لذلك ظلت شخصية سانتياغو لصيقة بالقراءة، كلعبة كيميائية ذهنية، تسهم في فك طلاسم لعبة كيمياء اللغة التي كانت تعترض مسار الشاب الحالم بالكنز الغريب يبدو الشاب في رحلته كنحلة تهاجر مضطرة، بين الأغراس باحثة عن رحيق (سائل سحري!) لإنتاج العسل لكنها لا تجد دائماً رحيقاً… فقد صادفت الراعي مصائب ومعوقات كثيرة، كادت أن تبعده عن طريق الكنز، لكنه بدل أن ينكسر، ويتراجع ويتخلى عن حلمه لينتهي، حول إحباطاته إلى حوافز متجددة ودخل في تحديه المفتوح، مسترشداً بحكمة الملك المسن، وأقوال التاجر المغربي، وما قرأه في الكتاب الذي يرافقه، وسحر الحجرين!! وبحلمه المتكرر!!

هل يمكن أن نقارن “سانتياغو” ببطلنا الجنوبي؟ وبمعنى آخر: هل تحمل شخصية “سانتياغو” ملامح من شرقنا/ جنوبنا؟!

أم تعبر عن ذلك الشمال/ الغرب الذي رسمته لنا روايتنا العربية المعبرة عن رحلات الشمال؟!

يمكن أن نطرح هنا عدة أفكار لمناقشة هذه الأسئلة –أو غيرها- ويمكن أن نستخلص عدة نتائج تسعفنا على المزيد من البحث في هذه العلاقة الإشكالية بين الشمال والجنوب في إبداعنا. 

أ‌- البطل الجنوبي: في نماذج الرواية العربية التي أشرنا إليها سابقا، يتوسل البطل الجنوبي/ العربي/ الشرقي بحلمه، ليهاجر نحو الشمال. يقوم هذا الحلم أساساً على امتلاك المعرفة (متابعة الدراسة/. المثاقفة…. ) الحديثة، وبدرجة ثانية تحسين الوضعية المادية/ الاجتماعية داخل مجتمعه. وإذا كان الحلم عند بطلنا الجنوبي، منطلقاً ومنتهى، فإن تحقيقه يمر عبر احتكاك الذات الجنوبية بتضاريس الواقع الشمالي الجديد، حضارية في طبيعتها تجسدها نماذج فكرية وبشرية (الحب/ المرأة) الرؤية إلى الحياة العقلانية/ السياسة… ). 

ويقوم هذا الحلم الجنوبي على قاعدتين: أولاهما ذاتية فردية، ترتبط بشخصية الحالم كمتعلم، يسعى إلى أن يتحول إلى مثقف منشغل بهموم واقعه، وثانيهما موضوعية، بحيث أن تلك الذات الفردية حاملة لوعي جمعي حضاري مشخص لأسئلة واقع البطل الجنوبي (مصر – السودان – لبنان – المغرب) في ظل شروط تاريخية متحددة: تمتد من بداية القرن العشرين، حيث تأججت أسئلة الإصلاح والتغيير ونهايته (العقود الأربعة الأخيرة) حيث سجلت إخفاقات أحلام النهضة والتغيير! ومن خلال تفجر سؤال الهوية الحاد والتجربة الصادمة (صدمة الحداثة – الحضارة) يعيش البطل الجنوبي إخفاقات تتراوح بين الاستسلام أو التعايش مع واقعه أو إصابته بالجنون وصولاً إلى الموت وفي كل الحالات فإن الإخفاق هو تجسيد لمتن الحلم، وكما قال كويلو (الناس في النهاية يموتون في هذا العالم يوم يتخلون عن أحلامهم)، ويمكن أن نضيف: أو يضطرون إلى التخلي عن أحلامهم لأنه مصير البطل الجنوبي المتشابه؟ إذا كانت هذه ملامح بطلنا الجنوبي، فما هي ملامح بطل الكيميائي؟؟

ب-“سانتياغو” هل هو بطل شمالي؟
يحرك سانتياغو حلمه بالكنز الغريب الذي يتكرر، ويظهر مكان الحكم كمكان شرقي، طافح بالعتاقة: أهرامات مصر: 

ويزين طريق الرحلة نحو الحلم، علامات موغلة في الرمزية والغموض الملغز السحري/ الغرائبي: بلوريات التاجر المغربي، تفسير العرافة الغجرية للحلم، هذيان الملك أورشليم، ألغاز الإنجليزي والكيميائي وسحر الصحراء… والهدف هو تحسين الوضعية المادية –ظاهرياً- ثم تحقيق أسطورته الشخصية “كما كشف له عنها الملك المسن، وبشره الكيميائي، وقد تسلح لذلك بمقولة تتكرر في النص كلازمة: “عندما تريد شيئاً ما، فإن الكون يتضافر من أجل تمكينك من تحقيق رغبتك” ص36. ولكن سانتياغو، على عكس بطلنا العربي الجنوبي لا يرى حلمه في الشمال، بل في الشرق الساحر الغامض! فرغم أنه يكتشف الكنز المادي في نهاية الرواية بموطنه الأصلي(اسبانيا) فإنه يجدد حلمه-تحضر الأنثى/المرأة فاطمة!

وهنا نسجل أنه رغم اختلاف المرجعية الحضارية “لسانتيغو” عن بطلنا الجنوبي فإن الحوافز متشابهة: تحسين الوضعية المادية، و البحث عن المعرفة (مع تفاوت في درجة وحجم البحث بين الشخصيات والكتاب) يضاف إلى هذا وجود المرأة في طريق البطلين الشمالي والجنوبي! مع فارق التوظيف والدلالة، وفي هذا السياق نذكر رأي المفكر والروائي المغربي “عبد الله العروي” فحين تحدث عن الرواية العربية في كتابه المتميز “الإيديولوجية العربية المعاصرة” أشار إلى تجربة نجيب محفوظ بحكم كونها تجربة –كمية- ممثلة للكتابة الروائية العربية، وحكم عليها حكما قاسياً منتقدا وظيفة اللغة فيها، ونمطيتها السردية، بل صرح بأننا يمكن أن نلخص كل روايته في عشرات الصفحات!!

و أشار إلى تصور -خاص به- مبني على ما سماه بـ”عقدة المجتمع” لقد حكم بأن روايات محفوظ- في تصريحات لاحق عن كتابه- لا تصور عقدة المجتمع العربي، كما عبرت عنها كتابات “دو ستويوفسكي” في علاقتها بمجتمعها مثلا. لكنه أشار إلى كتب عربية يعتبرها معبرة عن عقدة المجتمع العربي وحددها في ثلاثة: 

قنديل أم هاشم ” ليحيى حقي، وقد أشرنا إليها كرواية تصور رحلة بطل جنوبي، والأديب لطه حسين، وهذا الأديب المفكر معروف بثقافته الليبرالية، وبتجربته الثقافية المبنية على المثاقفة ثم رواية موسم الهجرة إلى الشمال “للروائي السوداني الطيب صالح. وقد اشرنا أيضا إليها سابقا. 

فهل هذه العقدة -اللإسيكولوجية!-التي يشير إليها العروي هي: تحطم الأسطورة الشخصية” على صخرة الواقع، سواء كان البطل جنوبيا أو شماليا… وسيان أن يكون الواقع شرقيا أو غربيا، وما هي العقدة التي حاول أن يجيب عنها العروي من خلال كتابة الرواية –بعيدا عن رصانة التحليل الفكري/
التاريخي-خاصة في رباعية الغربة –اليتيم-أوراق-الفريق؟ وهل فعلا –استطاع الغرب؟ وهل رؤيته لهذا الشرق فارقت صورة الشرق: السحري/العجائبي، كما رسمها الرحالة الأوربيون القدماء والمستشرقون؟! أم ظلت صورة نمطية؟ إذا كان الروائي العربي قد أنتج بطلا جنوبياً قريباً من تجربته الذاتية، ومن أسئلته كمثقف، فهل سانتياغو يعكس أسئلة شمالية للكاتب؟ 
في تقديمنا للروائي “باولو كويلو” سجلنا بأنه برازلي يكتب عن العالم بعيون برازيلية، ويكاد يكون هذا الطابع ثابتاً في كتابته (إحدى عشرة دقيقة: رواية تتناول تجربة امرأة برازيلية بأوروبا)، ولكنه من وجهة نظر اقتصادية وحضارية- ينتمي لعالم الجنوب وبذلك نصبح أمام معادلة جديدة: كاتب جنوبي يوظف بطلاً شمالياً في رحلة حضارية شرقية! فهل ينعكس هذا على صورة البطل الشمالي؟!

أسجل هنا عدة أسئلة، قد لا أكون معنياً بالإجابة عنها هنا بقدر ما أنا مورط في توليد المزيد منها لإشراك القارئ فيها. وهنا يتبادر سؤال آخر: هل لدى البرازيليين عموما  نفس عقدتنا أتجاه أوربا/الغرب؟!

لنتابع هذا الحوار بين صحفي “بالليبراسيون” الفرنسية (ماي: 2005)، وكويلو”-الصحفي: ما هي الوصفة السحرية لبيع ستمائة وخمسين ألف نسخة من الرواية الفرنسية؟! [مقابل 65 مليون نسخة عند كويلو]

– كويلو: إذا كانت هناك وصفة، أفضل أن أتجاهلها، فلن تفيدني، ولكن هل تعلمون: في البرازيل كل كاتب يحلم بأن يكون كاتبا فرنسيا. مثل الأن روبي غريبي؟!
– ويقول الكاتب على لسان “الكيميائي”: “ليس هناك سوى طريقة واحدة للتعلم: السفر، فيورطنا معه في رحلة لاستكشاف “الأسطورة الشخصية” لفرد في بعده 
الكوني، الذي يتصف بصفات جغرافية/ مكانية لكن روحه كونية!

– الخروج من عوالم الحكاية: 
ولدت في نفسي رحلة سانتياغو” أسئلة، فجعلت “الكيميائي” يحرق ” الأوراق” بـ “قنديل أم هاشم” ويساعد “الأديب” على الدخول في” موسم الهجرة إلى الشمال” للحلول بالحي اللاتيني وليلتقي “بالبعيدين” آتين من الجنوب!!
هذا الاشتباك يجعلنا نفكر بجدية أكبر، في صورة روايتنا مقابل صورة الرواية العالمية الآتية من أمريكا اللاتينية أو اليابان أو أفريقيا… ومكانة السؤال الحضاري، وكيف يتحول لسؤال روائي، من خلال ذات الشخصية المتورطة في سيرورة الأحداث. 

لا باس أن ننهي كلامنا بهذا السؤال: ط
-متى نبيع من روايتنا العربية: 65 مليون نسخة؟؟ 
*********************
+المتن الروائي : (الكيميائي- باولو كويلو – ترجمة عبد الحميد الغربالوي – الطبعة الأولى-يناير ألفان وخمسة. 

المراجع: 

*مجلة جون أفريك بالعربية – عدد خاص عن كويلو. 
-عبد الله العروي من التاريخ إلى الحب – دار الفنك – ط 1 -. 
-عبد الله العروي الأيديولوجية العربية المعاصرة- ط 2 – 1995. 
– طرائق السرد – مجلة آفاق المغربية. ع: 8/9، 1988. 

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *