بطاقاتُ تعزية باسْمِ البَحر . .

*مرح مجارسة

لأنَّ ثديَ أُمِّي الأوّل في المُعتقل

وثديَها الثّاني كصناديق البحرِ بثلاثةِ أقفالٍ

كان عليَّ أن أُقبِّلَ الرِّجالَ السَّيئينَ

وأقضمَ أجسادَهُم السّاخنة كرغيفٍ

أقرأُ ما كتبَهُ مُخترعو الأسلحة

وأبحَثُ عن العدالةِ بين نابَيْ زجاجةِ بيرة

وعلى الأرجحِ أنَّني كنتُ

تلكَ التي رقصَتِ التانغو

وحيدةً في قاعِ كأسٍ

ولم يكُنْ عليَّ أن أدقَّ عينيكَ الزَّيتونيتين

لأستخلِصَ زيتَ الدَّمع..

كانَ منَ الأفضلِ أنْ أمسَحَ حذائيَ على عتبةٍ

قبلَ أن أزورَكَ كمَوْتٍ مُهذَّبٍ

وأنتَ ترتدي قميصاً من القَنابلِ

وأن أعبُرَ كتِفَكَ كنهرٍ أحمرَ/وحيدٍ

وأغرقَ فيه كزورقٍ مَثقوب.

. . . هذا المَساءُ برميلُ عتْمٍ

ووطنٌ يهتزُّ كنهدَيْ غزالةٍ هاربة

أمُّ تحيكُ صوفَ المَدى/التُّراب لولدِها الشَّهيد

أبٌ راعي بقرٍ

يغتصِبُ لُفافاتِ التَّبغِ

يقرَعُ الكأسَ بالصَّمتِ:

]خُذْ عكّازَ ذاكرتي العجوز ،

واعطِني قشّةَ الغرقى الأخيرة

لأكتُبَ بطاقاتِ تعزيةٍ باسْمِ البحر

وأسيرَ كغريبٍ يبحثُ عن عَناوِينَ مُحترِقة[.

هذا المساءُ

إذاعةٌ تمارِسُ عادَتَها السِّرِّيّة:

“أمُّ كلثوم”!!

وتلفازٌ يلفُّ الدَّهشةَ على الأعناقِ

كحِبالِ مَشانِقَ.

/لا شيءَ لطيفٌ هذا المَساء

إلّا ضوءُ القمر

حينَ تخلدُ إلى نومِها

 كلُّ أسلحةِ العالم/

في الحُبّ

عليكَ أن ترتِّبَ حزنَ الصَّباح

وأن تغسلَ فناجينَ دمعِكَ بماءِ الأمسِ

وتحفرَ لنفسِكَ قبراً

يليقُ بمدينةٍ كدمشقَ.

وفي العَدَمِ

لن تفعلَ شيئاً

غير حلِّ الكلماتِ المُتقاطِعة لأحلامِكَ

وانتظارِ شُهُبٍ تهوي

حافيةً كشلالاتِ الضَّوء.

في غيابِكَ أسقطُ في مِصيَدةِ الأغاني العاطفيّة

كأرنبٍ

أو كجثّةِ كَمانٍ انتحَرَ

بينَ يديكَ

مَنفياً عنكَ.

في غيابِكَ أيضاً

يرتدُّ صوتُ قُبُلاتِنا

كخُطَىً تتقافَزُ على درَجٍ بعيدٍ

يجلسُ قلبي كدُميةٍ مَخذولةٍ

فوقَ سريرٍ من الجَماجِم.

ثمّةَ قطاراتٌ لن تسافرَ في رحمِ السّاعةِ الرّطبِ

ومحطّاتٌ ستكفُّ عن إنجابِ القُبَلِ السَّريعة

وثمّةَ مَوتى يشربونَ معكَ الشّاي الآنَ

ويرقصونَ كعُشّاقٍ في مقبرةٍ جماعيةٍ

أولئكَ المُتسللونَ من نافذةِ نومِكَ

مثل كتلةِ شمسٍ بعدَ مطرٍ أشقر

لن تهمَّهُم البكتيريا في حليب جسَدِكَ

سيشرَبُونَهُ..

كما تشرَبُ البلادُ فُقراءَها

ويشرَبُ غسيلُ الغائبينَ

نهارَ الشُّرفات.

____
* شاعرة من سورية.

 

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *