أُصص ثلَاثة

خاص- ثقافات

*سيومي خليل 

ثَلاَثة أُصص فخَّارية متَوسطة الحَجم كَافية لتَجعلَ شقَة صَغيرة تنْبض بالحَياة ؛ أصص يَضم زهرَة صبَّار تَتكاثر بشَكل غريب ،وآخر يَضم ورودَا صفراء يَبْدُو أن لاَ اسم يَليق بها غير ورود ، وثَالث تُظهر تُربته عقمَا وَاضحا ، فَكل مَا يُزرع عليهَا يَموت سريعَا …أُصص ثلاثة يمكنها أنْ تَملأ وقتَك حينَ لاَ تَجد شيئا تَفعله ، بإمكانكَ أنْ تقرأهَا ككتَاب تَنمو مَعانيه يَوما بعد آخر ، وبإمكانك وأنْتَ تَسقيها أنْ تَتذكر أنَّ كل ما تَفعله في حياتك الرَّتيبة ، والبئيسة ، هو أنَّك تَبحث عن أشياء عديدة رَمزية ، ومَادية ، لتَسقي بهَا حياتك …أصص ثلاثة يمكنك أن تُحَاول فتح عَينيك صبَاحا عليها ، بَدل أن تفتحهُما على فكرَة سَيئة ،أو ذكرى ميتة ، أو علَى صُورة صَرصور مُزعج يَتأنسن بشكل مُريب دَائمَا ، مَا عليك إلاَّ أنْ تَفتَح عَينيك على الأُصص الثَلاثة كَي تَرى التَّغير بين الأمْس واليوم ، وتَعلم أنَّ مَا حَدث لهذه النباتَات هُو نَفسه مَا يَحدث لك …أُصص فَخارية يبدو طينهَا أحمر بشَكل باهت ، صنعتهَا يد * لوالبي * محتَرف اشتغل لعُقود في الفخَارات العَشوائية التي كانَت أذخنَتهَا تَملأُ سمَاء مَدينة آسفي ، وتَظهر عليها بعض الرسُومات التي لمْ يَعد لهَا مَلامح كأنَّها صُورة لشخْص مرَّ تحت الظلال ، ولمْ يَظهر منه ملمح …وأنْت تَنظر إلى الأصص الثَلاثة يُمكنك أن تَنظر صور كَثير من النَّاس الذين مروا جنبك وأنت تنتظر القطارالأبَدي للحياة ، أو رَكبوا مَعك وأنْت تَأخذ فيه مقْطورة ضَيقة ، ولا شك أنَّك ستَرى صور أُولائك النَّاس الذين وجدتهم معك في القطَار مُنذ البدَاية ، ومَازالوا معك حتى لحظة تَأمل الأصص الثَلاثة ، وسَترى أيضا تلك الوجوه التي ركبَتْ في مَحطة ما ،وصَادف أنْ دَخلوا مَقطورتَك، فصَاروا عُنْصرا في رُؤيتك ، ووجُودك …هَذه الأصص الثلاثة يمكنك ، إن عَرفتَ كَيف تُنطقها ،كمَا يُنطق قارئ ذكي رواية ، أو قَصيدة شعرية ، أن تجعلهَا ترانزيستور يقَدم لك أجمل تَلاخيص الحياة ، ليس عليك إلاَّ أنْ تَبدأ في فَهم كيف تنمو أورَاق النَّباتات فيهَا ، وكيف تَموت ،وكيفَ تُغير لونهَا ، وكيف تتَعوسج داخل التربة ، وكيف تَتفَرع تلك البذْرة الضئيلة حتَى تَصير أَكبَر منْ الثلاّجة البيضَاء التي اشتغلت سنَة كاملة لتشتريها …الحياة داخل تُربة مَحصُورة في أصص فخَارية ثلاثة لاَ تَختلف عن حياتك كثيرا ، فحياتُك بدون أدنَى شك مَحصورة في أصص ما ،وحتى وإنْ لمْ تر هَذا الأصص المَّحصورة فيه حياتك ، فيمكنك أنْ تَتحسسه ، وتَشعر به ، وتعرف أنَّك مَحصور في شَيء ما وإن اتَسع كثيرَا ، أما إن لمْ تستطع تَحسس هذا الأصص نهَائيا ، فأنت إذن نَبتة ميتة ، فالنبتة الميتة هي التي لاَ تَشعر أنَّها دَاخل أصص ، وتُربتك حينهَا سَتكُون قطعة من الإسمنت ، التي قتلت إمكَانية تَحسس جُذورك لها …يمكنك لإضَافة إثارة أكثر للأصص الفخارية متَوسطة الحَجم أنْ تَأتي بإطار لوحَة تَشكيلية ، ابحث عنْ لوحَة قديمة لرسام سَيء تَتوفر علَى إطَار جميل، مزقْ اللَّوحة بعنف ، وخُذْ الإطَار ، وضَع أصصا واحدا دَاخله ، تَأمله جيدَا حينهَا ، وأنْت تَنظر إليه فكر في اسم رسام مَا ، رسَام يُمكنُه أنْ يَجعل اللوحات التشكيلية التي تخلقهَا ريشته حية ، رسام يمكنه أنْ يَجعل عَينيك وهي ترى الصبَاغة ، والأشْكَال ، والخُطوط ، عبارة عن حيَاة نابضَة …

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *