من زمن آخر…

خاص- ثقافات

*مريم لحلو 

هكذا ،دون مقدمات،أو ربما كانت هناك مقدمات.. ولكنني للأسف لم أنتبه إليها بسبب طمأنينتي القاتلة…المهم لم ألحظ تلك التغيرات على زوجي حتى صارت تفصح عن نفسها،رغما عنه ،متحدية كل أصول اللياقة واللباقة.هكذا بعد أن كان نموذج الزوج المتّزن أصبح يبتسم وحده طول الوقت، وأحيانا تتحشرج الضحكات في صدره..وأصبح بنظرات حالمة وقلب مقبل على الحياة ولا قلب شاب في العشرينات.وغدا هاتفه لا يفارقه لا ليلا ولانهارا وكأنما ينطوي على سر خطير ..طول الوقت ينظر إليه  ويقلب أزراره وصفحاته ويلطم خدوده يمينا ويسارا ..أثناء الأكل ..أثناء الشرب..قبل النوم..عندما ينزع النوم عنه غطاءه ..بعد الاستيقاظ مباشرة..حتى السيارة التي كان من المستحيل أن يسلم قيادتها لي أصبح يرجوني لأفعل فقط ليحرر يديه من المقود ويخلو لهاتفه وتستمر ابتساماته المجنونة .. تخيلوا عبد الحليم ،وميادة، وكاظم الساهر، أصبحوا يصدحون في بيتنا والأدهى أنه صار يدندن معهم ويشرع في الرقص ويلح على مراقصتي..أقول له: تعقل يا رجل ..الأولاد …الأصهار.. الأحفاد … سننا لا يسمح ..ولكنه لا يبالي وكأنه صار رجلا آخر.
استنجدت بالحاسوب فالراديو أصبح لا يجدي.. وبصعوبة بالغة أدرت محرك البحث .. وطلعت لي صفحات لا تحصى يقال إنها لعلماء نفس ،وعلماء اجتماع وهلم جرا وكلها تتفق على ما أسمته أزمة منتصف العمر … وأن في الأمر عبير  أنثى … ويلي!! امرأة أخرى ؟ لو قيل لي هذا الأمر قبلا ما كنت سأصدقه ولكن الآن مع الضحكات المشرقة للهاتف ،ورنات المسنجر، والواتساب أكيد أنه يلعب بذيله …
ماذا أقول وقد صار يدخل البيت بباقة ورد في يمينه .. والكلمات العذبة تتسابق مع ابتساماته… وكلمة أحبك بُعِثت من مرقدها… وتذكرتُ زمان ،وآه من زمان، عندما وشوش لي بها أول مرة فصرت لا أشبه أحدا..أو قولوا صرت أشبهه … لا ..لا … جيش من الفئران أصبح يلعب في “عِبّي ” كثير علي كل هذا الحب ..كل هذا الاهتمام . لقد أصبحت أرى شبحها بيننا في أشد الأماكن حميمية…هل تلَبّسَتني  أم هل صرت معبره إليها؟ عبَرَ ذاكرتي قول كنت قد قرأته في مجلة نسائية شهيرة ولم أوله وقتها أدنى اهتمام.. وهو أن الرجل عندما يصبح ودودا لطيفا يلبي الرغبات دون جدال وغيرها من الصفات الجميلة تأكدي أنه  يا (هَبْلة) يداري على خيانته. وي!!خيانة!!يا لها من كلمة كبيرة مفجعة!!
وها رحلة التلصص والتجسس ستبدأ.. ولكن،من أين البدء؟؟ بحاسة الشم أم بالحواس الأخرى …فكرت ودبرت وقلت لنفسي التغير طرأ مع الهاتف الجديد ذي الخدمات المتعددة التي لا تقتصر على استقبال المكالمات والإسميسات وفي أفظع الحالات الميميسات كما كان هاتفه القديم …الحق أنه لا يضع أي حواجز ،الحاجز الوحيد هو أنه أصبح كقطعة منه لا تفارقه . تقول لي أكثر صديقاتي قربا: ألا يضع الرجل حواجز هذا أدعى للشك فهو يا “عجونة”يمسح أولا بأول أثر و دليل كل إدانة..اسأليني أنا…
بعد جولة المشي الصباحية المعتادة رجعت إلى بيتي وتفاجأت بضحكات أنثوية نابعة من غرفة نومنا. وَهْ وَهْ! بلغت منه الجرأة هذا المبلغ ؟ ارتقيت الدرجات بسرعة ،لا شك أنهما مندمجان أشد الاندماج حتى أنهما لم يشعرا بقدومي. ملأت فراغ الباب المشرع .. ولاستغرابي وجدت حزمة رسائلنا القديمة بأغلفتها الصفراء والمجنحة منثورة فوق سريرنا وهو يضحك عاليا للشابة ذات الشعر الأسود الطويل، والذراعين العاريين وهي تبادله الضحك  عند الجمل والمفردات القديمة المكتوبة بعناية طفل يواجه امتحانا… ونظر إلي.. ونظرتْ هي أيضا إلي ..ونظرتُ إليها … وابتسمتْ .. وابتسمتُ …من تكون؟  كانت أنا ولكن من زمن آخر…

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *