المصابيح

خاص- ثقافات

*سميحة التميمي

كيفَ ستتخلص منه ، اذا اندلقَ على روحكَ ليلةً وأنتَ مُتعَبٌ

ذاكَ الحنينُ الكافرُ…؟

لو أنَ الصمتَ الكثيرَ الذي مرَّ بي يُتلى

 ويتلو نشيده :

 كل الذينَ مرّوا ذاهبينَ من هذا الطريق للآن لم يعودوا ، فما بالُ الذينَ يتوافدون

 ولو بقيَّ فتيلٌ في السراجِ وزيتٌ..كيفَ سيشتعلونَ ؟

وقد ْ تقاسموا الماءَ والعطشْ ..قد تقاسموا القلب والهذيان والليل

كانَ يكفي صمتهمْ يتوسلُ الطريق ..يتركهُم في فوضاهم

ويذهبونَ بعيداً عنهُ ولا يلتفتون …ويظلُ الحنين مصباحاً خافتاً

حملوه مثلَ الأحزانِ والأشواقِ في حقائبِ السَفر وحقائب الثياب

 يسمحُ بالنجوى ويسمح بمن نحبهم ونفتحُ صناديقَ شكاواهم

ننتظرهم يشعلون حرائقنا

حيثُ ضاقت وضجّت الريحُ بالروح ….

انَ الكتابةَ لا تحبُ الهذيان ولا الثرثرة لهذا فمثلي اكتبوا واصمتوا

فأنا لا زلتُ أتدربُ على العيشِ حتى أوشكتُ أنْ أعيش

 وتستهويني روائحُ القلوب فأتتبعها كما أتتبعُ عِطراً من زمنٍ أخر

لا يجرحُ .. لا يبوح

……..

وطبعكِ الإنطفاءُ يا مصابيحُ وطبعيَ إشعالَ السرور

ولكنكِ ضروريةٌ كي أرى ، وكي أكتب بفرحٍ أكثر ، وأرقٍ أطوَل

لكي أتذكرَ لهجتي القديمة ، وتمتلئ راحتيّ بدمعٍ صافٍ

وأنا ادوّنُ تواريخَ الميلاد وأُحصي الأعمار

 واقلّبُ يدي اتأمل تجاعيدها بلا ألمٍ ولا إحساس بالخسارات

……….

أنا وأنتِ أيتها المصابيحُ وحدنا بلا هدأةٍ

 ولا جَدّةٌ تذكرنا بالصالحين

وتُعيدُ الفتيلَ الى سراجهِ بعد أن تنزعَ عنه الرماد وعنّا

فها هُنا احترقتْ أول امرأة

 وهيَ تعجنُ التوتَ ظناً منها أنه سيصيرُ خُبزاً أحمرَ

وماتتْ قبلَ نبوءتها ، عندَ زقاقٍ للعطارينَ

 وبلا حنّاء منْ أجلِ الموت

وبِلا كتفٍ تستندُ إليهِ أوانَ الحفرة ، قبلَ مطلع الفجر

عندَ بيتِ دم الغزال

…………

هنا أيتها المصابيح تنزُ منَ الأرواحِ الأوجاع

وهُنا رجلٌ يقضمُ إظفاره هوَ الحادي يركبُ كلَ هضاب القول

هو الحادي ..يُمعن في تقليبِ الأفكار.. ولا أفكار .

………..

وطبعكِ قبل ذا خدش فمِ الليلِ ..وفم الصمت

: سأذهبُ لِأُرتّبني إذاً قبل المساء واكتب

الى التي ضاءت في زحام معتم ، كالزيت المسفوح فوق المواقد

تلكَ التي طبعُ حريقها لا كيفَ طبعُ حريقكَ

 وكيفُ حرائقها لا من كيفِ حرائقكَ

وحَرقها حين تُغضبُ لا كطبعها حينَ يُشبهنا .ذاك الحريق

 الـ تُشبهُ نِي ..

 إذْ مثلي حين تُنْسى تكون تلظم سبحتها من زمان مشى

الى زمان سيمشي

كهذه الغيمة الصوفية الفوقنا

 وكذاك الذي تصوّف مثلها فأعماه الملح

كوليمةٍ روحيةٍ

تَحلّقَ حولها عتاة الصابرين الذينَ ينشدونَ الوصول

والوصلُ المعقودُ على حبالِ سفائنهم المُبحرة

موصولٌ بسماءٍ مقمرةٍ متجمرةٌ فيها النجوم

كوليمةٍ للبوحِ بِسرِ العشقِ بلا ركوع ولا سجود

……….

إني إذا ما احتفلتُ بكَ كل حينٍ فإني لنْ أُجيدَ حبكَ

وأنا سوفَ لنْ أُجيد إلا أنْ احبكَ

فالمشاعرُهاءتْ وبرسمِ القِطاف كلما هبَّ العليلُ ..

وأنا لا أُجيد إلا أن احبكَ

ومعانيَّ طريةٌ قبلَ الشروقِ وقبلَ النهارِ وقبلَ البردِ وقبلَ الحرِ

 وتنتظرُ

والالامُ  يليقُ بها ولها الوفاء

والنزفُ لا يليقُ بهِ غيرَ الرقصِ وغير الغناء ..فغنِّ

…………

غَنِّ

لا تُطفئ قناديلَ التائهينَ في هذي الارض

المصابيحُ تبكي حينَ نُشعلها وحيدينَ

 لنكتبَ  موتَ منْ نُحبهم

في القطاراتِ المؤلمة التي تجتازُ الأزمنةَ الخالية البعيدة

تجتازُ الحرائقَ التي أشعلوها ومضوا في زوارقهِم الورقية

هل لديكَ مصابيح أُخرى لنشعلَ منها حدائقَ جديدة

ومدناً جديدة ، وأصدقاءَ جُدد ، ومناديلَ مليئة بالماء

ومسرحياتٍ مكتوبة تنتظرُ مسارحها وممثليها

هل وقّعتَ عقوداً مع الريح ؟ هل بعتَ كل رسائلكَ لساعٍ جديد

دعينا أيتها المصابيحُ أو قاسمينا الضوعَ لعلنا نكون

لكِ أحبابٌ في خاصرتي أتحدّثُ إليهم عنِ الغَرق

وأنتِ بينَ غيابين

وغِيّينِ ، وأصباغُ البيوت رماديةٌ ..والدنيا انسلتْ من أزلٍ

وتسيرُ إلى أبدٍ ..وأنا فارغة اليدين .

كأنها تُضئُ لي ، فهيَ تعرِفُ أني لا أريدُ غيرَ النور

………………

تألَمُ المصابيحُ

حينَ تفتحُ عينيها  ولا تجدُ من تضئ له الاماكن

 ولا تسمعُ الصوتَ والغِناء

حينَ تصطَفِقُ الأبواب وتطفئها الريحُ العجولةُ

تألمُ المصابيح لأننا لم ننتظرْأنْ تُكملَ الحِكاية

ولأنها تتلمسُ طريقاً كانت تعرفه فتاهَْ ، وتاهت ..في المتاه

تتعبُ المصابيحُ وهي تمشي أمام قبورِ أصحاب لمْ يرحلوا بعد

 حينَ تبقى العتمةُ بلا حديثٍ هامِس

اكتبْ إذاً : عن الحبِ فالعشاقُ لا يكتبونَ عنه أبداً

وتقاسمْ معهمْ حتى الحنين ..

واخرج الشموس من جيبكَ لتكتملَ الرحلة

………….

عندما سقطت الدموعُ غفلةً وانتبهتُ اتهمتها بالغدرِ ..

لم أنتبه للنهرِ الذي فاضَ من القلبِ ، ولم اتذكرْ لماذا

فأينَ أنتَ أيها العمرُ الذي ذهبتَ

لو تلتفتْ إلى الخلفِ لترانا

لقدْ كَبرنا في غيابكَ . وأصابتنا حُمّى المجدُ

وصرنا هَلعينَ من ضخامةِ أشياءنا السرّية

تعالَ قدْ تجعل بؤسنا يغنّي الى حين

فإنَ النعيم الجنانيّ إذَا أصابنا يأخذنا منَ الموانئ السود الى البحارِ البيض

………………………..

يا موزعات النور .. أمس أخذتني الخُطى الى الغابةِ

فكنستُ معَ الحطّابِ  كثيراً منَ الأُمنيات المُنتهيةِ الصلاحيّة والتي تركَها أهلها ومضوا كي لا تتوقفَ الحياة

………………

نحن نتضاعف حين نحب ونكبر وكذا حينَ ننبشُ ألفَ ضيمٍ قديم

حيثُ لا طقوس جميلة او حزينة كي نطفئكِ أو نُشعلكِ

كأننا أيتها المصابيحُ نُشعلكِ للاشئ وننسحبْ

 فشكرا لمنْ أشعلكِ لنكتبَ له وعنه

ما أظلمنا ..ما أحزنكِ حينَ تجيئينَ وأعلى مراتب الشَغَف

ولا شغوف

لقد قام عندنا الدجى فلا قصائد في الروح

 وكأننا لمْ نُصَبْ بالمصابيح التي تنتظر في كل الفصول

…………………….

  خاتمة : المصباح ( مُضاءٌ )  بعشرِ أمثاله

نتبارزُ في العدّ إلى أنْ تنتهي الأرقام ويُضاء قلبَ هذا الكون

وسأبقى يسارية الهوى الى ان تصير العتمة يمينيةالكلام

……

وإني لمْ أدَّخِرْ مني ما يكفي ليومٍ  جديد

وكل الورود التي زرعتها في الجنينة جفّتْ

ويدي التي كانت تُسَلّم كَلّت من طول السلام

لقدْ بعْثَرْتُني على الطريقِ المؤدّي اليك

هل كل تلكَ الهشاشةُ أنا ، هل أعرفُ احدا يشبهني

 كيف هو طعمُ قلبي وكيف أفسدته العتمات

كيف راقص الحلم بيد وحيدة وكيف كتب كل ما يشتهي ان يقوله

ألا فتوبي يا مصابيح

فما بين النور والظلام قدحةٌ..ما أوهنكِ ..؟

 ما اقسى ان اضيْ ولا حبيب وعودتي للانطفاء كاسفة

لا نار لقاء ولا ظل عينيك المهيب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *