في حضن التّوت

خاص- ثقافات

*أنوار الأنوار

كنّا نصغي لأوركسترا من الطبيعة، فيها الصّولو صوتُ ورقةٍ يابسةٍ تعبث بها الرّيح من بقعةٍ إلى أخرى، بينما التوتة وقعُ خطواتنا الشامتة على كومةٍ من الورق اليابس تجمّعَت ذليلةً عند ساق الشجرة العارية. كنتُ منتشيةً إذ أراها بعد أن أصرّت على السقوط تعود واليباسُ حقيقتُها لتستحيلَ غذاءً للشجرة ستورق به من جديدٍ بأوراقٍ أكثر خضرةً وينوعًا. قطعتَ الموسيقى وأنت تنبّهني إلى فراشةٍ قبّلَت زهرةً بشغفٍ قبل أن تتركها راحلةً.

– “بعد الشغف يأتي الرحيل”..

– “ولكنّ الزهرةَ باقيةٌ فيما الفراشة موعدها الهشاشة” ..

ضحكتَ مقهقهًا قبل أن تقبّلني بنهم: “إلا شغفي بكِ لا يتلوه سواه، هو الأبقى” قلتَ وتناولتَ شفتيّ بشفتيك، وشعراتي المنفوشات بين أصابعك. ثمّ سحبتني نحو شجرةٍ أخرى، كان البلبل يتحرّش بها بسمفونية مغازلة..

 يذكّرني بزامفير الذي أعشق صفيرَه – وشوشتُ لك.. ففرّ البلبل هاربًا من همساتي، فيما رحتَ تصفر بأنفاسك في أذنيّ. تراجعتُ عن مديحي لعزفه: لا فلوت ولا ناي ولا موسيقى تضاهي ألحان أنفاسك فيّ..

-“أشتهيك”

-“أشتهيك”

أجابتنا السماء: بلَلٌ بلل.. بللٌ على الزهرات المتفتّحة شوقًا، بللٌ على الأشجار التي تعرّت شبِقةً، بللٌ وسط تأوّهات الرّيح، بللٌ للأرض الشغوفة.. تبلل شعري وشعرك، تبلل جسدانا فتمرّغنا بالتراب.. عادت الأوركسترا بلا صولو. تمازجَت أنفاسنا بالريح بالمطر بصوت الأوراق، بوقع حبّات البرَد بصوت خطانا تركض بحثًا عن ملاذ، بشهقة جاكيتك تخلعه كي تظلّلنا به، بلهفة ريشات عصفورٍ راح يبحث عن مخبأ.. بحفيف أوراقٍ اهتزّت من فرط النشوة.. بصوت رعدةٍ دوّت كصرخة شبقٍ سمائية..

-“ما أحلانا”

– “ما أحلانا”

“ما أحلاهم”، صاح عصفورٌ للشجرة، صاحت الشجرة لأوراقها، صاحت الأوراق للتربة، صاحت التربة للمطر، صاح المطر مزهوًّا بنا:

إنّ الله وأكوانه يصلّون على عاشقَين صادقين. يا أيتها السماء صلّي على الأرض شبقًا..

___

*الجليل

 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *