حان زمن بابل! التحديات المختلفة للتعدد اللغوي

خاص- ثقافات

مادلين ستراتفورد*/ ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**

إهداء المترجم

أهدي هذه الترجمة إلى العلامة الإسباني الدكتور خوان باتشيكو من جامعة إشبيلية  (إسبانيا) و إلى كل زملائي بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط (المغرب) متمنيا لنا جميعا حظا وافرا في مهمتنا الجديدة.

ملخص:

   حسب التصور التقليدي للترجمة، تكمن مهمة المترجمين في تعتيم بابل مصححين، مكيفين و موحدين الخطابات بُغية تسهيل التواصل بين الشعوب. غير أن كُتابا ثنائيِّي اللغة وحتى مُتعدِّدِيها، يحتفون أكثر فأكثر، ب “بابل” مبتكرين نصوصا حيث تتعايش لغتان أو كثير من اللغات. فماذا يحدث عندما تدخل هذه العوالم في تصادم فيقرر مترجم ما رفع التحديات المختلفة التي يطرحها نص متعدد اللغة؟ إن هذه الدراسة، التي بين أيدينا، تموضع أولا التعدد اللغوي الأدبي عبر التاريخ، ثم تلخص تمظهراته المتعددة ووظائفه، و لتشدد أخيرا على أهمية تطوير استراتيجيات جديدة من قبل المترجمين وعلماء الترجمة من أجل جعل “بابل” مشعا.

كلمات مفاتيح: تعدد لغوي- أدب، هجنة، شك لغوي، قابلية الترجمة.

مدخل:

   منذ قرون خلت، و المترجمون متعددو اللغة يكرسون أنفسهم لمد الجسور بين اللغات و الثقافات و الشعوب. يصححون، يكيفون و يوحدون الخطابات بغية تسهيل التواصل. إبان ذلك، اختار متعددو لغات آخرون، أكثر جسارة، الاحتفاء ب “بابل”[1] من خلال خلق نصوص حيث تتعايش لغتان أو أكثر. فما الذي يحدث عندما يدخل العالمان معا في صدام، حيث يتوجب على المترجم أن يواجه نصا متعدد اللغة؟  سنحاول، أولا، في هذه الدراسة أن نموقع ظاهرة التعدد اللغوي في تاريخ الأدب، و لنلخص بعد ذلك، تمظهراتها ووظائفها المختلفة، و أخيرا، سنقوم باختبار مدى قدرة المترجم على رفع التحديات التي تطرحها النصوص متعددة اللغة.

1 التعدد اللغوي الأدبي عبر العصور

   إننا نجد التعدد اللغوي، في تاريخ الأدب، تارة مستحسنا وتارة ممجوجا:” سنراه ينبعث كدُرجة (مودا) تميز الأدب الخاص بحقبة معينة، ليختفي بعد ذلك كليا”. ( إلويرت 1960: 416). و نرصد في العصر الوسيط مجموعة من الأعمال متعددة اللغة، مجموعة من الأجناس المختلطة. في ذلك العصر، كانت غالبية الكتاب و القراء متعددةَ اللغةِ، وهي نزعة ستستمر على الأقل إلى أواخر القرن XVII. (ماكاي:1993.43). فرغم أن الكتاب كانوا يحررون نصوصهم، عموما، باللغة اللاتينية الكلاسيكية فإنهم كانوا، غالبا، يوشونها ببيت شعري أو بمقاطع شعرية باللغة المحلية الخاصة بهم. (فورستر1970: 10، ستاينر 1992: 198-197). و حوالي القرن XIX، حمل الظهور المفاجئ لمفهوم “الأمة” الكتاب متعددي اللغة على اختيار اللغة التي تفصح عن انتمائهم إلى بلد ما. رغم أن عددا كبيرا من الناس واصل التكلم بلغات متعددة في الحياة اليومية، إلا أن الكتابة أصبحت فعلا سياسيا محملا بالتبعات. و إذن، لم يكن الأمر ليشكل مشكلة بالنسبة للكتاب مزدوجي اللغة في إنتاج نصوص هجينة (1). )ماكاي 1993:44). في المقابل، و مع مرور الأيام، فإن منح دلالة ضمنية للغات الوطنية جعل الكتاب محترسين، أكثر فأكثر، ضد وسيلتهم (اللغة):

«Words become dirty because of their associations and the contents in which they are used». (Forster 1970: 93).

    و خلال النصف الأول من القرن XX، أجبرت الحربان العالميتان العديد من الكتاب على ترك بلدانهم الأصلية و اختيار أخرى. وقد واصل بعض من هؤلاء المنفيين الكتابة بلغتهم الأم، بينما فضل آخرون الاستئناس ب (تطويع) لغة بلدهم الجديد[2]، “لأسباب عملية (كإكراه النشر، ضرورة إيجاد جمهور” أو لأسباب شخصية (التكيف مع المحيط اللغوي أو الثقافي الجديد)”. )كلين – لاطود 1996:212). غير أن هذا التطويع اللغوي لا يعني بالضرورة أن لغاتهم تتمازج في نفس النص. فمهما كانت درجة التشبع بالعنصر الأجنبي، فإن اللجوء إلى لغة أخرى يمكن عند الحاجة أن “يحرر”، في نفس الآن، من اللغة الأم و من الماضي الذي تشكل معه هذه الأخيرة “كتلة”. (كلين- لاطود 1996:215). بيد أن ازدواجا لغويا حري، كذلك، بأن يولد تساؤلا ذا طبيعة أنطولوجية عند المترجم متعدد اللغة كما يؤكد ذلك ستاينر:

«In what language am I, suis-je,bin ich(…) ?».(Steiner 1962: 125).

   إن بعض الكتاب متعددي اللغة غير قادرين على التعبير عن أنفسهم بل و حتى على التفكير بلغة واحدة. (ماكاي 1993:50). في هذه الحالات، فإن التعدد اللغوي داخل نص أدبي ما، هو بصفة خاصة، إشارة (أمارة) إلى قلق عميق لدى الكاتب: “يمكن أن نقول إنه مرض: أنا مصاب بالازدواجية اللغوية”، هكذا يقر إلسا تريولي (ذكره كلين – لاطود 1996: 216). و بالتالي فإن حضور العديد من الشفرات اللغوية لا يتمخض دائما عن اختيار إرادي، و ذلك عكس ما يدعي جورج سومبران ( ذكره كلين- لاطود 196: 212). إن التوترات اللغوية التي خلفتها الحربان العالميتان و الهجرات الكثيفة قد ولدت إحساسا بعدم الأمان اللغوي عند الكتاب المنفيين كما عند هؤلاء الذين مكثوا في بلدانهم. إن الكتاب الحداثيين و(ما بعد الحداثيين) أيقنوا بعدم إحساسهم بالانتماء “إلى أصولهم” في لغتهم. ( ستاينر 1992: 185)، و هو الأمر الذي حملهم على مجاهدتها بأية طريقة كانت: «Established language is the enemy » (Steiner 1992:186).، ففي سياق كهذا، ليس غريبا أن يختار بعض الكتاب تحرير عدد من أعمالهم بلغة أجنبية. فمثلا، يبين فورستر بأن اللغة الفرنسية تشكل متنفسا حقيقيا بالنسبة لرينيه ماريا ريلكه، لأن:

 «(French) words are not bundened with irrelevant associations».(Forster 1970 :66).

   لكن، ما الذي يحدث عندما يتولد عند الكتاب الحداثيين انطباع بأن الكلمات “تعوزهم” و أن أية لغة غير جديرة بنقل مشاعرهم؟ حسب ستاينر[3] فهم يسعون إلى تجديد لغتهم لتفادي الصمت (العجز) مستعملين ثلاث طرق:

 «a process of dislocation, an amalgam of existing languages, or a search for self- consistent neologism». (Steiner 1992: 196).

    فعن طريق هدم القواعد النحوية للغتهم الأم أو إدراج كلمات أجنبية فيها و اللُّقْيَاتِ الشخصية، استطاع الشعراء الحداثيون، إذن، بعث مكانة الأدب متعدد اللغات: “إن الثنائية اللغوية الأدبية، عوض أن تكون عائقا أمام الإنتاج، قد تم الاعتراف بها كمصدر للتجديد و التداخل الخلاق”. (سيمون :1996  56). إذا وافقنا ستاينر فيما يذهب إليه، فإن الإبداعات الجماعية متعددة اللغة لشعراء الطليعة ربما يمثلون النموذج الأكبر (المتطرف) للتجريب متعدد اللغة في الأدب الحداثي. (ستاينر :1992  198). منذ حوالي عشرات السنين، يحضر اللاتجانس (التعدد) اللغوي الأدبي إلى درجة أن أصبح: “يعاشر الكتابة المابعد حداثية”. (سيمون : 1996 55). إن السكان في زمن العولمة قد اختلطوا، امحت الحدود و وتنوعت الآداب على إيقاع الهجرات. ف “المجتمعات متعددة اللغة لم تكن لتشكل الاستثناء، بحيث يمكن القول إنها أصبحت تشكل المعيار. (ماكاي 1993 : 48؛ سيمون 1994). فقد بنت مجموعة من الجماعات متعددة اللغة هويتها منتجة أدبا غير متجانس اللغة (متعدد) بكل عزم. (لوايس 2003 : 412). وهكذا نجد سيمون يحيي أصالة و عبقرية هذه الآداب الصاعدة: “عن طريق مساءلة متخيلات الانتماء، و نُشدان التنافر و التداخل النصي، يقدم النص متعدد اللغة صورة عن الاضطرابات الاجتماعية – الديموغرافية والتصورية لعصرنا، و يدعو إلى تبني طرائق جديدة في عملية الأَدْلَلَةِ”. (سيمون 1996 : 56-55). و مع بداية القرن XXI، غدت الآداب (الوطنية) تعكس المجتمعات متعددة اللغة التي تنبثق عنها.

  إن هذه النظرة السريعة للتاريخ الأدبي تبين مدى الحضور القوي للتعدد اللغوي في الأدب. فباعتباره دُرْجَةً (مودا) أو إنشاء فإن التعدد اللغوي يبدو أنه وُجِدَ في كل مكان و في كل عصر على وجه التقريب. ومن جانب آخر، فإن الكم الهائل للدراسات التي تنصب على هذه الظاهرة تميل إلى تأكيد أهميتها. في القسم الموالي، سوف نعالج مختلف الصور التي يعرف بها المنظرون التعدد اللغوي و كذا مختلف التمظهرات و الوظائف التي يمكن لهذا الأخير أن يمتلكها داخل الأدب.

2 التعدد اللغوي في كل حالاته

1 .2 تجلياته

    يحدد أندراس هورن ثلاثة سياقات لتساكن عدة لغات في الأدب قد ظهرت مجتمعة أو منفردة عبر التاريخ: 1- في أعمال مختلفة داخل أدب وطن واحد؛2 – في أعمال مختلفة لنفس الكاتب؛3 – في نفس العمل حيث يتم تقديم خليط من عدة لغات. (هورن 1981:225). قل ما يهم أن يتم نعت هذا الأدب ب: [4]«bilingue»- ثنائي اللغة، (ساركوناك و هودغسون 1993: 13)؛ ب: [5]«multilingue» – متنوع اللغة، ( غروتمان 2004:157)، أو ب:[6] «plurilingue» – متعدد اللغة، (ماكاي 1993: 46؛ إلويرت 1960: 416). فالمنظرون يرجعون ، تقريبا، دائما إلى النصوص التي تحتوي على ما يسميه لوايس ب: «Interpénétration horizontal» – التداخل الأفقي، للغات. (لوايس 2003: 411)، المرادف غير المسبوق للتعبير الشائع كثيرا: «Alternance de codes» – تناوب الشفرات، كورطوسي 1993: 107). و هكذا تُؤْثِرُ غالبية النقاد قَصْرَ تحاليلها على الوضعية الثالثة الموصوفة من طرف هورن، أي النصوص حيث تظهر مترافقةً العديدُ من اللغات. (إلويرت 1960:410؛ جيز 1961: 80، غروتمان 2004 : 157؛ غرتوسي 1993:107؛ ساركوناك و هودغسون 1993: 17).

  عموما، أصبحنا نتوقع أن يمزج كاتب نص ما متعدد اللغة داخله بين لغته الأم ولغة أجنبية أخرى. غير أن اللغات المستعملة ليست متباعدة، بالضرورة، عن بعضها البعض. و بالفعل فإن الكتاب المنحدرين من مجتمعات مزدوجة اللغة بإمكانهم المزج بين لغتين أو أكثر و التي تعتبر كلها (لغة أُمًّا) داخل جماعتهم اللغوية، كما تفصح عن ذلك نصوص الكتاب التشيكانيين «Los chicanos»[7]، المعاصرين و الذين يؤلفون، غالبا، بين اللغتين الإنجليزية و الإسبانية. (غروتمان 2004:157). و علاوة على ذلك، فإنه يلاحظ على أن نصا ما يمكن اعتباره، كذلك، متعدد اللغة عندما يكشف عن استعمال اللهجات، اللهجات الاجتماعية، الألفاظ المستحدثة الخاصة بكاتب ما أو حضور لغة “اصطناعية” أو “مبتدعة”. غروتمان 2004 : 158؛ إلوارت 1960: 412 – 416). و بالنظر إلى التعدد اللغوي من هذه الزاوية، فإنه يشمل كمية كبيرة من الأعمال المنتمية لكل الأنواع.

   إن عدد الحالات يتصاعد أيضا إذا اعتبرنا معه أن كمية العناصر اللامتجانسة التي تظهر داخل النص يمكن أن تتعدد من لفظة إلى مقاطع بكاملها. إلوارت 1960: 415؛ غروتمان 2004 :158، كرتوسي 1993:107). يضيف إلوارت بأن درجة تردد هذه الإقحامات (الإدراجات) تتغير: يمكن للعمل كلية أن يتأثر أو فقط بعض من مفاصله هي التي يطالها هذا الأمر، و ذلك: “بطريقة خاصة (…) (أو) وفق إجراء منهجي”. (إلوارت 1960:415). و يشير سكوغت إلى أن هذه الإقحامات يمكن أن يتم “إدراجها” في النص، تقريبا،عن طريق:

 «By orthographic and/ or morphological adaptation to the sistems of the receiving language».(Schogt 1988: 112).

و ينوه ساركوناك وهودغسون بدورهما، كذلك، بالطابع الواضح تقريبا “للغرابة”:

«Ranging all the way from outright  code switching – where italics would normally be used to underscore the change in code – to more subtle cases of linguistic ‘‘ interference’’». (Sarconak and hodgson 1993: 16).

    و يموضع ستيرنبورغ النصوص متعددة اللغة بين قطبين: (النقل الآلي) Vehicular maching ؛ حيث تتم إعادة إنتاج الخطاب متعدد اللغة للشخوص في نسخته “الأصلية”. (و التجنيس الاتفاقي)  Homogenizing convention؛ حيث يوحد الكاتب الاستشهادات ناقلا إياها بلغة السرد الرئيسة. (ستيرنبورغ 1981:224- 223). و هكذا، فإن التعدد اللغوي يمكن أن يتموضع، زيادة، إلى جانب (النقل الآلي) Vehicular maching حائزا تمظهرين رئيسين اثنين هما: “إعادة الإنتاج الانتقائي” و “التبديل اللفظي”. (ستيرنبورغ  1981: 225). أولا، تتسم “إعادة الإنتاج الانتقائي” بظهور معزول لكلام شخصية ما داخل “اللغة الأصلية”، و أحيانا يكون هذا الكلام مرفقا بترجمة بين قوسين بغية تسهيل الفهم لدى القراء. (ستيرنبورغ 1981:227-226) (2). ثانيا، يخص “التبديل اللفظي” حالات التلاسن (التداخل بين الألسن)[8]، حيث تعكس اللغة الرئيسة للمؤلف بعض الخصائص (المعجمية و الصرفية والتركيبية) للغة “الأجنبية”. (ستيرنبورغ 1981: 228-227). فيما يخص هذا الموضوع، يضرب لوايس مثلا بآداب ما بعد الحداثة، حيث حاول العديد من الكتاب: “إسماع صوتهم عبر لغات أوربية والتي فرضت نفسها عليهم (3)…جاعلين نصهم يمر عبر رحم ثقافاتها نفسها (…)، لقد انتهى هؤلاء الكتاب إلى نسج نص يعد محتواه نتاجا لأكثر من ثقافة، لأكثر من لغة و لأكثر من تجربة كونية”.(لوايس 2003:416).

2.2 وظائفه

    إن كاتبا ما يملك عدة أسباب تجعله يدرج عناصر لغوية أجنبية في نصه. فمثلا، يعتقد العديد من المنظرين أن الكتاب يلتجئون، قبل كل شيء، إلى اللغات الأجنبية كي يقدموا صورة ضاربة في الواقعية لمجتمع أو جماعة مزدوجة اللغة؛ أو بغية إيضاح جنسية شخص ما و التشديد عليها. (إلوارت 1960:417؛ جيز 1961:83؛ ساركوناك وهودغسون 1993:24؛سكوغت 1988: .(112 فضلا عن ذلك، فإن كاتبا ما يمكن أن يبحث عبر هذا عن إعطاء شيء من “الأناقة الكونية” للنص. (جيز1961 :87؛ غروتمان 1993:224؛ سكوغت 1988:113)؛ أو حتى من أجل “استعراض معارفه اللغوية”. (إلوارت 1960:(417. هذا إن لم تكن له، فقط، الرغبة في اكتشاف الأجواء الصوتية الأجنبية من أجل المتعة الشخصية. (ساركوناك و هودغسون 1993: 24). هذا وقد درس هورن، بتفصيل أكثر، هذه الوضعية و أنجز لائحة مستفيضة تلخص جيدا الأدوار الرئيسة للتعدد اللغوي الأدبي:

1- نحت الشخصية.

2 – رفع درجة الإيهام بالواقع.

3- خلق نبرة للمؤلف.

4- المساهمة في توحيد مجموعة من العناصر غير المتجانسة.

5- خلق أثر فكاهي.

6- نقل مفهوم خاص إلى لغة ما.

7- أداء دور عامل جمالي محض.

8- لعب دور استشهادي.

   و تبعا للجنس الأدبي الذي يتجلى في التعدد اللغوي، يمكن أن تحوز الأهمية هذه الوظيفة أو تلك. فمثلا، رغم أن هورن لم يشر إلى ذلك بصريح العبارة، فإن الوظائف رقم (2-1 و 8) تدفع إلى التفكير في أنها يمكن أن تقتصر على النثر (الرواية و المسرح)؛ في حين أن الوظائف الأخرى يمكن أن تشمل الشعر. صحيح أن مشاكل الترجمة و كذا الاستراتيجيات القمينة بحلها ستكون رهينة بوظائف و صور التعدد اللغوي في النص الأصلي. غير أنه إذا كان التعدد اللغوي الأدبي يبدو أنه، دائما، يشغل وظيفة مهما كانت، فإنه يعتبر، أحيانا، عنصرا رئيسا قطعا حيث يمكن للنص بدونه أن يفقد مزيته:

 «An integral part of text’s overall significance» (  ساركوناك و هودغسون1993 :17(.

    و يشترط غروتمان بأن نصا ما لا يمكن اعتباره حقيقة “مزدوج اللغة” إلا إذا أدى فيه تمازج اللغات دورا “واردا “. (غروتمان 1993:209).

   إجمالا، يبدو أن هذه الخلاصة المتعلقة بتمظهرات (تجليات) ووظائف التعدد اللغوي في الأدب، تبعث على القول إن عددا كبيرا من الأعمال الأدبية، من أجناس أدبية مختلطة، يمكن أن نحكم عليها بأنها “متعددة اللغة” بدرجة، تقريبا، واضحة. و الحال أنه إذا كان إدراج لغات أجنبية متكررا و مفيدا بالنسبة للكتاب و أنه ملتحم حتى بالحبكة، فإنه سيكون من المرغوب فيه المحافظة، ليكن، على الأثر أثناء الترجمة. سنرى الآن إلى أي مدى يمكن حسب المنظرين ترجمة نص متعدد اللغة.

3 التعدد اللغوي الأدبي في الترجمة

1 .3 صمت نظري

   لقد تأسف جاك دريدا[9] في مقالة له صدرت في سنة 1985 على كون نظريات الترجمة لا تنصب، في الغالب الأعم، على الأعمال متعددة اللغة التي تثير “إمكانية إشراك أكثر من لغتين في نص واحد” (7) . (دريدا 1985: 215). وصحيح أنه على إثر بروز الدراسات المابعد حداثية، أصبح الآن عدد متزايد من المنظريين يهتم بالنصوص متعددة اللغة. و نفكر هاهنا، بصفة خاصة، في أعمال جماعية من قبيل:Post    – colonial translation؛ Changing the terms  و Rethinking Translation (8). غير أن هذه المنتخبات تعالج، قبل كل شيء، “شعرية الترجمة”: بحيث يقيم الكتاب في هذه المنتخبات توازيا مقنعا بين الفعل الترجمي و الكتابة المابعد حداثية، و لكن لم يفعلوا إلا إثارة إمكانية ترجمة النصوص قيد الدراسة، هي الأخرى، (من جهة أخرى هي نصوص متعددة ثقافيا أكثر منه لغويا) إلى لغة أخرى. إذا، سيتضح أن لوايس كان على حق عندما يؤكد بأن المنظرين لا ينكبون دائما، بطريقة أكثر واقعية، على “التحديات التي تطرحها هذه التنويعات ( الهجينة) مقابل التصورات المتفق عليها فيما يخص اللغة و الترجمة”. (لوايس 2003: 412). و بالفعل، فإنه يمكن القول إن علماء الترجمة ما زالوا، حقيقة، لم يتعاطوا بعد مع المشكلات التي يمكن أن تتمخض عنها ترجمة نص متعدد اللغة.

    أولا، فإن الكثيرين لا يخصصون إلا بعض الأسطر للتعدد اللغوي و ينفضون أيديهم حتى قبل استقصاء موضوعهم. فمثلا، يقدم جورج ستاينر وعدا بالرجوع إلى الوراء بصدد المشاكل الترجمية التي تثيرها الهجنة، في إحدى المقاطع التي يعالج فيها عملا جماعيا متعدد اللغة و حديثا. (ستاينر  1992 :198). غير أننا نتحقق، بما لا يترك مجالا للشك، عند قراءة كتابه بأن ستاينر لم يف بوعده. و بنفس الطريقة يكتفي ستيرنبورغ بإثارة هذه المسألة، و فقط، في نهاية مقالته:

«What happens to a translation, a mimesis in translation, especially when the new target language is none other than the heterolingual source imitaded by the original text?».(:239 1981 ستيرنبورغ).

    فإنه لا يعطي فقط إلا ظل جواب و لكنه يوضح أيضا أنه لا يرغب أبدا في المشاركة في هذا النقاش:

 «My purpose has been to demonstrate the power and range of translation (i.e. polyglot writing), not to legitimate the vagaries of translators». (239 :1981 ستيرنبورغ).

2 .3 درب بلا مخرج؟

    إن غالبية هؤلاء الذين يحاولون الإجابة على هذا السؤال يسكنهم تشاؤم قاتل. أما جواب جاك دريدا فهو، بالأحرى، مثبط للهمة؛ وفعلا، فإن هذا الناقد يكتفي بالتأكيد على حتمية استحالة التعدد اللغوي: “في وسع الترجمة كل شيء، باستثناء أن تحد (…) هذا الاختلاف في الأنظمة اللغوية المحشورة في لغة واحدة، فهي تقدر على تمرير كل شيء في حدود (…) إلا إذا كان هناك، في نظام لغوي معين، ربما عدة لغات”. (دريدا 1982:134). و حتى أنطوان بيرمان[10] نفسه، الأكثر تفاؤلا، كما هو معلوم، فيما يخص إمكانية تعويض “محنة الغريب”، سيستسلم أمام “التهديد” الذي تشكله الترجمة فيما يتصل ب: “تراكب اللغات”. و يخلص إلى أن عدم التجانس اللغوي يسير نحو “الامحاء” في غالبية الترجمات التي يعرف. (برمان 1985:79)؛ و لا يرى كيف يتخلص من هذا المأزق.

     يعتبر سكوغت واحدا من هؤلاء الذين خصصوا وقتا أطول، حقيقة، لهذا الموضوع و ذلك في الفصل السابع عشر من كتابه الذي يحمل عنوان:Linguistics, Literary analysis and literary translation.(1988).؛ ويبدو، منذ الوهلة الأولى، أن سكوغت يريد وضع صياغة أولى ل:” نظرية”، و يبدأ بالقول:

«Only the main language of the text is replaced; the foreign elements remaining unchaged». (114 : 1988 سكوغت).

   في المقابل، تفقد “القاعدة” قيمتها عندما تكون اللغات المتراكبة في النص الأصلي منتمية إلى نفس العائلة و تكون “قابلة للفهم” من طرف مخاطبي اللغة الرئيسة. في هذه الحالات هاهنا، يقول سكوغت إنه سيغض الطرف عن هذه الفروق اللغوية و سيترجم الكل ككتلة واحدة. (سكوغت 1988:114). بعد ذلك تتضاعف التعقيدات. ففي المقام الأول، يعترف سكوغت بأن عنصرا “أجنبيا” ما لا يملك نفس الدلالة الإيحائية بالنسبة لجميع الثقافات:

 «Ethnic stereotypes and prejudices vary from on people to another». (114 : 1988 سكوغت).

   و يختم في معرض حديثه عن الأمر بكون الحلول الإعجازية  لا توجد أبدا:

«One has to be resigned to accept this state of affairs». (114 : 1988 سكوغت).

    إنه لا يلوي، و لو على مخرج، للمشكلة الشاقة التي تنبثق عندما تكون اللغة المترجمة هي نفسها مثلما هو عليه الأمر مع العناصر غير المتجانسة في النص الأصلي. (سكوغت 1988:114). لكن هناك المزيد: ففي بداية نصه، كان سكوغت قد كتب ما مفاده أن أهمية وظيفة العنصر الأجنبي هي التي بإمكانها تحديد ما إذا كان يلزمنا أم لا نسخه في النص المترجم ( الترجمة). ( سكوغت 1988:112).غير أنه يحد من غلواء هذه “القاعدة” في آخر الفصل:

 «The literary importance of an element is far from being a guarantee that the translation will maintain it». (114 : 1988 سكوغت).

   يعتقد سكوغت، في نهاية المطاف، أنه ليس في إمكان أية نظرية أن تساعد، كما يجب، المترجم الذي يحتاج إلى خيارات (قرارات) ذات طبيعة “عملية” محضة. (سكوغت 1988:119). و على إثر قراءة هذه المقالة، يبدو أنه من المستحيل تسطير قواعد كونية خاصة بترجمة النصوص متعددة اللغة. في المقابل، يبدو أنه يتحتم على المترجمين معالجة المشكلات حالةً حالةً.

3.3 التَّصَامُّ.

     في الحقيقة، يمكن أن نقول إن “قاعدة” الترجمة تتجه أكثر نحو “النفي” الخالص و البسيط “للتهجين اللغوي” منه إلى المحافظة عليه. ( لوايس 2003:418). على أية حال، يبدو أن العديد من المنظرين ميالين إلى اعتقاد هذا الأمر، و على وجه الخصوص، هايس الذي يلاحظ في دراسته الحديثة حول دبلجة الأفلام متعددة اللغة:

 «Examples of flattening out and the formalisation of authentic soundin spoken languagr are to be found in almost all dubbed version whatever the genre». (213 2004   . (هايس

    في نفس الاتجاه، يسجل باتري الملاحظة الآتية أثناء تحليله لترجمة المعجم الإنجليزي الفرنسي لجاك فرون: “إن الإقحام الكلي (الكامل) لهذه العناصر داخل اللغة الهدف هو الاستراتيجية (…) التي ظلت منذ زمن بعيد مفضلة في معظم الترجمات و بالنسبة لجميع المترجمين. (باتري 2001: 457). و يسجل ميزي، كذلك، “كون العديد من المترجمين الإنجليزيين للنصوص المكتوبة بالفرنسية الكيبيكية يتجاهلون الإقحامات الإنجليزية في النص الفرنسي”. (ميزي 1988:13 ). غير أنهم يتفقون جميعا على أن عملية تعطيل (محو) لا تجانسية الشفرة الأصلية يمكن أن تكون له آثار غير مرغوب فيها. فحسب باتري فإن “تسوية” اللغات “تُشوه” النص على المستوى الثقافي، الأسلوبي و الإيديولوجي: “إنها تعمل على إسكات (…) صوت الغريب، و تمحو تميزه اللغوي، وتهدد حتى بتغيير مُحتواه “مقربةً إياهُ من القيم المهيمنة الخاصة بمجتمع معين”. (باتري 2001: 456). فمثلا، إن ترجمةً بالإنجليزية المعيارية للغة الفرنسية الكيبيكية المليئة طوعا بالتعابير الإنجليزية سيعرض النص لفقدان هويته:

 «(it) can give us a biased and modified impression of quebec.quebec becoms not what it is, but what we wissh it it to be».. (ميزي 1988 : 18)     

   علاوة على ذلك فإن جودة العمل، و حتى تماسكه الداخلي يمكن أن يتأثرا بصورة فظيعة عن طريق التوحيد المنهجي للغة. و يضرب هايس مثلا، على وجه الخصوص، بالفيلم متعدد اللغة: «Le mépris» لجون لوك غودار، حيث تعتبر شخصية الترجمان مركزية. والحال أنه، في الترجمات المدبلجة[11] في لغة موحدة و معيارية يصبح الترجمان ليس فقط غير ضروري بل و حتى باعثا على الضحك تقريبا:

 «The film audience (of the dubbed versions) was presented with a person, who spent part of her time repeating words in a meaningless fashion and partly reciting senseless, newly invented chunks of dialogue».هايس 2004: 208 )).

   لقد كان بارتي محقا تماما عندما يصرح بأنه عندما يتعلق الأمر بنصوص تراهن على لغات مختلفة “فإن ترجمة مضبوطة للمحتوى اللغوي ليست بالضرورة ضامنة لترجمة أدبية جيدة”. (باتري 2001: 416).

4.3 التدويل (الابتذال) من أجل جمهور واسع.

    لماذا تظل الممارسة الساعية إلى توحيد اللغة (في النص المترجم) أكثر شعبية رغم العواقب المقلقة التي تسببها؟ يعزي البعض هذه الوضعية إلى انشغالات ذات طبيعة مالية. و بالفعل، يمكن القول إن المترجمين (ربما تحت تأثير دُورِ النشر) يوجهون جهودهم نحو خلق نص متجانس لأن هذا الأخير سيكون “أكثر يسرا على الفهم” و أكثر استساغة في القراءة”. ( ميزي 1988: 20). و هكذا، فإن الرغبة في ( أو الالتزام ب) إنتاج نص و الذي من شأنه أن يُباع كثيرا، يمكن أن تدفع بعض المترجمين إلى “مجانسة” الشفرة اللغوية. و حسب هايس، فإن  هذه الظاهرة ستكون، بالخصوص، متكررة (صارخة) في مجال دبلجة الأفلام حيث يسود:

  «The widespread practice of traying to meet the presumed expectations of the target audience». .(هايس 2004: 213)

أي فيما معناه تعميم هذه الظاهرة من أجل تلبية أفق انتظار الجمهور الواسع المحتمل.

   إن المترجمين الذين يجنسون (يوحدون) النص متعدد اللغة ربما وقر لديهم أن جمهور النص الأصلي يفهم جميع اللغات التي تمت مراكبتها فيه. و الحال أن تعدد اللغات “في نص ما” يخلق نوعا من التوتر بمعزل عن الأوصاف اللغوية التي نصف بها القراء المقصودين. (ستيرنبورغ 1981: 222). وحقيقة، لا يوجد أي شيء يشير إلى أن نص الانطلاق يتوجه إلى قراء ثنائيي اللغة أو متعدديها.( غروتمان 2004: 158). إن كاتبا ما يمكنه حتى أن يدرج عمدا بعض العناصر في لغة يعرف بالسبق أنها غير معروفة عند جمهوره. و حسب إلوارت فإن هذ الإجراء ” يسبب أمرين”: 1) –  يكون العنصر الأجنبي مختزلا جدا، و محدودا في بعض الكلمات أو في نهاية جملة؛ و2)- يجب أن يكون متبوعا على الفور بالترجمة أو بالشرح”. (إلوارت 1960: 422). و إذن قراءة نص ما لا تستدعي، في العادة، إلا قليلا من الخيال. (غروتمان 2004: 158). أخيرا، يصبح التعدد اللغوي الأدبي إشكاليا عندما يتطلب فهمه، حقيقة، معرفة لغة أخرى. (غروتمان 1993: 212). لا تهم كثيرا درجة التعدد اللغوي (اللاتجانس)  في النص؛ فمن الأكيد أن التعدد اللغوي للخطاب يحفز القارئ على المشاركة بفعالية في عملية فك شفرته.( ساركوناك و هودغسون 1993: 9 – 10). لهذا السبب، فإن المترجم الذي يفضل توحيد الشفرة اللغوية للعمل يترك الانطباع بأنه يريد تقديم كل شيء جاهزا إلى قرائه، مسيئا تقدير قدراتهم التأويلية، من جهة، و دافعا بهم، من جهة أخرى، إلى الجمود.

    بقول هذا، لا يمكن أن ننفي أهمية أخذ السياق بعين الاعتبار كثيرا من لدن المترجم؛ هذا السياق الذي سيتلقى ترجمته إذا ما أراد أن تكون هذه الترجمة مقروءة و مفهومة بنفس درجة النص الأصلي بالنسبة لجمهوره: “من هذا المنظور، يلزم المترجم معرفة سياق تلقي النص من أجل أن يكون أهلا لتعديل سلوكه طبقا لهذا السياق”. ( لوايس 2003: 419). بعد كل هذا، ليس الهدف هو خلق فوضى غير قابلة للفهم، و لكن توليد جسم ( مجموع) مركب بإمكان القراء أن يعاشروه ( يألفوه).” إن المترجم (…) يبحث (…) عن خلق، نصوص دالة، و ذلك حسب الأدوات اللغوية لجماعة مستقبلة ما (متلقية)”. ( لوايس 2003: 413). الشيء المؤكد هو أن مترجم النص متعدد اللغة، بغض النظر عن أخذه بعين الاعتبار الحفاظ على عدم التجانس اللغوي للعمل، هو محتاج في الحقيقة أكثر إلى ما دون المعارف اللغوية البسيطة لأداء مهمته الصعبة بنجاح. و بالفعل فإن  كل العوامل الآتية يجب أن تدخل في تفاعل أثناء السيرورة الترجمية:

 «The particular system of the text, the system of the cutlture out of which the text has sprung, and the cultural system in which the metatext will be created».(ميزي 1988: 15).

     فمن أجل أن يكون أهلا كي يحكم متى و أين يمكن أو يجب نسخ العناصر غير المتجانسة، يتوجب على المترجم، ليس فقط معرفة ثقافة الجمهور المستهدف معرفة جيدة، و إنما معرفة / فهم تلك المتعلقة بجمهور الانطلاق (المصدر). كذلك، يلزمه أن يتآلف مع النص و أن يفقه ( يعي) الميكانزمات التي تنظمه.

5.3 عبادة القاعدة

    من جانب آخر، فإنه من الممكن أن توحيدا (مَعْيَرَةَ) حادا للشفرات المتعددة يكون راسخا بأكثر عمق مقارنة مع حالة الإكراهات التجارية. و بالفعل فإن هذه الأسباب يمكن أن تتجذر حتى في أخلاقية علم الترجمة الذي ينزع نحو تفضيل تصور”معياري” للغة. إن هذا يهم تدريس الترجمة و ممارستها على حد سواء، حيث نقوم بالبحث، عموما، عن تحرير نصوص صحيحة من الناحية النحوية كما الاصطلاحية. فتوجهٌ كهذا، يجعل المترجمين، غالبا، ينظرون إلى: “(…) كل تمظهر للاتجانس اللغوي (…) كانحراف”. ( لوايس 2003: 412). فمثلا، رغم أن ستاينر يعترف بأن الفعل الترجمي يسعى إلى: “إعادة إبداع شكل المَعْنَنَةِ”، فهو يعتبر أنه ينطوي على نزوع إلى “إلغاء – التعبير- التعددية”. ( ستاينر 1992: 246). تذهب زاوية Rubrique)) في “التعدد اللغوي و الترجمة”، في:la Routledge Encyclopedia of Translation Studies، إلى أبعد من هذا عندما تقدم تصنيفا ثنائيا واضحا بين التعدد اللغوي  Multilinguisme و الترجمة Traduction:

 «Multilingualism evokes the copresence of two or more languages (in a given society, text or individual), Translation evokes a substitution of one language for another».( غروتمان 2004: 157).

   فحسب هذا التعريف، تكون الترجمة غير جديرة لأداء نص متعدد لغويا لأن السيرورة الترجمية تستلزم تغييرا، بطريقة نسقية، و الذي من شأنه محو التعددية. كذلك، بما أن الأدب متعدد اللغة غير مكتوب بلغة رسمية و إنما ب “لغة هجينة” التي تفصح عن التعارضات، فإنه ليس من المستغرب أن تولد عند العديد من المترجمين رغبة في “معيرة/ تقييس” الخطاب غير المتجانس.

    من الثابت أنه على المترجم أن يبين عن انفتاح  كبير على الآخر إذا ما أراد أن تكون ترجمته هي الأخرى، كذلك، “منفتحة”:

 «Open the differences open one in the process of being created». (ميزي 1988: 20). من أجل ذلك، لا يجب على المترجم أن يخشى على نفسه من اللعب بلغته، من أن يترك الآخر، و ينفذ حتى إلى حدود تغيير بنيتها. و رغم أن ترجمة متعددة اللغة لن يكون لها أثر مشابه، بالفعل، لأثر النص الأصل، إلا أنه سيكون لها  الفضل في الاعتراف بطبيعته غير المتجانسة  و في القدرة على التجرؤ على إعادة إنتاجه، و هو أمر أحسن بكثير، في حد ذاته، مسبقا، من تجاهل الظاهرة كليا. و فيما يخص الآثار الإيجابية، لذلك، في مجال دبلجة الأفلام، يختم هايس بأن:

 «The creative use of these means (compensation at syntactic, lexical, pragmatic and phonetic levels) could produce dubbed versions that are much more satisfying and appropriate than those containing the smoothed over and levelled out « dubbese » so often presented in the so- called dubbing countries». .(هايس 2004: 211)  

  و في بعض الحالات، يمكن للترجمة أن تكون أكثر غرابة في النص الأصلي، دون أن تكون سيئة بالضرورة، هكذا.

6.3 بصيص أمل

     في الواقع، ليس منظرو الترجمة، غالبا، هم الذين يوجدون في موضع يمكنهم من الحديث عن الحلول الواقعية للمشاكل التي يطرحها التعدد اللغوي الأدبي و إنما بالأحرى، يتعلق الأمر بالمترجمين أنفسهم؛ ربما لأنهم، بالضبط، ممارسون أكثر مما هم منظرون، و هنا تزودنا مقالتان حديثتان، على وجه الخصوص، بدرب من الأهمية بمكان:

 «Life is a Caravanserai: Translating Translated Marginality, a Turkish.german Zwittertext in English » ، للويس فلوتو و :Strategies de traduction et non- traduction dans: The widows de Suzette  Mayr » ، لنتالي راميير(9). وتعالج فون فلوتو ترجمتها الإنجليزية لرواية مكتوبة غريبة و غاصة (مليئة) بالاقتباسات التركية سواء على المستوى الشكلي (المعجمي، النحوي و الصرفي) أو الموضوعي. أما فيما يخص راميير فهي تكتب، هي الأخرى كذلك، حول ترجمتها الشخصية لإحدى روايات ألبيرت التي تحكي قصة ثلاث مهاجرات ألمانيات في كندا، حيث تنعكس الهجنة الثقافية في لغة السرد.

    و في الحالتين معا، تحكم المترجمتان بأن التعدد اللغوي هو خاصية جوهرية ( داخلية) سواء بالنسبة للنص الأصلي أو ترجمته. ولا جرم أن كون الروايتين تغطيان (تستجيبان ل) الوظائف الثمان المتعلقة باللاتجانس اللغوي الأدبي التي حصرها هورن أعلاه، يجعل هذه الخاصية أمرا معقولا؛ (اُنظر النقطة 2.2 من هذه المقالة). في المقام الأول، يعمل اللاتجانس اللغوي على تمييز الجالية التركية في ألمانيا و الجالية الألمانية في الغرب الكندي (1)، و ذلك بطريقة واقعية و على التوالي، رافعا هكذا من درجة الإيهام بواقعية السرد (2). و من جهة أخرى، فإن هذا يتم، غالبا، على شكل استشهاد في كلا العملين (8). بعد ذلك، فإن الهجنة اللغوية تؤسس (تفصح عن) النبرة الشخصية جدا و الأصيلة للكاتبة (3). أضف إلى ذلك أن اللغة تساهم في توحيد الثقافات الممثلة هاهنا (الألمانية – التركية، الألمانية – الكندية) و المتباعدة جدا الواحدة من الأخرى بوجه عام (4). و أخيرا، فإن الاختلاط اللغوي يساهم تحديدا في نقل مفاهيم أجنبية إلى لغة السرد (6)، محدثة أحيانا أثناء النقل أثرا فكاهيا (5) أو شعريا أيضا؛ (7) وعليه، فليس من المستغرب أن تحاول سواء فون فلوتو أو راميير الحفاظ على الهجنة اللغوية للنص الأصلي في ترجمتهما.

    بما أن التعدد اللغوي في Life is a Caravanserai [12] هو نفسه متمخض عن اقتباسات تركيبية في الألمانية، فقد ارتأت فون فلوتو، في أغلب الحالات، اقتباس الاقتباس لتكون ترجمة إنجليزية “حرفية كما هي ممكنة كذلك”  للترجمات الحرفية للتركية في اللغة الألمانية (فون فلوتو 2000: 68). و من بين أشياء أخرى، نجد أن البنى النحوية، و التي هي مزيجة في اللغة الألمانية، هي أيضا على هذه الحال في اللغة الإنجليزية، مثل الغياب مثلا المتعمد للمفعول به حيث يجب أن يكون حضور هذا الأخير ضروريا من الناحية النحوية. (فون فلوتو 2000: 70). كذلك فإن الاقتراضات المباشرة إلى اللغة العربية أو التركية تتم إعادة إنتاجها كما هي عليه في اللغة الإنجليزية. (فون فلوتو 2000: 71). علاوة على ذلك فإن كون هذه الإجراءات تكشف عن انتماء العمل إلى أدب أقلية يجعل فون فلوتو تضيف بأن عملية اقتباس المعجم و البنيات المضطربة للنص الأصلي:

 «May even allow English readers/speakers of Turkish to understand and enjoy some of the subtext hidden wordplay».(فون فلوتو 2000: 68).

    و حسب فون فلوتو[13]، فإن مقاربتها الترجمية “الحرفية” تنجح في إنتاج خليط لغوي متجانس و الذي لا ينقل فقط الاختلاف الذي يميز النص الأصلي و إنما يشدد عليه كذلك. (فون فلوتو 2000: 71).

     و بنفس طريقة فون فلوتو، فإن راميير هي الأخرى تحتفظ ما أمكنها ذلك بالاقتراضات المباشرة من اللغة الألمانية في ترجمتها الفرنسية، من أجل أن “تجعل نصها يبدو أجنبيا و كي تحافظ على البعد الفكاهي” للنص الأصلي. (راميير 2003: 188). و فيما يخص ما تسميه ب (Cross-références) ، أي الإحالات المترافقة، بين الإنجليزية و الألمانية الحاضرة في النص الأصلي، فإن راميير قررت الاحتفاظ بها في غالب الأحيان و ما أمكنها ذلك. إن حضور الإحالات الإنجليزية في النص الفرنسي يجعل الترجمة، في بعض الأحيان، أكثر هجنة و انعكاسية (métalinguistique) من النص الأصلي: “فاستراتيجية كهذه، تذكر القارئ، بكل وضوح، بأنه بصدد قراءة ترجمة، لكنها تؤكد أيضا كون أدب الهجرة “فضاء للتعبير الخارجي/ périphérique”. (سيمون 1994: 25)؛ (راميير 2003: 189).غير أن راميير تتردد أكثر من فون فلوتو في تغريب قراء ترجمتها. و لهذا فهي فضلت أن تفسر التعابير الألمانية التي رأت أنها غير قابلة للفهم من طرف جمهور فرانكوفوني. فهي تترجم، مثلا، «kaffee    klatsch» ب: “بعض من النساء اعتدن تناول القهوة جماعة”. و «Hausfrau » ب: “ربة بيت ألماني”. (راميير 2003، 188). حتى و إن تقاسمنا مع راميير مقتها للهوامش (الإحالات)، فإنه من الواضح أن نتبين أن تفسيراتها فيها شيء من الثقل لتندرج مباشرة في النص. ومن جهة أخرى، يمكننا أن نتساءل حول ما إذا كان القارئ الفرانكفوني غير أهل، حقا، مقارنة مع القارئ الأنجلوفوني لفهم هذه التعابير في السياق الواضح كفاية حيث يتم ذكرها. و بالفعل، فإنه يبدو أن مقالة راميير تؤكد أن العائق الرئيس الذي يصطدم به مترجم النصوص متعددة اللغة ليس لغويا بالضرورة و إنما هو نفسي بصفة خاصة.

     و رغم كون موقف راميير يبدو أقل تشددا من موقف فون فلوتو، فمن المهم تبيان أن المترجمتين معا تستعملان إجراءات متشابهة في الترجمة. و فعلا، فهما معا تؤثران الاحتفاظ بالاقتراضات المباشرة و الحرفية كحلين ترجميين للتحديات التي يطرحها التعدد اللغوي للنص الأصلي. فعلى إثر الانتهاء من قراءة هذين المقالتين، يكون من الواضح أنه ليس فقط أمر مرغوب فيه و إنما ممكن ترجمة الهجنة اللغوية لنص ما. و في بعض الحالات، يتعلق الأمر بكل بساطة، بالتجرؤ على اقتباس النص الأصلي.

تركيب و عناصر الخلاصة

     في نهاية الأمر، فإن هذه الدراسة التي بين أيدينا تشدد على مدى أهمية تطوير استراتيجيات جديدة بالنسبة للمترجمين و منظري الترجمة، تكون قمينة بإعادة إنتاج التعدد اللغوي الأدبي بطريقة مناسبة. أولا، إن نظرتنا التاريخية السريعة تبين أن اللاتجانس اللغوي ليس وليد الأمس (حديثا) و حتى أنه لا يقدم إشارات تنم عن الامحاء في المستقبل. كذلك، إن الجهود المتعددة لمنظري الأدب بغية ضبط وظائف الظاهرة و مختلف تجلياتها تميل إلى تأكيد أهميتها. فإذا كان المترجمون قد ظلوا دائما على اتصال بالمشاكل المحايثة لترجمة العناصر اللغوية غير المتجانسة، فإنهم لا يستطيعون أبدا تجاهل ذلك في زمن حيث، كما أحسن قولها ويلمارت، أصبحنا نعاين “رغبة متزايدة في احترام ثقافة الجار رغم الصعوبات التقنية و العملية التي تكون أحيانا غير قابلة للتذليل”. (ويلمارت 1994: 251). من جهة أخرى، فأن نعوض شفرة غير متجانسة بأخرى أكثر “معيارية” هو أمر ينطوي على خطر له عواقب وخيمة على جميع المستويات؛ ففضلا عن تهديده لتماسك النص و تغيير جماليته، فإن توحيد التعدد اللغوي يمكن أن تكون له اليوم تبعات ثقافية أو حتى سياسية كبيرة (فادحة) خاصة عندما يتعلق الأمر بالأدب الذي ينعت بأدب “الأقلية”. قد يبدو، إذا، أنه ليس تماما طبيعة النصوص متعددة اللغة و العصرية هي التي تعلل ترجمة متعددة اللغة و لكن بالأحرى سياقات إنتاجها و تلقيها.

    من المؤكد أن النصوص متعددة اللغة تقدم لنا بلبلة لغوية جديرة ب”برج بابل” و التي تجعل أمر ترجمتها أمرا معقدا. غير أن هذا التحدي لا يعني، بهذا القدر، أنها غير قابلة للترجمة مطلقا. في الواقع، فاستحالة الترجمة تم تكذيبها بواسطة صناعة الترجمة نفسها. وهاهنا يبين ستاينر:

 «We do translate intra-and interlingually and have done so since the beginning of human history». (ستاينر 1992: 264).

إن هذا التأكيد يشمل كذلك النصوص متعددة اللغة. بعد كل هذا، فحتى Wake Finnegans  لجويس، و هو المثال السرمدي لاستحالة الترجمة، حيث يطيب كثيرا للمترجمين الاستشهاد به (من بينهم دريدا)، قد ظهر في عدة لغات (10). فمن غير معرفة “جودة” نُقُولَاتِه، فإن مجرد وجودها فقط، يوحي بأنه، على الأقل، تمكن مواجهته من أجل الوصول إلى نتائج قابلة للنشر. فاليوم، حسب دي بيدرو، يجب أن نعترف بكون:

 «Absolute untranslability, whether linguistic or culture, does not exist (anymore)». (دي بيدرو 1999: 556)

   و بقولنا هذا، فإن المترجمين على وعي بأن نقل نص من لغة إلى أخرى يتسبب بالضرورة في بعض “الحُذوفِ”؛ فالعَصِيُّ ليس الترجمة في حد ذاتها، ولكن بالأحرى “كَمالُها”[14]. (دي بيدرو 1999: 556).

   في الحقيقة، يحدث أن النصوص متعددة اللغة لا تعيد مساءلة مفهوم قابلية الترجمة[15] و لكن بالأحرى مفهوم الترجمة نفسها. و هكذا يزعم سيمون  بأن النصوص متعددة اللغة، ولأنها تملك طابعا “غير مكتمل” في حد ذاتها، فهي تشترط ترجمة تحمل في طياتها آثار هذا النقصان و لا تؤدي “دائما إلى نتيجة متجانسة ولكن – على غرار الهويات الثقافية للعالم المعاصر- تواجه عدم الاكتمال باستمرار”. (سيمون 1994: 181). فنصٌّ ما متعدد اللغة ليس “غريبا” فقط و لكنه، كذلك، “غريب” و ترجمته يجب أن تكون على صورته. و يبدو أن هذا يفترض أن النصوص متعددة اللغة تشترط ترجمة “تغريبية – foreignizing ” كليا، حيث نحس بلاتجانس النص الأصلي أيضا. غير أن بيرمان كان قد دعا مترجمي الأدب إلى “احتضان الآخر” في دراسته المشهورة ” محنة الغريب”. وفي الجواب على دريدا (1985: 215)، فإننا نقترح، إذا، أن ترجمة “بعدة لغات دفعة واحدة” تبقى و بحق ترجمة و لكن بمعنى أوسع من ذلك الذي تعودنا عليه، أي معنى أكثر شمولية و تمثيلية للهُجْنَاتِ المتعاظمة في عالم اليوم.

ob_dec2bb_13100790-10209153137130154-84022660611-1-1-1-1-2-1

*ملاحظات:

1 – رغم كل شيء، فإن بعض الكتاب الرومانسيين، و هم مفتتنون بثقافات البلدان البعيدة، يقحمون بعض العناصر اللغوية “الغريبة” في نصوصهم: “فالإغرابي بيرلوتي يقدم أمثلة جميلة  لعنصر من لغات مشرقية لوصف الفضاء”. (جييز 1961: 81).

2 – إن طريقة الترجمة التي يصفها غروتمان تذهب شيئا ما في نفس الاتجاه لأنها تقتضي الإتيان بكلام الشخصية مباشرة، مع إقحام ترجمة للمقاطع الأجنبية، بطريقة منهجية، و هو ما يسمح للقارئ بتخطي ما لا يفهم. (غروتمان 1993: 210).

3 – غير أن لغة أجنبية ما ليست في حاجة إلى أن تفرض نفسها لتتخلل بإقحامات اللغة الأم. بوجه خاص ف: “الكتابة أو الحياة” تنطوي على بعض المقاطع حيث تبدو فرنسية سومبران منسوخة عن النحو الإسباني: و المقتطف التالي، حيث نجد حذفا منهجيا للفواعل، لَصَادِمٌ على وجه خاص:

 «Ils sont sortis de la voiture à l’ instant, il y a un instant. Ont fait quelques pas au soleil, dégourdissant les jambes. M’ont aperçu alors, se sont avancés». (Semprun.1994 :14).

4 – يقدم هورن مثالا ب “المثل”. (هورن، 1981:233).

5 – يشير هورن، هنا، إلى أن الشاعر الهانغاري ميكلوز رادنوتي قد فضل المصطلح Lager – (Camp de concentration) – “معتقل”؛ عن معادله في لغته الأم، لأن هذه الكلمة الألمانية أكثر انشِحَانًا من ناحية رمزية. (هورن 1981: 238). في نفس السياق، نستحضر الجملة: « Krematorium ausmachen ! »- (Eteignez le crématoire !)، المتداولة بحدة في اللغة الألمانية، في “الكتابة أو الحياة” لجورج سومبران.

6 – يحيل هورن على سكوغت و غروتمان مثبتا أن الاستشهادات المقترضة في اللغات “قديرة” بحيث تُعلي من مستوى النص  و تعطيه نوعا من الأناقة. (هورن 1981: 239).

7-  قد تُسول للقارئ المتنور نفسه لمساءلة دريدا لماذا لا يعالج هو نفسه هذه القضية إلا بالقول دون الفعل ” و بدون شهية”.

8 – Post-Colonial Translation.Theory and practice (1999) ;ed. by Susan Bassnett and Harish Trivedi ,London and New york,Routledge ,changing the terms :Translating  in the post colonial Era (2000) Ed.by Sherry Simon and Paul St. pierre,Ottawa,University of Ottawa Press, Rethinking Translation : Discourse,Subjectivity, Ideology (1992) ;Ed.by Lawrence  Venuti, London and New York, Routledge.                                                                                                                                    

9 – Luise Von Flotow (2000): (Life is a Caravanserai: Translating Translated Marginality, a Turkish – German Zwittertext in English», Meta, 45-1, pp.65-72, Nathalie Ramiere (2003). «Strategies de traduction dans The Widows de Suzette Mayr», TTR, 16-2, pp-175-196.

10- نظرة على فهرس الترجمة L’Index Translation  الخاص باليونسكو تكفي: فهاهنا تتم الإشارة  إلى عشرات الترجمات، و بصفة خاصة، بالفرنسية، الألمانية، الإسبانية، الهولندية و بما في ذلك واحدة باليابانية.
____

[1]  العنوان الأصلي لهذه الدراسة هو: Au tour de Babel! les defis multiples du multilinguisme.، و هي منشورة بمجلة “Meta”، المجلد 53، ع 3، شتنبر 2008، ص – ص: 457 – 470. و قد احترت في إيجاد مقابل عربي للمركب التالي: Au tour !، فراسلت الباحثة عبر الإنترنيت و كان جوابها كالتالي:

Je me réjouis que vous vous intéressiez à mes recherches et que

vous ayez entrepris de traduire mon article en arabe.                                   
Le titre de l’article est un jeu de mots: «au tour» écrit ainsi (en deux mots), signifie «à son tour» (c’est-à-dire que c’est maintenant à Babel d’être un sujet de discussion). Mais on entend bien sûr «autour» (en un mot), un clin d’œil que vous avez compris: plusieurs traductologues parlent de Babel (du multilinguisme) sans aborder le fond de la question ou ses implications réelles en traduction (le “faux espace” auquel vous faites référence).

وهكذا ترجمت هذا المركب ب: “حان زمن بابل!” بعدما كان “عن برج بابل” في النسخة الأولى التي نشرتها في “صحيفة المثقف العربي” في وقت سابق. و نشرت هذه الدراسة الأصلية سنة 2008 كما أشرنا إلى ذلك سابقا. (المترجم).

[1]  بناء شامخ يعتقد أنه بني في مدينة بابل في بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا). ورد ذكره في العديد من المصادر التاريخية و الدينية قديما. و هكذا جاء في سفر التكوين ( الفصل 11 من 1 – 9) أن بناء برج بابل يعزى إلى سلالة النبي نوح عليه السلام. فقد كان يدور في خلد بنائيه أن يوصلوه إلى السماء، و لكن الإله السرمدي فرق الألسن ( أي بلبلها) بحسب السفر ليمنعهم من تحقيق أمنيتهم و شتتهم بعدئذ في مشارق الأرض و مغاربها. (المترجم).

[1] الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، لهذا نحيل على أسماء عملاقة خاصة في مجال النقد الأدبي الحديث مثل: تزفيتان تودوروف، ألجيرداس جوليان غريماس، لوسيان غولدمان و غيرهم. (المترجم).

[1] مؤلف وعالم لغوي يعمل حالياً أستاذاً في جامعتي كامبردج وجنيف، من أهم مؤلفاته “تولسـتوي و دوستيفسـكي” (1959)، و “موت المأساة” (1960) حيث يذهب إلى أن سبب موت المأساة هو المنظومة المعرفية المسيحية ثم الماركسية. و في “اللغة والصمت” (1967)، يتناول مسألة التآكل التدريجي للرؤية الإنسانية (الهيومانية) بسبب إفساد اللغة عن طريق الدعاية السياسية والإباحية والماركسية، ومن ثمة يصبح الصمت الاستجابة الوحيدة اللائقة لفظائع عصرنا. وفي “قلعة بلو بيرد” (1971) يبين أن ثمة علاقة بين التجريد الموضوعي الذي يتسم به البحث العلمي وبين عدم اكتراث البشر بالحقائق السياسية الاجتماعية المتعينة. طوَّر ستاينر موضوع اللغة في كتابيه: “خارج حدود الدولة” (1971)، و “بعد بابل” (1975)، حيث يحاول أن يقدم نموذجاً لعملية الفهم والإدراك. وقد كتب ستاينر رواية مثيرة بعنوان “حَمْل أ. هـ إلى سان كريستوبال” (1981)، وهي رواية يتخيل مؤلفها أن جماعة من الإسرائيليين تكتشف أن أدولف هتلر (أ.هـ) مختبئ في غابات الأمازون في أمريكا اللاتينية، فتقـوم باختطافه لتحاكمـه على جرائمه ضد البشرية. ولكن عند حدود الغابة، في الرقعة التي تفصل بين الغابة والعالم الذي يُقال له متحضر، يقوم هتلر بالدفاع عن نفسه فيبيِّن أن أفكاراً مثل فكرة « الشعب المختار صاحب الرسالة» هي أفكار وجدها في تراث اليهود الديني، ومادام الرايخ قد ولد إسرائيل، أفليس من الممكن أن يكون هتلر نفسه هو الماشيَّح الحق؟ (المترجم).

[1] تطرق إلى ازدواجية اللغة و امتزاج اللغات علماء مسلمون أجلاء، منهم الجاحظ في “البيان و التبين”  و “الحيوان”، والفارابي في “كتاب الحروف” و الشهرستاني في “نهاية الأقدام في علم الكلام”  و ابن منظور في “لسان العرب” و ابن خلدون في “المقدمة” و ابن جني في “الخصائص” و كمال الدين الزملكاني في “البرهان الكاشف في إعجاز القرآن” و القاضي عبد الجبار في “المغني” و ابن حزم في “الإحكام”. (المترجم).

[1] نقصد بهذا المصطلح تنوع اللغات و اللهجات عند جماعة بشرية معينة. و يحيل على الهوية و الانتماء الجمعي. (المترجم).

[1] يعني هذا المصطلح قدرة الفرد الواحد و ليس الجماعة على التواصل بأكثر من لغة بما في ذلك لغته الأم. ( المترجم).

[1] لقب يطلق على المكسيكين القاطنين بالولايات المتحدة الأمريكية، بل يعني أحيانا حتى المنحدرين من دول أمريكولاتينية أخرى و القاطنين ببلد جورج واشنطن. و لهذا اللقب دلالة قدحية و في نفس الوقت أصبح يثير إعجاب الأمريكيين و غيرهم باعتبار الأمر يتعلق بطريقة في الحياة و وجهة نظر للملبس و المأكل و المشرب و التكلم الذي هو مزيج من الإسبانية و الإنجليزية. (المترجم).

[1] نقصد به ذلك التصادي الذي يحدث بين نظامين لغويين أو أكثر فتنعكس بعض خصائص الأول في الثاني أو العكس. و قد أشار أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (توفي سنة 255 ه)، في القرن الثالث الهجري طبعا، إلى هذه القضية بقوله في كتاب “الحيوان”: “ولا بدَّ للتَّرجُمانَ من أن يكون بيانهُ في نفس الترجمة في وزْن علمه في نفسِ المعرفة وينبغي أن يكون أعلمَ الناس باللغة المنقولة والمنقولِ إليها حتَّى يكون فيهمِا سواءً وغاية ومتى وجدناه أيضاً قد تكلّم بلسانين علمنا أنَّه قد أدخلَ الضيمَ عليهما لأنَّ كل واحدةٍ من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذُ منها وتعترضُ عليها وكيف يكونُ تمكُّنُ اللسان منهما مجتمعين فيه كتمكُّنِه إذا انفرد بالواحدة وإنَّما له قوَّةٌ واحدة فَإنْ تكلّمَ بلغةٍ واحدة استُفْرِغَتْ تلك القوَّةُ عليهما وكذلك إنْ تكلَّم بأكثرَ مِنْ لغتين وعلى حساب ذلك تكون الترجمةُ لجميع اللغات وكلَّما كانَ البابُ من العلم أعسرَ وأضيق والعلماءُ به أقلَّ كان أشدَّ على المترجِم وأجدرَ أن يخطئ فيه ولن تجد البتَّةَ مترجماً يفِي بواحدٍ من هؤلاء العلماء .(المترجم).

[1] فيلسوف فرنسي أشهر من نار على علم. ولد بالجزائر، و هو صاحب ما يعرف ب: “نظرية التفكيك”. هذا و يعد “التفكيك” أهم حركة ما بعد بنيوية في النقد الأدبي فضلاً عن كونها الحركة الأكثر إثارة للجدل أيضاً. و ربما لا توجد نظرية في النقد الأدبي قد أثارت موجات من الإعجاب وخلقت حالة من النفور والامتعاض مثلما فعل التفكيك في السنوات الأخيرة. فمن ناحية نجد أن بعض أعمدة النقد (مثل ج. هيليس ميلر وبول دي مان وجيفري هارتمن وهارولد بلوم) هم رواد التفكيك على الصعيدين النظري والتطبيقي على الرغم من تباين أسلوبهم وحماسهم، ومن ناحية أخرى نجد أن الكثير من النقاد الذين ينضوون في خانة النقد التقليدي يبدون سخطهم على التفكيك الذي يعدونه سخيفاً وشريراً ومدمراً. ولم يخل أي مركز فكري في أوروبا وأمريكا من الجدل في قيمة هذه النظرية الجديدة في النقد .

فهل التفكيك مدمر حقاً؟ إذا كان الجواب نعم، كيف يكون ذلك و لماذا؟ وإذا كان الجواب لا، فلماذا هذا الرعب؟ لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة إلا بعد فهم مفاهيم التفكيك الرئيسة وتقويمها، ولعل أفضل موضع يمكن أن ننطلق منه لتحقيق غايتنا هو كتاب ”في علم الكتابة” الذي يعد لسان التفكيك. (المترجم).

[1]  أنطوان بيرمان ( 1942 – 1991). مؤسس و مدير مركز جاك أميوت. له مساهمات هامة في التنظير للترجمة و إبراز مظاهرها الاجتماعية و الأيديولوجية و التاريخية. (المترجم).

[1] “الدبلجة” Dubbing  أو doublage  هو اللفظ المعرب الشائع لوصف الترجمة التي تحل فيها لغة الهدف صوتا محل لغة المصدر في وسائط النشر المسموعة/المرئية كالأفلام السينمائية و التلفزية. أما “السترجة” فتوليد تم اقتراحه لتعريب Subtitling   أو sous-titrage، و هي الترجمة بكتابة اللغة الهدف على الشاشة و بقاء اللغة المصدر صوتا مسموعا في الأفلام و الوثائق المرئية. و مع الانتشار الواسع لهذين النوعين من الترجمة فإن الأدبيات النظرية باللغة العربية عنهما لا تكاد تذكر. (المترجم).

[1] يتعلق الأمر بثاني رواية باللغة الألمانية لكاتبة من أصل تركي  اسمها إمين سيفغي أوزدمار. و قد صدرت سنة 1992. و ترجمت إلى العديد من اللغات من بينها الإنجليزية و الفرنسية. شخوص هذه الرواية أتراك و حتى فضاؤها و العادات و التقاليد التي تصورها بل و حتى طريقة الكتابة متركنة. فهي تحكي متخيلا تركيا باللغة الألمانية مما دفع مترجمة هذا العمل أي لويز فون فلوتو تذهب إلى القول إن ترجمة هذا العمل الروائي من الألمانية تقتضي ترجمة الترجمة. (المترجم).

[1] أستاذة مادة الترجمة و مديرة مدرسة الترجمة التحريرية و الترجمة الفورية بكندا. أستاذة بجامعة أوطاوا كذلك. كندية المولد و ألمانية الأصل. لها العديد من المساهمات في مجال علوم الترجمة. (المترجم).

[1] في تقديرنا الشخصي، يبقى الحديث عن كمال الترجمة أمرا “طوباويا” ذلك أن النصوص تسمى نصوصا لأنها قابلة لترجمات عدة و ليس لترجمة واحدة، فقط يمكن أن نتحدث عن ترجمة تقترب من النص الأصلي، أما الترجمة الكاملة فهذا شيء غير ممكن نظرا للعديد من الأسباب ليس هذا السياق  مجالا سانحا للخوض فيها. (المترجم).

[1] مفهوم مركزي في الدراسات الترجمية. لقد أُسيل بصدده كثيرُ حبرٍ و عقدت له المؤتمرات و ضربت له المواعيد. و نجمل القول بشأنه فنقول إن جميع النصوص قابلة للترجمة أيا كانت لغتها و مستواها الفني و الجمالي و الفكري و زمان كتابتها. (ا

الهوامش:

   Bassnett, S. and H. Trivedi (1999): Post – Colonial Translation. Theory and Practice, London and New York, Rutledge.

   Berman, A. (1985): «La traduction comme épreuve de l’étranger», Texte 4: Traduction: Textualité/ Text: Translatability, Toronto, Trinity Collège, pp. 67 -81.

   De Pedro, R. (1999): The translatability of texts: A historical Overview, Meta 44 – 4, pp. 546 – 559.

   Derrida, J. (1982): L’oreille de l’autre: Autobiographies, transferts, traductions. In Levesque, C. ET C. Macdonald (Dir.), Textes et débats avec Jacques Derrida Montréal, VLB, pp. 125 – 212.

   Derrida, J. (1985): Des tours de Babel, in Graham, J. F. (Ed), Difference in Translation, Ithaca and London, Cornell University Press. pp. 209 – 248.

   Elwert, W. Th. (1960): L’emploi de langues étrangères comme procédé stylistique, Revue de littérature comparée 34, pp. 409 – 437.

Forster, L. (1970): The poet’s Tongues: Multilingualism in literature, London, New York ans Sydney, Cambridge University Press.

   Giese, W.(1961): El empleo de lenguas extranjeras en la obra literaria, Studia Philologica II, Homenaje ofrecido a Dámaso Alonso por sus amigos y discípulos  con ocasión de su 60° aniversario, Madrid, Editorial Gredos, pp.79 – 90.

    Grutman, R. (1990): Le bilinguisme littéraire comme relation intersystémique, Canadian Review of Comparative Littérature-Revue Canadienne de littérature comparée 17/3- 4, pp.198 – 212.

    Grutman, R. (1993): “Mono versus Stereo: Bilingualism’s Double Face”, Visible Language, 27/1-2, pp. 206-226.

   Grutman, R. (2004): Multilingualism and Translation, in BAKER, M. (ed.), Routledge Encyclopedia of Translation Studies, London and New York, Routledge, pp. 157-160.

   Heiss, C. (2004): Dubbing multilingual films: A New Chalenge? Meta 49-1, pp. 208-220.

   Horn, A. (1981): Asthetische funktionen der Sprachmischung in der literatur, Arcadia 16- 3, pp. 225-241.

    Klein – Lataud, C. (1996): Les voix parallèles de Nancy Huston, TTR 9 – 1, pp.211 – 231.

    Kurtosi, K. (1993): Poets of Bifurcated Tongues, or on the Plurilingualism of Canadian – Hungarian poets, TTR 6 – 2, pp.103 – 130.

    Lewis, R. A. (2003): Langue metissée  et traduction: Quelques enjeux théoriques, Meta 48-3, pp.411- 420.

      Mackey, W. (1993): Literary Diglossia: Biculturalism and Cosmopolitanism in Literature, Visible Language 21/1-2, and pp. 40 – 66.

    Mezei, K. (1988): Speaking White: Literary Translation as a Vehicle of Assimilation in Quebec, Canadian literature – Littérature Canadienne117, pp. 11-24.

    Patry, R. (2001): La traduction du vocabulaire anglais francisé  dans l’œuvre de jacques Ferron: Une impossible épreuve de l’étranger, Meta 46-3, pp. 449 – 466.

     Ramiere, N. (2003): Stratégies de traduction et non- traduction dans The Widows  de Suzette Mayr, TTR, 16-2, pp. 175-196.

   Sarkonak, R. and R. Hodgson (1993), Seeing in Depth: The Practice of Bilingual Writing, Visible Language 21/1-2, pp. 6-39.

  Schogt, H. G. (1988): Foreign Languages and Dialects, Linguistics, literary Analysis and Literary Translation, Toronto, Buffalo and London, University of Toronto Press, pp.112 – 119.

    Semprun, J. (1994): L’écriture ou la vie, Paris, Gallimard.

    Simon, S. and P. ST. Pierre (Eds) (2000): Changing the terms: Translating in the post- Colonial Era, Ottawa, and University of Ottawa Press.

     Simon, S. (1996): Entre les langues: Between de Christine Brooke – Rose, TTR9 – 1, pp. 55 – 71.

     Simon, S. (1994): Le trafic des langues – Traduction et culture dans la littérature québécoise, Montréal, Boréal.

     Steiner, G. (1992): After Babel: Aspects of Language and Translation, New York, Oxford University Press.

     Sternberg, M. (1981): Polylingualism as reality and Translation as Mimesis, Poetics Today 2 – 4, pp.221-239.

   Venuti, L. (Ed) (1992): Rethinking Translation: Discourse, Subjectivity, Ideologie, London and New York, Routledge.

     Von Flotow, L. (2000): Life is a caravanserai: Translating Marginality, a Turkish – German Zwittertext in English, Meta 45 – 1, pp.65-72.

    Wuilmart, F. (1994): La traduction littéraire: Son «européanisation», sa didactique, Meta, 39 – 1, pp.250 – 256.

*شاعرة، مترجمة و أستاذة للترجميات بجامعة كيبيك / أوطاوا- غاتينو (كندا). حاصلة على الدكتوراه في علوم الترجمة من جامعة لافال. باحثة متعددة اللغات. لها العديد من الترجمات الأدبية و الدراسات الترجمية. حصلت سنة 2013 على جائزة جون غلاسكو  الأدبية في نسختها الثلاثين.

** كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.

[1]  بناء شامخ يعتقد أنه بني في مدينة بابل في بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا). ورد ذكره في العديد من المصادر التاريخية و الدينية قديما. و هكذا جاء في سفر التكوين ( الفصل 11 من 1 – 9) أن بناء برج بابل يعزى إلى سلالة النبي نوح عليه السلام. فقد كان يدور في خلد بنائيه أن يوصلوه إلى السماء، و لكن الإله السرمدي فرق الألسن ( أي بلبلها) بحسب السفر ليمنعهم من تحقيق أمنيتهم و شتتهم بعدئذ في مشارق الأرض و مغاربها. (المترجم).

[2] الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، لهذا نحيل على أسماء عملاقة خاصة في مجال النقد الأدبي الحديث مثل: تزفيتان تودوروف، ألجيرداس جوليان غريماس، لوسيان غولدمان و غيرهم. (المترجم).

[3] مؤلف وعالم لغوي يعمل حالياً أستاذاً في جامعتي كامبردج وجنيف، من أهم مؤلفاته “تولسـتوي و دوستيفسـكي” (1959)، و “موت المأساة” (1960) حيث يذهب إلى أن سبب موت المأساة هو المنظومة المعرفية المسيحية ثم الماركسية. و في “اللغة والصمت” (1967)، يتناول مسألة التآكل التدريجي للرؤية الإنسانية (الهيومانية) بسبب إفساد اللغة عن طريق الدعاية السياسية والإباحية والماركسية، ومن ثمة يصبح الصمت الاستجابة الوحيدة اللائقة لفظائع عصرنا. وفي “قلعة بلو بيرد” (1971) يبين أن ثمة علاقة بين التجريد الموضوعي الذي يتسم به البحث العلمي وبين عدم اكتراث البشر بالحقائق السياسية الاجتماعية المتعينة. طوَّر ستاينر موضوع اللغة في كتابيه: “خارج حدود الدولة” (1971)، و “بعد بابل” (1975)، حيث يحاول أن يقدم نموذجاً لعملية الفهم والإدراك. وقد كتب ستاينر رواية مثيرة بعنوان “حَمْل أ. هـ إلى سان كريستوبال” (1981)، وهي رواية يتخيل مؤلفها أن جماعة من الإسرائيليين تكتشف أن أدولف هتلر (أ.هـ) مختبئ في غابات الأمازون في أمريكا اللاتينية، فتقـوم باختطافه لتحاكمـه على جرائمه ضد البشرية. ولكن عند حدود الغابة، في الرقعة التي تفصل بين الغابة والعالم الذي يُقال له متحضر، يقوم هتلر بالدفاع عن نفسه فيبيِّن أن أفكاراً مثل فكرة « الشعب المختار صاحب الرسالة» هي أفكار وجدها في تراث اليهود الديني، ومادام الرايخ قد ولد إسرائيل، أفليس من الممكن أن يكون هتلر نفسه هو الماشيَّح الحق؟ (المترجم).

[4] تطرق إلى ازدواجية اللغة و امتزاج اللغات علماء مسلمون أجلاء، منهم الجاحظ في “البيان و التبين”  و “الحيوان”، والفارابي في “كتاب الحروف” و الشهرستاني في “نهاية الأقدام في علم الكلام”  و ابن منظور في “لسان العرب” و ابن خلدون في “المقدمة” و ابن جني في “الخصائص” و كمال الدين الزملكاني في “البرهان الكاشف في إعجاز القرآن” و القاضي عبد الجبار في “المغني” و ابن حزم في “الإحكام”. (المترجم).

[5] نقصد بهذا المصطلح تنوع اللغات و اللهجات عند جماعة بشرية معينة. و يحيل على الهوية و الانتماء الجمعي. (المترجم).

[6] يعني هذا المصطلح قدرة الفرد الواحد و ليس الجماعة على التواصل بأكثر من لغة بما في ذلك لغته الأم. ( المترجم).

[7] لقب يطلق على المكسيكين القاطنين بالولايات المتحدة الأمريكية، بل يعني أحيانا حتى المنحدرين من دول أمريكولاتينية أخرى و القاطنين ببلد جورج واشنطن. و لهذا اللقب دلالة قدحية و في نفس الوقت أصبح يثير إعجاب الأمريكيين و غيرهم باعتبار الأمر يتعلق بطريقة في الحياة و وجهة نظر للملبس و المأكل و المشرب و التكلم الذي هو مزيج من الإسبانية و الإنجليزية. (المترجم).

[8] نقصد به ذلك التصادي الذي يحدث بين نظامين لغويين أو أكثر فتنعكس بعض خصائص الأول في الثاني أو العكس. و قد أشار أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (توفي سنة 255 ه)، في القرن الثالث الهجري طبعا، إلى هذه القضية بقوله في كتاب “الحيوان”: “ولا بدَّ للتَّرجُمانَ من أن يكون بيانهُ في نفس الترجمة في وزْن علمه في نفسِ المعرفة وينبغي أن يكون أعلمَ الناس باللغة المنقولة والمنقولِ إليها حتَّى يكون فيهمِا سواءً وغاية ومتى وجدناه أيضاً قد تكلّم بلسانين علمنا أنَّه قد أدخلَ الضيمَ عليهما لأنَّ كل واحدةٍ من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذُ منها وتعترضُ عليها وكيف يكونُ تمكُّنُ اللسان منهما مجتمعين فيه كتمكُّنِه إذا انفرد بالواحدة وإنَّما له قوَّةٌ واحدة فَإنْ تكلّمَ بلغةٍ واحدة استُفْرِغَتْ تلك القوَّةُ عليهما وكذلك إنْ تكلَّم بأكثرَ مِنْ لغتين وعلى حساب ذلك تكون الترجمةُ لجميع اللغات وكلَّما كانَ البابُ من العلم أعسرَ وأضيق والعلماءُ به أقلَّ كان أشدَّ على المترجِم وأجدرَ أن يخطئ فيه ولن تجد البتَّةَ مترجماً يفِي بواحدٍ من هؤلاء العلماء .(المترجم).

[9] فيلسوف فرنسي أشهر من نار على علم. ولد بالجزائر، و هو صاحب ما يعرف ب: “نظرية التفكيك”. هذا و يعد “التفكيك” أهم حركة ما بعد بنيوية في النقد الأدبي فضلاً عن كونها الحركة الأكثر إثارة للجدل أيضاً. و ربما لا توجد نظرية في النقد الأدبي قد أثارت موجات من الإعجاب وخلقت حالة من النفور والامتعاض مثلما فعل التفكيك في السنوات الأخيرة. فمن ناحية نجد أن بعض أعمدة النقد (مثل ج. هيليس ميلر وبول دي مان وجيفري هارتمن وهارولد بلوم) هم رواد التفكيك على الصعيدين النظري والتطبيقي على الرغم من تباين أسلوبهم وحماسهم، ومن ناحية أخرى نجد أن الكثير من النقاد الذين ينضوون في خانة النقد التقليدي يبدون سخطهم على التفكيك الذي يعدونه سخيفاً وشريراً ومدمراً. ولم يخل أي مركز فكري في أوروبا وأمريكا من الجدل في قيمة هذه النظرية الجديدة في النقد .

فهل التفكيك مدمر حقاً؟ إذا كان الجواب نعم، كيف يكون ذلك و لماذا؟ وإذا كان الجواب لا، فلماذا هذا الرعب؟ لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة إلا بعد فهم مفاهيم التفكيك الرئيسة وتقويمها، ولعل أفضل موضع يمكن أن ننطلق منه لتحقيق غايتنا هو كتاب ”في علم الكتابة” الذي يعد لسان التفكيك. (المترجم).

[10]  أنطوان بيرمان ( 1942 – 1991). مؤسس و مدير مركز جاك أميوت. له مساهمات هامة في التنظير للترجمة و إبراز مظاهرها الاجتماعية و الأيديولوجية و التاريخية. (المترجم).

[11] “الدبلجة” Dubbing  أو doublage  هو اللفظ المعرب الشائع لوصف الترجمة التي تحل فيها لغة الهدف صوتا محل لغة المصدر في وسائط النشر المسموعة/المرئية كالأفلام السينمائية و التلفزية. أما “السترجة” فتوليد تم اقتراحه لتعريب Subtitling   أو sous-titrage، و هي الترجمة بكتابة اللغة الهدف على الشاشة و بقاء اللغة المصدر صوتا مسموعا في الأفلام و الوثائق المرئية. و مع الانتشار الواسع لهذين النوعين من الترجمة فإن الأدبيات النظرية باللغة العربية عنهما لا تكاد تذكر. (المترجم).

[12] يتعلق الأمر بثاني رواية باللغة الألمانية لكاتبة من أصل تركي  اسمها إمين سيفغي أوزدمار. و قد صدرت سنة 1992. و ترجمت إلى العديد من اللغات من بينها الإنجليزية و الفرنسية. شخوص هذه الرواية أتراك و حتى فضاؤها و العادات و التقاليد التي تصورها بل و حتى طريقة الكتابة متركنة. فهي تحكي متخيلا تركيا باللغة الألمانية مما دفع مترجمة هذا العمل أي لويز فون فلوتو تذهب إلى القول إن ترجمة هذا العمل الروائي من الألمانية تقتضي ترجمة الترجمة. (المترجم).

[13] أستاذة مادة الترجمة و مديرة مدرسة الترجمة التحريرية و الترجمة الفورية بكندا. أستاذة بجامعة أوطاوا كذلك. كندية المولد و ألمانية الأصل. لها العديد من المساهمات في مجال علوم الترجمة. (المترجم).

[14] في تقديرنا الشخصي، يبقى الحديث عن كمال الترجمة أمرا “طوباويا” ذلك أن النصوص تسمى نصوصا لأنها قابلة لترجمات عدة و ليس لترجمة واحدة، فقط يمكن أن نتحدث عن ترجمة تقترب من النص الأصلي، أما الترجمة الكاملة فهذا شيء غير ممكن نظرا للعديد من الأسباب ليس هذا السياق  مجالا سانحا للخوض فيها. (المترجم).

[15] مفهوم مركزي في الدراسات الترجمية. لقد أُسيل بصدده كثيرُ حبرٍ و عقدت له المؤتمرات و ضربت له المواعيد. و نجمل القول بشأنه فنقول إن جميع النصوص قابلة للترجمة أيا كانت لغتها و مستواها الفني و الجمالي و الفكري و زمان كتابتها. (المترجم).

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *